مقال

حينما يطفو طيف الحبيب على كيان الشاعر

بقلم: إسماعيل السخيري

نشر الشاعر المغربي التطواني سعيد يفلح العمراني، آخر قصيدة له على حسابه الفيسبوكي 27 يناير 2023، طبعا لم يضع لها عنوانا لأنه يشرك القارئ في امتلاك النص، فالنص في اعتقاده يخرج من حيز ملكيته إلى ملكية القارئ حال نشره ورقيا أو بوسيلة من الوسائل.
أيضا يسلك نهجا تراثيا في قصائده فكما نعلم بأن آخر ما كان يفكر فيه الشعراء القدامى هو العنوان بل لم يكن موجودا في الشعر، ومثال ذلك قصائد طرفة وزهير وحسان وكعب وغيرهم كثير، لكن كان هناك شيء اسمه الموضوع، موضوع القصيدة أو الغرض.والغرض هو مدار القصيد كلها.
أما بخصوص القصيدة الحديثة فتم من خلالها استحداث الموضوع والعنوان. قلت هنا في قصيدة سعيد يفلح العمراني التي يبدأها بهذا الشطر الشعري متسائلا: أكان طيفك يطفو
ثم يضيف؛ على غرقي.. تاركا النقاط للقارئ كي يكمل مسير التأويل. فالسطر الشعري هنا يبدأ ببلاغة الجناس طيفك/يطفو . فالطفو إذن سببه طيفها فمن طيفها أتى الطفو، هذا الطيف الذي أرق الشاعر لم يفارقه حتى في غرقه سواء المادي أو المعنوي.
هنا الشاعر يغرق في الحب لمجرد مرور طيف المحبوبة، هذا أثر بليع من المحبوب على المحب. ثم إن هذا الأثر له أقدميته لكنه لازال مؤثرا. الشاعر هنا لا يصدق في قصيدته المنغومة هذه أن طيفها يطفو في غرقه لذلك يتساءل حائرا.
تستمر معاناته مع طيف محبوبته فيدعوها لتدثره لأنها تسكن خيالا لدرجة حرمانه من النوم فلا نوم إلا بوجود طيفها، حينها سينام رغم الأرق.
لم يطارده الطيف في حياته فقط بل حتى في إبداعه ومداده يستحيل الطيف إلى كلمات فيخط العشق الأزلي بعربدة وكبرياء. لكن الذي زاد الشاعر حيرة هو أنه لا يعلم من أين أتى الطيف ومن هي صاحبته يقول؛ أخبريني من أنت وإلا سأعوذ منك برب الفلق..
هنا الشاعر يستنجد بمرجعيته الدينية لأنه ثمة تضمين أو اقتباس لآية من سورة الفلق. لأنه لم يعد في مأمن فالخلاص هو الاستنجاد بالنور في عتمة الطيف اللغز ..المحبوب اللغز الذي أثر على حركة حياة الشاعر بل حتى على لغته.
إنها قصيدة حداثية إذن شكلا ومضمونا وإيقاعا. قصيرة موجزة تتماشى وحركية الزمن العربي والعقلية الكونية التي تميل إلى المشاهد القصيرة كما هو شائع على مواقع التواصل (relis) من حيث المعجم فكلماتها متاحة للفهم تفتح مغاليق التأويل عكس بعض القصائد التي تسد منافذ المعنى وتتحرك في فراغات الدلالة مدعية الغموض ..لكن أيضا على الشاعر سعيد يفلح أن يجاري دفقته وألا يستسلم لسطوة النغم الذي يعربد على قصيدته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى