خطبة الغراب

أحمد برقاوي

أبناءَ الأرض

وأنا ابن الأرض الأقدم،

من أعلى هاماتِ الشجر  أخاطبكم

وأناشدُ رمق القلب المتبقي

في داخلكم

وبقايا العقلِ الموؤود في ترب غرائزكم

وأسألكم :

لماذا سمّيتم صوتي -لغتي

نعيقًا ونعيبًا ؟

ما أجهلَكم يا أولادَ الحرفِ

بلغة الطير

أتراه غنائي على شجر السرو

نعيقاً ونعيباً !

وندائي شوقاً.. أنثاي نعيقاً ونعيباً

وبكائي حزناً موتايَ نعيقاً  ونعيباً

ما أجهلكم يا أولاد سفاحِ القربى

بفقهِ الأصوات

فلي مثل ما لكم يا أصحابَ الراياتِ السوداءِ

بكاءٌ وحشرجةٌ وأنينٌ

قهقهةٌ ودندنةٌ وصراخ

غناءٌ ومواويلُ حداء

شبّهتم شرّ القول

بنعيق غرابٍ في الخرب

وأنا لم أسكُنها يوماً

وخرائبُكم .. وجهٌ من اوجه شر سرائركم

سوادي يزعجكم ؟

وأنا لم أخترْ لوني زيفاً

ولا مثلتُ الحزنَ بثوب سواد

أو شاراتِ سواد

يا أشباه القلب ولا قلب

أينَكُم من حزن فؤادي

وطقوسِ الأتراحِ على موتاي

ورقصي ألمًا ودفنِي أنثاي

أنسيتم يا أولاد سفاحِ القربى

بأني أرسلتُ لهابيل

لأداري سوأة أوّل مقتولٍ

من أجل الأنثى

والقاتلُ جدّكم الشريرالأولُ 

والأنثى أختُ القاتلِ والمقتول

مهلًا يا أولاد القاتلِ والعاصي :

سوادي أبيضُ من أبيضِ قلبٍ فيكم

لم أقتلْ يوماً ثأراً أو وأدًا

لم أطعنْ طفلًا

لمْ أغدُرْ

لمْ أفسدْ في الأرض

ولم أسفحْ دماء العشاق

أتريدون الحق يا “أهل الحق”

قليلٌ لحمي ومرٌّ

فَكَرِهْتم لحمي

دبّجتم أحلى الأشعار

بحمامٍ شاكٍ وحمام باكٍ

وحمامٍ شاد

وجعلتمْ منه بريداً بين العشاق

ورمزَ سلام

ثم نثرتمْ لحم المسكين فوقَ موائدكم

ما أكذَبَكم يا أعداء الطير

سخِرتمْ منّي

بأنّي من أهل التقليد

حسدًا من طيرِ مسكين

وأنا الأذكى من كلّ قطا الأرض

وأفهمُ

أنتمْ أهلُ الحسد وأبناءُ الحساد

وفيكم شَرّ الحسدِ مسطورٌ في القرآن

سمّيتموني شؤماً

وأنا الذي أتطيّر من منظَرِكم

يا أعنفَ خلقِ الله

لمْ أسْجُنْ أحداَ من أقراني

ولا أطلقتُ النار على الأكبادِ

غرابٌ أنا

وأنا مسطورٌ بما أوحى َإليّ

ربكمُ الأعلى

أطلُّ عليكم من هاماتِ الشجر الأحلى

يا من طأطأتمْ

للطّاغية الأنذلِ ذلًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى