اضطراب التعلم المُحدد ” النوعي أو الخاص “
إعداد: د. محمد السعيد أبو حلاوة | أستاذ الصحة النفسية المشارك، كلية التربية، جامعة دمنهور
أولاً- مقدمة:
يدرج اضطراب التعلم المُحدد “النوعي أو الخاص”في الدليل التشخيصي الإحصائي الخامس الصادر في مايو سنة 2013 عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي تحت فئة “الاضطرابات النمائية العصبية DSM-5 Category: Neurodevelopmental Disorders“.
وينظر إلى “اضطراب التعلمالمُحدد “النوعي أو الخاص” على أنه اضطرابًا له أسس بيولوجية عصبية نمائية يؤثر على قدرة الشخص على تلقي، معالجة، و/أو التعبير عن المعلومات (American Psychiatric Association, 2013).
ويعتقد أن اضطراب التعلم المُحدد “النوعي أو الخاص”وفقًا لهذا التصور ينشأ أساسًا نتيجة اختلالات abnormalities في قدرة الدماغ على استقبال ومعالجة المعلومات الأمر الذي يفضي إلى مواجهة الشخص لصعوبات في تعلم المهارات الأكاديمية الأساسية مثل: القراءة بخصائصها من دقة وطلاقة وفهم، التهجي واللغة التعبيرية، وأداء العمليات الحسابية والاستدلال الحسابي.
ونتيجة لصيغ القصور في المهارات الأكاديمية الجوهرية هذه، تتابع مظاهر معاناة الشخص في تعلم الموضوعات الدراسية الأكثر تعقيدًا، بما يفضي في نهاية الأمر إلى وجود فجوة جوهرية في الإنجاز أو التحصيل الدراسي للشخص مقارنة بما هو متوقع منه وفقًا لعمره وقدرته الذهنية أو العقلية intellectual ability.
وعلى ذلك فإن الفجوة والانخفاض الجوهري الناتج عن معاناة الشخص من مشكلات سميعة أو التعليم الأكاديمي غير المناسب أو التواجد في بيئة تعليمية فقيرة وغير ملائمة لا يعد مؤشرًا على اضطراب التعلم المُحدد “النوعي أو الخاص”.
ثانيًا- تعريف اضطراب التعلم المُحدد “النوعي أو الخاص”:
يعرف مصطلح “اضطراب التعلم المٌحدد أو النوعي أو الخاص” كبديل في التسمية لمصطلح “صعوبة التعلم النوعية أو الخاصة SLD” بأنه “اضطراب نمائي عصبي له أسس بيولوجية تؤثر على المهارات الأكاديمية للفرد، وليس على المعالم أو المراحل النمائية العامة”، ويمكن توضيح المكونات الأساسية المتضمنة في هذا التعريف على النحو التالي:
- عصبي نمائي Neurodevelopmental: يعني يرتبط بكيفية ومسار نمو الدماغ.
- اضطراب Disorder: يعني اختلال في الأداء الوظيفي، ففي المجال النفسي، عادة ما يستخدم تعبير “اضطرابdisorder ” بدلاً من تعبير “عجز أو صعوبةdisability“.
- له أساس بيولوجي Biological origin: يشير إلى أنه “حالة” تمثل جزءً من تكوين الشخص، وليست ناشئة من مصدر خارجي.
- مهارات أكاديمية Academic skills: تعنى المهارات التي تستهدف المدرسة تعليمها: القراءة، الكتابة، التهجي، والرياضيات أو الحساب.
- المعالم النمائيةDevelopmental milestones: تعني المراحل المتوقعة للنمو والتي غالبًا ما تتبع مسار منتظمًا ومعروفًا.
بمعنى آخر ينظر إلى “اضطراب التعلم المُحدد أو النوعي” بأنه اضطراب مرتكز على الدماغ أو ناشئ عن اختلال دماغي يؤثر على الطريقة التي يتعلم بها الأفراد القراءة، الكتابة، التهجي، العد، أو الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالحساب أو الرياضة.
ثالثًا- أنماط ودرجات اضطراب التعلم النوعي أو المحدد:
يمكن أن يؤثر اضطراب التعلم المُحدد “النوعي أو الخاص” على واحد أو أكثر من المجالات الأكاديمية التالية: القراءة reading: كما هو الحال في عسر القراءة، اللغة التعبيرية، و/أو الحساب كما هو الحال في عسر الحساب dyscalculia(American Psychiatric Association, 2013).
فضلاً عن ذلك عادة ما يصنف “اضطراب التعلم النوعي” وفقًا لمستويات الشدة، فقد يعد الاضطراب
بسيطًا mildإذ كان لدى التلميذ بعض الصعوبات لكنه قادر على الأداء الوظيفي بحد أدنى من خدمات المساندة المناسبة، أما إذا تطلبت الصعوبات أو المتاعب إن صح التعبير التي يواجهها التلميذ فترات طويلة من التعليم المتخصص من أجل تعلم المهارات الأكاديمية يعد اضطراب التعلم “متوسطًا”، أما إذا كانت صعوبات التعلم تشي بأن التلميذ غير قادر على اكتساب المهارات الأكاديمية الضرورية بدون تعليمًا نوعيًا خاصًا مكثفًا ومستمرًا هنا يكون اضطراب التعلم المُحدد “النوعي أو الخاص” الذي يعاني منه “شديدًا”.
رابعًا- ما نسبة شيوع اضطراب التعلم المُحدد “النوعي أو الخاص”:
يصيب اضطراب التعلم المُحدد “النوعي أو الخاص” حوالي ما بين 5% إلى 15% من أطفال سن المدرسة، وحوالي (4%) من الراشدين (American Psychiatric Association, 2013; Margari, Buttiglione, Craig, Cristella, de Giambatista, Matera, Operto, & Simon, 2013; Katusic, Colligan, Weaver, &Barbaresi, 2009).
خامسًا- اضطراب التعلم النوعي أو المحدد والاضطرابات المرافقة:
يمكن أن يحدث اضطراب التعلم المُحدد “النوعي أو الخاص” إلى جانب الاضطرابات الأخرى، فقد خلصت نتائج دراسة (Margari et al., 2013) أن (33%) من مرضى (مع التحفظ على استخدام تعبير مرضى) اضطراب المُحدد “النوعي أو الخاص” يظهرون علامات “اضطراب قصور الانتباه المقترن بالنشاط الحركي الزائد attention deficit hyperactivity disorder (ADHD)“، الأمر الذي يشير إلى وجود ميكانيزمات بيولوجية عامة تلعب دورًا في كلا الاضطرابين، فضلاً عن أن هذه الدراسة تشير نتائجها أيضًا إلى أن اضطراب نفسية أخرى مثل: اضطرابات القلق، الاضطرابات الاكتئابية، واضطراب التآذر أو التناسق النمائي developmental coordination disorder ربما تقترن باضطراب التعلم المُحدد “النوعي أو الخاص”.
سادسًا– ما أسباب اضطراب التعلم المحدد “النوعي أو الخاص”:
على الرغم من أن الأسس البيولوجية الكامنة وراء اضطراب التعلم المحدد “النوعي أو الخاص” غير مفهومة بصورة كلية إلى الآن، شهدت الآونة الأخيرة نوعًا من التقدم العلمي في مسار فهم الآليات المسئولة عن هذا الاضطراب، على سبيل المثال وجد أن الأطفال الذين يولدون قبل الميعاد أكثر عرضة للمعاناة من صعوبات في تحقيق الكفاءة الأكاديمية في المواد الأكاديمية المختلفة، خاصة الرياضيات (Simms, Cragg, Gilmore, Marlow, & Johnson, 2013). واتساقًا مع هذا المنحى، وجد أيضًا أن انخفاض وزن الطفل low birth weight يرتبط بالصعوبات الأكاديمية اللاحقة (Taylor, Espy, & Anderson, 2009).
ومن الآليات البيولوجية الأخرى التي درست في سياق إمكانية أن تستحث أو ربما تسبب صعوبة التعلم المحددة specific learning disability العوامل اللاجينيةepigenetic agents، على سبيل المثال المواد الكيميائية chemicals مثل: المبيدات الحشرية pesticides، الديوكسيناتdioxins، والسموم العضوية الأخرى organic toxins التي تضر أو تتلف هرمونات الغدد الصماء endocrine gland ربما ترتبط بصعوبات التعلم (Kajta&Wójtowicz, 2013).
سابعًا- كيف يمكن تشخيص اضطراب التعلم المحدد “النوعي أو الخاص”:
يفترض أن يقوم بعملية تشخيص اضطراب التعلم المُحدد “النوعي أو الخاص” اختصاصي نفسي مؤهل انطلاقًا من محكات تشخيصية معتمدة من قبل الهيئات العلمية والمهنية المتخصصة، وعادة ما ينطلق في تشخيص اضطراب التعلم المحدد “النوعي أو الخاص” من وجود علامات مؤكدة على أنّ التلميذ يعاني من صعوبة دائمة في اكتساب المهارات الأكاديمية بالرغم من توافر التعليم المناسب.
وربما تتبدى ملامح ذلك الاضطراب في معاناة التلميذ من متاعب أو صعوبات في مجال دراسي على الأقل، بالإضافة إلى أن أداؤه الأكاديمي في المجال الذي يعاني منه التلميذ من هذه الصعوبة لا بد وأن يتم التأكد منه باستخدام “تقييمات كلينيكية شاملة comprehensive clinical assessment” بما فيها “الاختبارات التحصيلية المقننة”، على أن تكون ملامح الاضطراب ومظاهره في هذا المجال منخفضة بصورة جوهرية عن ما هو متوقع من التلميذ وفقًا لعمره، فضلاً عن تأثيره السلبية على الأداء في: المدرسة، العمل، أو الحياة اليومية (American Psychiatric Association, 2013).
ويجب في كل الأحوال استبعاد صعوبات التعلم الناتجة عن “القصور الذهني”، “مشكلات الإدراك البصري”، “المشكلات الاجتماعية – الاقتصادية”، “نقص إمكانية الحصول على تعليم مناسب”، و “الاضطرابات النفسية والمشكلات العصبية الأخرى”.
ثامنًا- علاج اضطراب التعلم المُحدد “النوعي أو الخاص”:
يتضمن علاج اضطراب التعلم المُحدد “النوعي أو الخاص” التعليم الخاص specialized instruction الذي يقدمه معلم “التربية الخاصةspecial education teacher“؛ ذلك لأن معلمي التربية الخاصة هم “المهنيون المؤهلون” لتقديم تدريسًا خاصًا لمساعدة التلاميذ في التغلب على صعوبات التعلم.
والتربية الخاصة غالبًا ما تكون جزءً جوهريًا فيما يعرف “بالخطة التربوية الفردية الشاملة comprehensive individualized education plan (IEP)” والتي ربما تتضمن تكييف الفصل المدرسي بصورة نوعية خاصة وتعديل ظروف التقييم والاختبارات الصفية كأن يتم التدريس والتقييم في بيئة تعلم هادئة، تخصيص وقت إضافي للتلميذ للإجابة عن الاختبارات، إلى التربية التعويضية التي تستهدف علاج مظاهر القصور المعرفي في تأثيراتها على الأداء الأكاديمي.
ويوجد في واقع الأمر عديد من المداخل العلاجية المتاحة لعلاج أعراض “صعوبة التعلم النوعية أو المحددة specific learning disability“، فقد وصفت دراسة (Jansen, De Lange, & Van der Molen, 2013) طريقة لتحسين “القدرة الحسابيةmath ability ” لدى مجموعة من المراهقين ذوي الإعاقات الذهنية “الفكرية intellectual disabilities” باستخدام برنامج كمبيوتري تسمى “حديقة الرياضيات أو الحساب Math Garden ” تساعد في تدريس العمليات الحسابية الأساسية، وبنفس المسار خلصت نتائج دراسة إلى أن “استخدام البرامج التعليمية الكمبيوترية” تفضي إلى تخفيف القصور في مهارات الفهم القرائي (Saine, Lerkkanen, Ahonen, Tolvanen, &Lyyttinen, 2011).
من جانب آخر وجد(Nazari, Mosanezhad, Hashemi, &Jahan, 2012) أن ما يعرف ب “التغذية الراجعة العصبية Neurofeedback” والتي تتضمن استخدام رسم المخ الكهربائي electroencephalographyلمراقبة نشاط الدماغ تظهر زيادة جوهرية في الفهم القرائي. وتفيد مثل هذه النتائج أن استخدام التعليم القائم على الحاسب الآلي والتغذية الراجعة العصبية له فوائد عديدة في مدى واسع من مشكلات التعلم.
وعلى الرغم من أنّ العلاج النفسي التقليدي لا يرتبط بصورة مباشرة بعلاج اضطراب التعلم المُحدد “النوعي أو الخاص”، معروف أن العلاج الفعال للاضطرابات الاكتئابية واضطرابات القلق التي تشيع بين ذوي اضطرابات التعلم المحددة يمكن تفيد هؤلاء الأفراد؛ وبالتالي فإن “العلاج النفسي” ربما يكون مكونًا هامًا في عملية العلاج الشامل لهذا الاضطراب.
تاسعًا مصدر المقال:
Specific Learning Disorder DSM-5 315 (ICD-10-CM Multiple Codes): https://www.theravive.com/therapedia/specific-learning-disorder-dsm–5-315-(icd–10–cm-multiple-codes)
عاشرًا- المراجع المعتمد عليها في المقال:
- American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and statistical manual of mental disorders (5th ed.). Arlington, VA: American Psychiatric Publishing.
- Jansen, B.R., De Lange, E., Van der Molen, M.J. (2013). Math practice and its influence on math skills and executive functions in adolescents with mild to borderline intellectual disability. Research in Developmental Disabilities, 34(5), 1815-1824.
- Kajta, M., Wójtowicz, A.K. (2013). Impact of endocrine-disrupting chemicals on neural development and the onset of neurological disorders. Pharmacological Reports, 65(6), 1632-1639.
- Katusic, S.K., Colligan, R.C., Weaver, A.L., Barbaresi, W.J. (2009). The forgotten learning disability: epidemiology of written-language disorder in a population-based birth cohort (1976-1982), Rochester, Minnesota. Pediatrics, 123(5), 1306-1313.
- Margari, L., Buttiglione, M., Craig, F., Cristella, A., de Giambattista, C., Matera, E., Operto, F., Simone, M., (2013). Neuropsychopathological comorbidities in learning disorders. BMC Neurology, 13(1), 198.
- Nazari, M.A., Mosanezhad, E., Hashemi, T., Jahan, A. (2012). The effectiveness of neurofeedback training on EEG coherence and neuropsychological functions in children with reading disability. Clinical EEG and Neuroscience, 43(4), 315-322.
- Saine, N.L., Lerkkanen, M.K., Ahonen, T., Tolvanen, A., Lyytinen, H. (2011). Computer-assisted remedial reading intervention for school beginners at risk for reading disability. Child Development, 82(3), 1013-1028.
- Simms, V., Cragg, L., Gilmore, C., Marlow, N., Johnson, S. (2013). Mathematics difficulties in children born very preterm: current research and future directions. Archives of Disease in Childhood, 98(5), 457-463.
- Taylor, H.G., Espy, K.A., Anderson, P.J. (2009). Mathematics deficiencies in children with very low birth weight or very preterm birth. Developmental Disabilities Research Reviews, 15(1), 52-59.
دكتور محمد إستاذى الفاضل إتشرفت إنى حضرت لى حضرتك
دكتورى العزيز والفاضل بارك الله فيك وجزاك كل الخير