أدب

عبدالرزاق الربيعي.. كلنا نتلظى على جمر الاغتراب

قاسم مشكور| ناقد من العراق
الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، وأمنياتنا ما هي إلاْ صورة من صور العجز الذي يجتاحنا إزاء ما نود تحقيقه فيها أو من خلالها.. بهذا المنطق الواقعي أواجه خسارتي في الحياة، فكان اغتمامي يزداد كلما تذكرت أصدقائي الذين يتلظون على نار الهجرة الاغتراب، بعيدين عن مراتع الصبا والشباب، والشاعر عبد الرزاق الربيعي واحد من هؤلاء.

سأفتح جناحي وابسطهما للريح مسافراً إلى ماضي الايام الجميلة مع الشاعر عبد الرزاق الربيعي حالما بالنشوة الكبرى، مفتوناَ بذكريات الماضي بعد أنْ كبل الحاضر قدميّ فافقدني الإحساس بها.. لن آبه باي شي، ولن اقيم وزناَ للافكار السلبية، أو اسمح لها بالصعود إلى خلايا فكري مثل حشرات طفيلية تدب في جلدي محدثة دبيباَ يريد منعي او تعطيلي عما نويت عليه..أُقر واعترف بأني مهووس بأصدقائي، فلا عاطفة توازي عاطفتي نحوهم، ولا صوت اضمره لغيرهم يقوى على مغادرة شفتيّ اللتين تبدوان في حالة من التيبس وانا اخاطب سواهم.

عبد الرزاق الربيعي، أيها الصديق الصدوق، اسمح لي أنْ أقول لك:لا أود أنْ يأتي يوم، فتنظر إلى جبينك وقد امتلأ بالغضون بعيداَ عن وطنك العراق، ولا أريد لقلبك ان يكون يتيماَ، لايحيط به أحبته القدامى، واعلم يا حبيبي، أنْ الحياة تفتح ذراعيها للمقبل القادم، لا للرائح المهاجر، لا لمن يسير مفارقاَ الأصل.

مَنْ يدري؟ لعل الحنين الذي يحوطك يتكفل بإعادة النقاط إلى حروفك، بعد أنْ اسقطها التجوال في بقاع الدنيا..لعل هذا الحنين الذي رأيته في عينيك في زيارتك الأخيرة لبغداد يبدد غيوم الاغتراب، فيرمي بها وراء الافق، قابضا على لحظة تأمل حقيقية قادرة على الذهاب بك إلى بيتك العتيق في مدينة الثورة، وليقودك إلى مدرسة نهاوند، والى رائحة خبز امك الزكية التي لازال عبقها ينتشر في فضاء البيت، أو متوارياَ داخل شقوق جدران بيتك الأثير.

انا أعلم أنّ في داخلك ينبوعاَ من الحنين، ولكن الا ترى معي ان فترة اقفاله قد طالت علينا أكثر من المتوقع، أو المأمول؟

إنّ اقفال هذا الينبوع لا يساوي شيئاَ إزاء المحبة الجارفة التي يكنها لك محبوك في العراق، واعلم يا حبيبي أنّ السفر هو ابتسامة، ومهمته تنحصر في انتشال الحيرة من الشفاه، فإذا ما تبددت حيرتنا، فلا معنى لاغترابنا، وإذا ما أنكرت عليّ هذا القول في نفسك، وصرت تردد، ان السفر عزاء للنفس، فارد عليك بأنك على حق، ولكن النسيان هو استحقاق ثقيل على النفس، لا يجيده أمثالك من رقيقي القلوب،فهناك جروح تنزف، وعيون للدموع تذرف يقف القلب إزاءهما حائراَ.

البقاء الوحيد يكمن في الرجوع إلى أصل الأشياء، فلا نريد لهذا الاغتراب أن يكون سبباَ في إثقال أو إعياء خيالك الشعري أيها الحبيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى