الموتُ فقراً… أسامة السرسك نموذجاً
خالد جمعة | فلسطين
تقول الحكايات إن الأطفال يظلون أنقياء حتى يبلغوا الحلم، حتى أنهم معفيون من حساب الله على الذنوب، ومعفيون من الحضور في المجالس التي تناقش فيها الحلول العشائرية، وليس مطلوبا منهم أن يشاركوا في المعارك، عليهم أن يتعلموا ويلعبوا ويناموا في أمان جوار مدفأةٍ، على صوت جدَّةٍ تحكي قصصاً لطيفةً فيما يدها تملس على شعرهم.
أسامة عرفات السرسك لم يبلغ الرابعة عشرة بعد، لم يتعلم بعد الفرق بين غزة وأي مكان آخر في العالم، لأنه لم ير أي مكان آخر في العالم، لا لأنه ما زال ولداً، بل لأنه ولد فقيراً وعاش فقيراً ومات فقيراً.
بعد أن توقف قلب قلب مراد الحسن البيوك من البرد في مدينة خانيونس، وهو لم يبلغ الشهر من العمر بعد، لحق به أسامة مدفونا تحت ركام من النفايات في مجمع للنفايات في مدينة غزة.
أسرة أسامة تعيش في حي الشجاعية، أكثر أحياء غزة تعرضا للدمار خلال الحروب التي مرت على القطاع، ولد عام 2008 ـ مع بداية الحروب الكبيرة على غزة ـ ولم يجد أبوه وسيلة لإعالة الأسرة غير البحث في القمامة عما يمكن أن يباع [أواني بلاستيكية، قطع حديدية، ألمنيوم]، فاتخذ ذلك حرفةً، وأصبح أسامة منذ نقر الوعي رأسه، مساعداً لأبيه، وقد كان واحدا من كثيرين يمارسون مهنة مثل هذه إن كان لنا أن نسميها مهنة.
مات أسامة حين انهارت كومة ضخمة من القمامة فوقه، فتعرض للاختناق حتى توفي، وبعد ساعات من البحث، عثر عليه تحت الكومة وقد فارق الحياة.
مما لا شك فيه أن أسامة حاول الصراخ، حاول الاستنجاد بأبيه، بأمراء الحكايات، بالملائكة التي قرأ عنها في كتاب الدين… لكن أحدا لم يكن هناك في تلك اللحظة ليبقيه على قيد الحياة.
لا يجدي الآن أن يعرف الناس أن هناك أكثر من 70% من سكان غزة يعيشون تحت خط الفقر، ولن يكون أسامة معنياً مطلقاً حتى لو وصل الرقم إلى 110%.
لن يتعلم أحد شيئا من موت أسامة، وسيموت كثيرون غيره في ظروف مشابهة، وستتكرر نفس العبارات، وسيلام كثيرون، وسيلقي كل فريق اللوم على الفريق الآخر، وسيكون أسامة أثناء ذلك كله، ميتاً نموذجياً، في قبرٍ صغير، يمر عليه العابرون دون أن ينتبهوا إلى مشروع إنسان انتهى في هذا القبر قبل أن يبدأ.