هشاشة النظام الصحي العالمي في مواجهة “كورونا”

علي أبو هلال – فلسطين | محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي

الحرب التي شنها فيروس “كورونا” على حين غرة على دول وشعوب العالم كشف هشاشة النظام الصحي العالمي، وأثبت أن الدول العظمى الغنية والقوية والصناعية لم تكن مستعدة لمواجهة هذه الحرب، وقد سقطت الاتحادات الاقليمية والدولية في مواجهة هذه الحرب الضروس، حتى أن الاتحاد الأوروبي الأكثر قوة في العالم أثبت أنه غير قادر على توحيد أعضائه في مواجهة الخطر.

ورغم ما تمتلكه الدول العظمى من إمكانيات وقدرات عسكرية وتكنولوجية، وترسانة عسكرية ضخمة من الأسلحة الاستراتيجية عابرة القارات، ورغم الطفرة الصناعية، وانتشار الذكاء الصناعي، واختراق الفضاء، إلا أن هذه الدول وقفت عاجزة عن مواجهة هذا الفيروس.

ونشر فيروس كورونا حالة رعب على الكرة الأرضية، وضرب الدول المتقدمة كما فعل بالدول المتخلفة، وهزّ إمبراطوريات المال والأعمال، ودفع لأول مرة بمئات الملايين من البشر الى الحجر الصحي الذاتي والعام، وعطّل عجلة الاقتصاد، وضرب بورصات العالم، وساوى في مشاعر الخوف والتوتر بين الدول العظمى والفقيرة، وكشف أن كل الدول بدون استثناء، لم تكن مستعدة لمواجهة هذه الحرب، فباتت الحكومات تعمل على عزل مواطنيها لمنع انتشار الفيروس، نتيجة لخوفها من انتشاره بالشكل الذي يثبت عجزها على التصدي له.

لم يكن هناك من كان يعتقد مثلا أن إيطاليا، الدولة الصناعية وإحدى أكبر اقتصاديات العالم، تمر بمثل ما تمر به الأن من ظروف استثنائية، بسبب عدم التهيؤ لمواجهة الفيروس الزاحف، وافتقادها للقدرة على حصر تأثيراته منذ الأيام الأولى، وعجزها عن توفير المستلزمات الصحية الضرورية.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تواجه الدولة ذات الاقتصاد الأكبر عالميا، تحديات كورونا، وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن الرئيس دونالد ترامب أخبر حكام الولايات المتحدة، أن يحصلوا على أجهزة التنفس الاصطناعي وأجهزة التهوية وكمامات الوجه بأنفسهم، وعدم انتظار الحكومة الفيدرالية لتوفيرها لهم، وقالت الصحيفة، إن ترامب أجرى عددا من الاتصالات بالحكام ليخبرهم بأنها مسؤولية الولايات، بينما حذر خبراء صحيون في الولايات المتحدة من عدم وجود أجهزة تنفس اصطناعي كافية في المستشفيات إذا تفشى وباء فيروس كورونا المستجد، وتسعى الآن لاستيرادها من الصين التي حاول ترامب قبل أشهر فرض القيود على التجارة معها.

وأضافت الصحيفة أن أزمة نقص الأجهزة تواجه بقدر من الاستهانة من قبل المسؤولين الحكوميين الأمريكيين وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب الذي قال لحكام الولايات الأمريكية “فلتجدوا تلك الأجهزة بأنفسكم”..

وفي إسرائيل، أوردت القناة 12 الإسرائيلية وثيقة صدرت عن مدير قسم اللوجستيات في حالة الطوارئ في وزارة الصحة الإسرائيلية، أظهرت النقص الحاد في أجهزة التنفس من طراز C1 وC6، بالإضافة إلى نقص حاد بالكمامات والملابس والنظارات الواقية للطواقم الطبية والأشخاص بالعزلة. فيما نقلت تقارير صحفية أن رئيس مجموعة علي بابا الصينية للتجارة الإلكترونية، أعلن أنه يعتزم التبرع للحكومة الإسرائيلية بـ50 ألف صندوق معدات فحص كورونا، بالإضافة إلى 10 آلاف كمامة للطواقم الطبية.

في الوقت الذي تقف الطواقم الطبية في العالم أجمع، على جبهة الصدام الأولى في مواجهة فيروس «كورونا» الفتاك، ويكون العديدون منهم عرضة لخطر الإصابة، يبرز في إسرائيل دور الطواقم الطبية الفلسطينية في هذه الحرب.

وحسب معطيات رسمية لوزارة الصحة ودائرة الإحصاء المركزية، تبلغ نسبة العرب من السكان 18.5 في المائة لكنها تبلغ 20.8 في المائة من العاملين في المهن الطبية، إذ إن 17 في المائة من الأطباء في إسرائيل هم من العرب، و24 في المائة من الممرضات والممرضين و47 في المائة من الصيادلة، و33 في المائة من العاملين في النظافة والصيانة في المستشفيات والعيادات الطبية هم من العرب.

وهذه ليست مجرد أرقام، بل تترجم في الحياة العملية بشكل صارخ. فأنت لا تدخل إلى مشفى أو عيادة إلا وتلاحظ وجود العرب جنباً إلى جنب مع اليهود، يقدمون الخدمات الطبية بلا تفرقة، أكان ذلك في المستشفيات العربية في الناصرة أو المستشفيات في البلدات اليهودية. وهذا يدل أن الأطباء والطواقم الصحية العربية في إسرائيل هم في خط الدفاع الأول في مواجهة فيروس “كورونا” وهذا ما يحسب لهم رغم السياسة العنصرية التي تمارسها دولة الاحتلال ضد الفلسطينيين.

وفي دولة عربية مثل لبنان، تبين من بين كل عشرة أجهزة تنفّس في لبنان اثنان فقط يعملان، بحسب أمين سرّ نقابة مُستوردي المُستلزمات والأجهزة الطبية جورج خياط الذي يملك إحدى شركات استيراد هذه الأجهزة. خياط أوضح أن في لبنان نحو 500 جهاز فقط، «نحو 20% فقط منها تعمل». أمّا السبب فهو «النقص الحادّ في المُستلزمات الطبية وقطع الغيار اللازمة لها بسبب أزمة الدولار المندلعة منذ أشهر»، في وقت «تتهافت» الدول على شراء هذه الأجهزة ضمن إجراءات الاستعداد لفيروس “كورونا”.

وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن الانقطاع الحاد والمتصاعد في العرض العالمي لمعدات الحماية الشخصية (PPE)، بسبب الطلب المتزايد والإقبال على الشراء الناشئ عن الهلع والتكديس وإساءة الاستعمال، ما يعرض الأرواح لأخطار الإصابة بفيروس كورونا الجديد وغيره من الأمراض المعدية.

ويعتمد عاملو الرعاية الصحية على معدات الحماية الشخصية لحمايتهم وحماية مرضاهم من الإصابة بالعدوى ونقلها إلى الآخرين، غير أن نقص هذه المستلزمات يعرّض للخطر حياة الأطباء والممرضين وغيرهم من العاملين في الخطوط الأمامية لرعاية المرضى المصابين بعدوى كوفيد-19، جراء صعوبة الحصول على إمدادات أساسية كالقفازات والأقنعة الطبية وأجهزة التنفس ونظارات الوقاية وواقيات الوجه والأردية الطبية.

وفي الأراضي الفلسطينية ورغم قلة وضعف إمكانيات الجهاز الصحي والطواقم الطبية، إلاً أن الحكومة الفلسطينية وبجهود طواقمها الصحية والأمنية، استطاعت محاصرة انتشار الفيروس نسبياً، بسبب الإجراءات الوقائية المبكرة والمشددة التي اتخذتها، والتي أشادت بها منظمة الصحة العالمية.

وكان للأطباء الفلسطينيين والعاملين في القطاع الصحي، دور هام وبارز في التصدي لفيروس “كورونا” في فلسطين وفي دول العالم، وأعلنت وزارة الخارجية والمغتربين، الفلسطينية عن وفاة عدد من الأطباء الفلسطينيين الذين قاموا بمعالجة مصابي الفيروس في عدد من الدول من بينهم الطبيب الفلسطيني نبيل خير في إيطاليا نتيجة إصابته بالفيروس، ووفاة أحد أعمدة الجالية الفلسطينية في ولاية نيو جيرسي الأميركية الدكتور الصيدلي سيف تيتي، بعد إصابته بفيروس “كورونا” المستجد، والطبيب الفلسطيني قاسم عيسى من مدينة غاليسيا في إسبانيا، نتيجة إصابته بفيروس “كورونا”. والطبيب الفلسطيني هشام حمد بعد إصابته بفايروس “كورونا ” أثناء قيامه بواجبه الطبي بمشفى في إسبانيا.

ورغم الدور المتميز والمتفاني للأطباء والطواقم الطبية في العالم للتصدي لفيروس “كورونا” ومن بينهم الفلسطينيين، إلا أن مواجهة فايروس كورونا على الصعيد العالمي باستثناء الصين نسبيا، أثبتت هشاشة النظام الصحي العالمي، وخاصة لدى الدول العظمى، الأمر الذي يقتضي تغيير أولويات هذه الدول لتعطي الاهتمام الأول للصحة وتوفير الدواء والمستلزمات الطبية، ورعاية مصالح البشر وخدمة الإنسانية، بدل التركيز على سباق التسلح وتصنيع أسلحة الدمار الشامل وشن الحروب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى