البرابرة واليانكي.. سؤال الهويّة العربية المُوجِع

ناصر أبو عون 

على وقع صراخ ونشاز أحبال الجيتار الكهربائي المهتزة، وأغاني الموت والدمار والكوارث العالمية والكراهية، يصرخ عُشَّاق ومجانين موسيقى الـ(بلاك ميتال)، مهاجمين الأديان. ومن تحت ركام البنايات المتساقطة، والصواريخ التي تضرب هنا وهناك، ومنذ مجيء ترامب إلى سُدّة الحكم تصاعدت نبرات العنصرية والعداء لتطال كل شعوب الأرض، وفي رأس قائمة المنبوذين كان الإنسان العربي الذي كان مجرد برميل نفط يطلب الحماية ويستظل بعرش البيت الأبيض وبأي ثمن.

طوال هذه العقود من النزيف العربي لم يُكلِّف المثقف العربي نفسه عناء (النقد الذاتي)، و”إذا كان المثقفون العرب لا يثقون في قدرة النظم السياسية العربية على التغيير من( أعلى) مع أنها في جميع الأحوال نظم عربية وطنية – وفْقَ تعبير السيد يسين – فهل يمكن أن يقبل المثقفون العرب أو المسلمون أو الشعوب العربية أو الإسلامية أن يأتي التغيير من (أعلى) عن طريق القوى العظمى ممثلةً بأمريكا أو روسيا أو دولة إقليمية كبرى؟”وهل يمكن لهذا التغيير بالقوة أن ينجح؟ خاصةً وأن النظرية الأمريكية في التغيير القسري للمجتمعات (التغيير بالقوة) تنطلق من تجاهل مطلق للقواعد العلمية للتغيير السياسي والاجتماعي والثقافي وسببه الاندفاع الجنوني والحماقة السياسية التي تدفعها الرغبة المحمومة في تحقيق المصالح الأمريكية والذي قد أوجزته صحيفة الإندبندت البريطانية – إبّان غزو العراق – في جملة واحدة (لا تحدثني عن أسلحة الدمار الشامل ولا تحدثني عن القاعدة ولا تحدثني عن أي شيء آخر. فقط ..أعطني البترول في أي يوم).

وعندما وقعت أحداث سبتمبر كان أستاذي السيد يسين كبير مستشاري مركز الدراسات السياسة والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام يلقي الخطاب الافتتاحي لمؤتمر (حوارات الحضارات في البحر الأبيض المتوسط) فوقع في ذاكرته قصيدة الشاعر المصري كفافيس (في انتظار البرابرة) غير أن ما حدث جاء على عكس السيناريو الذي قدمه الشاعر في قصيدته فقد جاء البرابرة فعلا وعلى غير انتظار !! جاءوا والحراس في غفلة تامة وجهالة مطبقة مطمئنين إلى أن دروعهم الصاروخية كفيلة بردع أي معتد ويتساءل: وهل كان في التصور أن ينفذ أحد أيا كان من الأبواب المحكمة للإمبراطورية الأمريكية؟ التي انفردت بعد السقوط المدوي للاتحاد السوفيتي بالعالم في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية

نعم كان متصورا أن يحدث هذا  والأمثلة والبراهين على ذلك كثيرة وتبين أنه بمقدار ما يصبح (عدم التكافؤ) حادا بين الأقوياء والضعفاء يصبح خطر الحرب أكبر .. وعلى قاعدة (المرارة) التي يعاني منها الأكثر ضعفا بنسب الوزن الضاغط لـ(الأكثر قوة) يبحث الضعفاء عن وسائل جديدة لإثبات وجودهم وحقوقهم هذا ما أثبته تبني (استراتيجيات متنوعة وفعالة) في مواجهة القوى الكبرى ذات التنظيم والقدرات العسكرية الكبيرة وفي الوقت نفسه (يزيد البحث عن التفوق) في المر حلة الراهنة من حدة (عدم التكافؤ) وبالتالي من المخاطر التي لا تأتي دائما من حيث ينتظرها الآخرون: (إن فن الحرب كله قائم على الخديعة) هكذا قال: (صن تسي) المنظر الاستراتيجي قبل آلاف السنين.

وفي منحى آخر فإن الخطاب الغربي الذي جاء تلقائيا و كرد فعل فوري لأحداث سبتمبر فأكد أن الخطاب الذي ترددت أصداؤه على ألسنة بوش وشيراك وبلير  خطاب يعيد إنتاج (الخطاب الغربي التقليدي) الذي ساد منذ عصر التنوير والذي قام على أساسه مشروع الحداثة الغربية كله ويقوم على التفرقة بين البربرية (شعوب العالم جميعا) والمدنية (الغرب) الظافر الذي خرج منتصرا من غياهب القرون الوسطى مفتتحا عصر الثورة الصناعية ومزودا بالعلم والتكنولوجيا وبالآلة الحربية الحديثة التي سمحت له بأكبر عملية في التاريخ الحديث وخصوصافي أفريقيا و آسيا وهو نفسه الخطاب العنصري الذي ابتكر  نظرية (عبء الرجل الأبيض) في المساهمة في تمدين الشعوب البربرية (نحن) الغارقة في جهالتها والسادرة في تخلفها. هذه النظرية هبطت من عليائها بعد أن وُجِهت إليها سهام النقد من قبل مفكرين غربيين

ومن قبيل الحث ذكرتني مقولات الخطاب العنصري للغرب بقصيدة للشاعر والمسرحي الإنجليزي هارولد بينتر الذي خرج من المستشف الذي يعالج فيه من السرطان ليحارب سرطان الحرب الأمريكية ؛ رأى بينتر أن الحرب التي تدق طبولها بلاده من خلف أمريكا تهدد جسد العالم العليل بداء لا شفاء منه : إنه العنصرية

وفي هذه الأيام الحالكة نشرت له صحيفة الجارديان البريطانية قصيدة عن الاندفاع الأمريكي المحموم نحو الحرب قال فيها:

ها هم مرة أخرى على الطريق 

جند اليانكي في استعراضهم المدرع

ينشدون وهم يركضون عبر العالم الفسيح

أهازيجهم في مدح إله أمريكا /البالوعات مكتظة بالموتى

أولئك الذين عجزوا عن اللحاق بالركب 

والآخرون الذين رفضوا أن ينشدوا 

وأولئك الذين فقدوا أصواتهم 

وأولئك الذين نسوا اللحن 

الراكبون يمسكون بأيديهم أسواطا بتّارة

ورأسك تتدحرج فوق الرمال 

رأسك بركة دم وسط الوحل /رأسك بقعة تلوث التراب

عيناك مقتلعتان وأنفك لايشم 

سوى عفن الموت /وكل الهواء الميت يزفر برائحة إله أمريكا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى