المؤثرون في وسائل التواصل الاجتماعي..ظاهرة مصدرها ومصيرها مجهولان
د. يعقوب محمد بني هذيل | الأمين العام للمنظمة الدولية للمسؤولية المجتمعية – أمريكا
منذ سنوات قليلة، ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، تبدّلت المعايير واختلفت المقاييس سواء بالنسبة إلى وسائل الإعلام أو بالنسبة إلى المؤسسات المعنية بالعلاقات العامة والإعلانات والتسويق، وانتشرت ظاهرة المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي الذين برزوا كجنود يحتلون مكانة مميزة في المجتمع ويلعبون دوراً بارزاً يزداد أهمية مع مرور الوقت.
وعلى الرغم من الانتقادات والهواجس، ومن أنه يصعب اكتشاف أسرار ولادة هذه الظاهرة، لا يخفى على أحد أن المؤثرين باتوا عناصر جذب يجري اللجوء إليهم في مختلف المجالات سواء في القضايا الإنسانية أو في الموضة أو في مختلف المجالات لأسباب إعلانية تسويقية.
وهناك أرقام هائلة من المتتبعين، إلى جانب تزايد مفاجئ في أعداد المؤثرين، ما يدعو إلى طرح تساؤلات كثيرة تأتي الصدقية على رأسها.
ومع التطور الحاصل في مجال الإعلام والإعلان والتسويق وبروز وسائل التواصل الاجتماعي، حصلت تغييرات جذرية في السوق، في العرض والطلب وفي مختلف المعايير، وكان لا بد للمعنيين بهذه المجالات من مواكبة التطور الحاصل، أما بروز المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي وتزايدهم غير المسبوق فبدّل المقاييس، لا بل أكثر من ذلك، أسهم في تبديل اللاعبين الأساسين في هذه المجالات، وتبدلت الوجوه الإعلانية والإعلامية والأدوات التسويقية وأتى المؤثرون وحدهم كبدائل فاعلة تترك أثراً واضحاً لدى الناس.
طلب زائد على المؤثرين
ولم يقتصر تأثير هؤلاء “الجنود” الجدد على الإعلام، بل بدّل المقاييس في مجال العلاقات العامة اليوم، إذ يبدو تأثيرهم واضحاً في الناس ما جعلهم عناصر جذب دفعت الشركات الإعلانية وشركات العلاقات العامة إلى الاستعانة بهم لأن “جاذبيتهم” لم تعد تخفى على أحد.
وانطلاقاً من ذلك، أكد مؤسس إحدى الشركات أن ثمة طلباً زائداً على المؤثرين لأهداف إعلانية تسويقية، في ما يبدو أثرهم واضحاً وفاعليتهم، خصوصاً من خلال خاصية الـ Story لديهم والتي يخدمون من خلالها الهدف المرجو للإعلان لارتفاع أعداد متتبعيهم.
وقال “حتى أن المبالغ المالية التي تخصص لهم ولوسائل التواصل الاجتماعي للإعلانات تعتبر أقل بكثير بالنسبة إلى الشركات مقارنة بتلك التي كانت تخصص لوسائل الإعلام التقليدية مهما كانت أسعار المؤثرين مرتفعة. ويتميز المؤثرون أيضاً بقدرتهم على تحقيق الهدف الإعلاني بسرعة كبرى من خلال إيصال الرسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فالتغطية مباشرة هنا ويمكن رؤيتها عبر الهاتف بدلاً من الانتظار فترة طويلة. ولكن لا تزال السوق ضائعة أمام هذه الظاهرة في سعيها إلى التجاوب معها”.
ومن الطبيعي أن تكون لظاهرة تبدأ سريعاً وتنتشر بهذا الشكل سلبيات عدة، ويضيف أبو غزالي أنه من الواضح هناك عجز في ضبط الأمور في حال الإساءة إلى العلامة التجارية، فقد ينزعج المؤثرون من الخدمة ويسيئون في الكتابة بشكل مبالغ فيه، ولا بد من التحضر عندها للرد بالشكل الصحيح ، ولا يمكن اليوم لأية علامة أن تخطئ مع المؤثرين لأنهم قادرون على الأذى والإساءة، وهذه الظاهرة سيف ذو حدين ولا يمكن التهاون فيها أبداً، خصوصاً أن عالم التواصل الاجتماعي شاسع وتصعب السيطرة على الأمور فيه، كما أن الأثر الذي تركه وجود المؤثرين على الإعلام التقليدي لا يستهان به لأن ميزانيات الشركات الكبرى أصبحت تخصص للمؤثرين.
بين مؤثر وآخر… التمييز ممكن
وتتزايد أعداد المؤثرين بشكل هائل، ومعهم أعداد متتبعيهم، فقد تكون هناك صعوبة في الاختيار والتمييز والكشف عن الصدقية، وفي هذا الإطار من المؤكد أن ثمة مؤثرين هم أفضل من آخرين ويظهر مستواهم من خلال المنصة التي يكتبون فيها. منهم من يدفع ثمن أعداد إضافية من المتابعين لكن يسهل كشف ذلك، خصوصاً بالنسبة لمن يشترون أرقاماً كبيرة.
كما أن وجود الـ Impressions والـ insights يكشف الأرقام المزيفة، وكم أن المؤثر قادر على إيصال الرسالة، إضافة إلى كمية الـ likes مقارنة بأعداد المتابعين. وعادة لدى دعوة أي منهم بدراسة صفحة المؤثر الذي نتعامل معه وتنسيق الصور لديه وطريقة كتابته وأفكاره وإيجابيته في الكتابة. ثمة بحث مكثف لنحسن الاختيار”.
ان بعض من المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي الذين يتمتعون بالصدقية. إضافة إلى Blogger Wannabe التي شكلت ظاهرة لافتة فريدة من نوعها وحققت أرقاماً عالية إلى جانب تمتعها بروح الفكاهة الذي يشكل عنصر جذب للمتابعين.
أي جاذبية في المؤثرين؟
في مقابل الانتشار الواسع الذي استطاع أن يحققه المؤثرون، لا يمكن أن ننكر كيف أسهم تفاعل الناس في زيادة هذا الانتشار. وعن أسباب حرص الناس على متابعة أخبار المؤثرين، إن الإنسان بطبيعته يبحث عن الانتماء وعن الاختيارات التي فيها ما يشبهه، واللافت أنه تولد لدى الإنسان ثقة بالمؤثر ويخف احتمال الخطأ في الاختيار، أما في ما يتعلق بالمؤثرين فيكون لهم شغف في اتجاه معين ويحبون أن يخبروا الناس عنهم.
عندما ينشرون على وسائل التواصل الاجتماعي يكتسبون المزيد من الشعبية فيتشجعون للمتابعة ويتحولون إلى وسيلة فضلى للدعاية أمام تأثر الناس بما ينشرون. فأن تكون مؤثراً يعني أن تكون لك قدرة على التأثير في وجهات نظر وسلوكيات واختيارات الآخرين بشكل مباشر والحفاظ على ذلك في نمط الحياة. لا يمكن أن ننكر أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر اليوم بشكل واضح في لا وعي المتابعين وتبلور أفكارهم وسلوكهم وآراءهم من دون أن يشعروا بذلك”.
من جهة أخرى، ينشرون عامة اللافت والمثير الذي يكون مطروحاً بشكل مثالي وقد لا يعكس الواقع فعلياً، فتصبح الصورة المنقولة المرجعية التي يلجأ إليها المتابعون ليقيسوا مدى نجاحهم وجاذبيتهم استناداً إليها، وتقول “هنا يكمن الخطر الحقيقي لأن ذلك يؤثر في نظرة الإنسان إلى ذاته وثقته بنفسه فيصبح هدفه أن يصبح كالمؤثر من طريق تبني اختياراته وكأنه يتبنى هويته. عندما ينشر المؤثر تفاصيل عن حياته اليومية، يشعر المتابع أنه يشبهه وأنه قريب منه”.