أدب

أوراق الخريف.. أحلام طبيب (3)

شرين خليل | مصر
رفضت دارين الذهاب معي إلى بلدي وطلبت مني البحث عن عمل في مستشفى أُخرى بحجة أن الحياة هنا أفضل بكثير ..
حاولت أن أقنعها ولكنها أصرت ولم تتمسك بي وهان عليها قلبي وحبي …
لم يكن أمامي خيار آخر ..انفصلت عنها وأنا حزين وبداخلي جرح عميق …
أين أحلامنا معاً؟ أين الوعود؟ لم تر مني إلا الإخلاص والوفاء …
كانت أول صدمة في حياتي …
ومن هنا بدأت أشعر حقاً بالغربة وأسرعت في العودة إلى بلدي لأجد أبي في انتظاري وأمي وإخوتي ..
فرحة عارمة لإني عُدت إليهم .
لم تكتمل فرحتهم فعندما أخبرت أبي بأنني لن أُقيم معهم وسأذهب إلى القاهرة قال لي بغضب شديد:
-إنت ليه يابني شارد عننا وعاوز تبعد؟ مالها بلدنا مش قد المقام ولا أيه؟
-يابابا بلدنا على العين والراس بس أنا عاوز أعيش صح وابقى مشهور والناس كلها تعرفني..
-وهنا في بلدك مش هتكون مشهور يابني دا أنا ماصدقت إنك جيت من السفر وهاتستقر هنا وتفتح عيادة وأفرح بيك ..
-يابابا عشان تفرح بيا لازم أحقق أحلامي صح.. . بلدنا صغيرة ويغلبها الطابع الريفي .. أنا عاوز أعيش في مدينة كبيرة …
-يعني زمايلك اللي هنا مش معروفين ولا مشهورين ماهم بدأو هنا اشمعنى أنت؟؟ في الأول صممت على السفر ودلوقتي مصمم بردو تبعد عننا…
-ماتزعلش مني يابابا أنا سافرت والحمد لله بقى معايا فلوس أقدر أخد شقة أعملها عيادة ..
-إنت حر يابني مش هاتكلم معاك أكتر من كده ..اللي إنت شايفه صح اعمله.
-ادعي لي بس يابابا وأرجوك بلاش تزعل مني …
-بدعي لك يابني ومش زعلان منك أنا بس خايف عليك …
-متخافش عليا وبعدين دا أنا كل يومين هاتلاقيني عندك لما تزهق مني ..
-ربنا يوفقك يابني وتحقق كل أحلام …
– يارب يابابا ..
قبلت يد أبي وسافرت إلى القاهرة .
طارق زميلي ينتظرني فهو يقيم في القاهرة ويعمل بإحدى المستشفيات الكبرى ولديه عيادته الخاصة..
بدأت رحلتي في البحث عن شقة تصلح عيادة ..لم يتركني طارق فهو معي دائماً..
وفي يوم ذهبنا إلى شركة عقارات يعمل بها ماجد قريب طارق …
جلسنا معه وبدأ يتحدث معنا عن أفضل العروض وأقل الأسعار ..
وفي هذه الأثناء دخلت فتاة جميلة شديدة الجمال …سألت ماجد عن بعض الاشياء وذهبت ..
وأنا انظر إليها بإعجاب شديد وانبهار ..
انبهرت بها وانجذبت لها ..
التفت إلى ماجد وسألته:مين دي؟
-دي مهندسة معانا هنا في الشركة . .
-بجد؟؟
-أيوا ..
-ممكن أعرف اسمها ايه ؟
– اسمها رهف منصور ..ايه الحكاية إنت بتسأل عليها ليه؟..
-مش عارفه حسيت اني اتشديت لها . خطفتني ..
ضحك طارق قائلاً:جايين نشوف شقة لاقينا الشقة والعروسة ولا إيه يادكتور وليد …
-ياجماعة أنا بتكلم جد هي فعلاً سحرتني وأنا عاوز أعرف تفاصيل عنها ..
رد ماجد قائلاً: البشمهندسة رهف مش مخطوبة كانت مرتبطه بإبن عمها بس ماحصلش نصيبب والدها أستاذ في الجامعة ووالدتها سيدة مجتمع وملهاش غير أخ واحد وعايش في ألمانيا وهي أصلا اتولدت في ألمانيا والدها كان عايش هناك وبعدين انتقلوا الرياض في السعودية عاشوا فترة وبعدين استقروا هنا وهي بتشتغل معانا بس من باب الترفيه عن نفسها لأنها مش محتاجه الشغل يعني من الأخر اللي هايتجوزها لازم يكون قد مستواها المادي على الأقل يعني هي إسم على مسمى …
-طيب ممكن أتكلم معاها ..
– إنت كده كده هاتتكلم معاها لأنها المسؤولة عن إدخال بيانات العملاء فأنا هاحولك عليها واتكلم معاها براحتك ..بس حابب أقولك إن حياتها غير حياتك وبلاش يادكتور وليد تنساق ورا المظاهر دي نصحتي لك ودلوقتي هاتتفضل في مكتب البشمهندسة رهف ..
-شكراً ياماجد جداً يلا بينا يا طارق ..
-لا يادكتور اتفضل أنت وأنا هانتظرك مع ماجد وأنت خد فرصتك …
-ذهبت إليها بخطوات سريعة وكأني طائر يحلق في السماء ..
جلست أمامها وسألتني عن اسمي وسجلت جميع البيانات وأنا في حالة ارتباك أحاول أن أتحدث معها عنها ولكن لساني لاينطق حتى ردودي عليها عندما تسألني مهزوزة…لاحظت ارتباكي وخجلي وقالت لي سأتواصل معك قريباً، جعلتني أطمئن بعض الشئ..
قلت لها بلهفة : أنا منتظر منك إتصال وياريت يكون في أقرب وقت ولو مفيهاش ازعاج لو تسمحيلي أخد رقم تليفونك عشان لو في حاجه حبيت أضيفها في البيانات أقولك عليها..
-طبعاً يادكتور اتفضل دا الكارت بتاعي وعلى فكرة مش أي حد بسمح له أنه يكلمني أو يتواصل معايا خارج نطاق الشركة لكن أنا حسيت إنك شخصية مختلفة…
-أنا بجد سعيد جداً بكلامك دا وبثقتك دي ومش عارف أشكرك إزاي..
-العفو يادكتور وإن شاء الله في أقرب وقت هايتم الإتصال بيك وتوفير الشقة المناسبة لحضرتك…
-أنا منتظر الإتصال وسعيد بلقائك..
-شرفتنا…
-أنا اللي حصل لي الشرف …
-مع السلامة يادكتور وليد الأستاذ ماجد في انتظار حضرتك..
-شكراً جداً وأشوفك على خير …
مع السلامة..
خرجت من الشركة وأنا بداخلي حلم جديد، حلم مختلف أنساني حبي لدارين وغربتي ووجع قلبي …
ملكت تفكيري وسيطرت عليه لدي رغبة شديدة في الإتصال بها ولكنها سبقتني …
لم أصدق نفسي أنها هي التي بدأت وتحدثت معي، تغلبت على خجلي وصارحتها بإعجابي بها وتكررت محادثاتنا وتطورت إلى لقاءات وازداد تعلقي بها ..
وقررت الارتباط بها ..ذهبت إلى أبي وتحدثت معه وطلبت منه أن يأتي معي لكي أتقدم لخطبتها وتعجبت من ردة فعله :
-أنت دايما متسرع يابني .. أنت كمان هاتتجوز واحدة ماتعرفش عنها حاجة لا هي من بيئتك ولا طبعها من طبعك ..
-أنا بحبها وهي كمان وشايف إنها هي اللي هاكمل معاها حياتي ..
-أنت لحقت تعرفها كويس وتعرف أهلها..
-أيوا ناس كويسين وبيحبوني جداً وتعالى يابابا وشوف بنفسك..
-حاضر لما أشوف أخرتها معاك إيه..
ذهبت أنا وأبي إلى والد رهف وتقدمت لخطبتها ووافق والدها وبدأ يضع بعض الشروط التي رفضها أبي..
لم أستجب لنصائح أبي وتمسكت برهف ووافقت على جميع الشروط .. وتمت الخطبة، رفض أبي الحضور فهو غير مقتنع بها وبأهلها ولم يحضر من عائلتي سوى أخي الأكبر فقط ..
أصبحت رهف رفيقتي وحبيبتي ..
وأشرقت الشمس بعينيها وأصبحت أسير بريقها…أذوب في همسات قلبها ..
أغرق في أمواجها، أعشق قيودها …
ورأيت فيها أحلامي وجمال أيامي …
ونسيت من أنا … أفكر بعقلها وأشعر بقلبها وأتمنى رضاها …
لأجد نفسي في النهاية في دائرة مغلقة مليئة بالوهم والغش والخداع ..لم أستطع الخروج منها …
فهذه الشروط التي وافقت عليها لم تكن شروط بل كانت قيود ..
غاب عقلي وساقني قلبي ..
مافعلته بنفسي جرم شديد ..
بدلاً من تجهيز العيادة طلب مني والدها تجهيز عش الزوجية ووضع الشروط القاسية وهي: ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى