سجينة
آمال دلة كريني| فلسطين
لم تعد تحتمل.. لا البيت يسكنها.. ولا الأزهار تعطر مسامات روحها.. صرخة من الأعماق تختنق تكابد.. تتزاحم، ستملأ فضاء هذا الكون..
وصلت إلى شاطئ البحر راكضة حافية القدمين، فتحت ذراعيها وصرخت، صرخت عاليا، امتزج صوتها بخيوط الشمس بهدير البحر بصوت النورس.. بالهواء بالسماء… ثمّ سكنت.. وهدأ كل شيء حولها.. وقفت صامتة تنظر للبعيد….
لم تشعر بحبات الرمل المنسحب تحت قدميها الجميلتين، شغف امتزج بصوت الموج الهائج المتكسر على الصخور المترامية، موجة هادئة لاطفتها وكأن أرجوحة، فرحت بها وتذكرت أرجوحتها الجميلة… لقد عادت طفولتها، لعبتها الجميلة، قالب الكعك الصغير فوق قالب كعك العائلة احتفالا دائما لها… كيف لا؟
موجة عاتية غمرتها شلحتها على رمال ساخنة ايقظت حواسها.. فاستفاقت على دغدغات فقاعات زبد أبيض على شعرها المنثور على الرمال كطرحة عروس بيضاء مزركشة جميلة، فتحت ذراعيها ونظرت للسماء، سحابة بيضاء… ظل رمادي وصورة حورية سمراء خبّأت دمعة أضاءت وجنتيها بخيوط نسجتها السماء بمحبة…
انتفضت، أرادت الوقوف… لم تستطع، ذرات الرمل ما زالت تهرب من تحت جسمها المسجى…. الموج يغمرها رويدا رويدا. عالم غامض يكتنفه السحر والخيال وربما الأمل!
يقولون، كلما تروضنا نصبح أعلى درجة من الحيوان، نداهن نتلون، نساير، نغض الطرف، نتمسكن، الصراحة غير مقبولة والكذب مسموح والسرقة شطارة والقتل مباح والعار للمرأة والذنب ذنبها والوأد حقها … طوبى لك أيها الرجل طوبى… حتى جميع الديانات منحوك الحق في الطاعة والتملك… أيها الملك الجميل، يا من خلقت من الألوهة وتربعت على عرش مجتمع العروبة…
ماذا حصل؟ بماذا أفكر؟ وما شأني بالرجال والنساء في عالم الغاب!! عالم القتل والاحتلال والفقر والظلم والعنصرية؟؟
قشعريرة داهمت جسدها… برودة طغت على أطرافها، صوت هدير أمواج البحر كسمفونية صاخبة حملتها لفوق ثم سحقتها داخل موجة هادرة، فلم تعد تعي ولا تسمع شيئا…
أين أنا؟ نعم أرى السماء… يد تلوح لي… بعينيها دمعة. نعم … نعم أنت حبيبتي اشتقت لك، اقتربي..
مدت يدها علها تلامس وجه حبيبتها لتمسح دموعها… لم تستطع. خذلها الجسد الواهن التعب، أغمضت عينيها وهي تغيب داخل موجة ضمتها بحنان، فجأة شعرت بقطرات دم طافية أمامها، نظرت حولها متألمة وإذا بالموج يحذفها باتجاه نتوءات صخرة كبيرة،
انحسرت الموجة وبقيت وحيدة متألّمة أطرافها تقطر دما! حاولت الجلوس لتعرف ما حصل، لم تستطع، جاءت موجة دفعتها إلى الأمام فاستطاعت أن تمسك بطرف الصخرة، سحبت جسمها الضعيف وتشبثت بالصخرة بقوّة، بقيت ساكنة مدة ترتجف، استرجعت شريط حياتها… تاهت، تساءلت صرخت وبكت، أحست أن الرمل ينسحب مرة أخرى من تحت جسدها النحيل.
حاولت الوقوف، جربت مرّة وأخرى.. لم تستطع، وبعد جهد سحبت جسدها بقوّة وجلست على الصخرة واستراحت قليلا، لفت نظرها صدفة شبه هرم صغير جدا حاولت نزعها عن الصخرة بقوّة فلم تستطع، نظرت إليها بتعجب وبتفكير عميق، يا الله كم هي متمسكة بمكانها، بطفولتها بالحياة.
استطاعت بعد جهد أن تقف لكن ثوبها الطويل كان مشروخا وعالقا بالصخرة بقوّة…
بعد أن حررت ثوبها، وقفت متألمة متأملة هذا الشاطئ الممتد بصوت موجه الهادر وبصخره الصامد، ورمله الجميل، وغروب شمسه الساحر…
الحياة!
تساءلت: هل هو القدر؟ أم هو الثوب؟ أم هي الصخرة؟