كلام فارغ في تسمية المومس نفسها فنانة

د. خضر محجز | فلسطين

ثمة خلط ماكر يعمد إليه كل من لا لون له ولا خَلاق، بين الموضوعية والحياد: فترى مخلوقاً ناعماً كالبُزاق، حين تناقشه في القضايا الكبرى، كالعدالة أو الشرف، أو الدين، يقول لك:

ــ أنا موضوعي، أتناول المواضيع بحيادية، كي أستطيع معرفة الحقيقة.

ثم لا يصدر من ذلك برأي ولا موضوع.

فإن ناقشك في قضية تخص ما يناله من مصالح أو مكاسب، نسي موضوعيته وبارَزَكَ بالنقاش المفعم بالعاطفة، وصار له صوتٌ، وصار له وجهٌ يحمرّ، وصار له عرق يَتَفَصَّدُ، وصار له مدافعون من حوله يقولون لك:

ـ هذا رأيه. لماذا أنت غاضبٌ من رأيه؟

أذكر أن قال ذاتَ يوم، ذاتُ شخص، اكتسب ذاتَ جنسيةٍ، ومارس ذات منصبٍ، لحساب ذاتِ دولة كبرى:

ــ أنا لست فلسطينياً، أنا فقط وُلدت هنا بالصدفة.

كان هذا الشخص يرى نفسه موضوعياً، وكان الحاضرون من أمثاله يسمعون، ولا يرون فيما يقول أيّ بأس.

لكنه سرعان ـ ذات تغيير حكومي متوقع ـ أن اكتشف واكتشفوا معه؛ أنه فلسطيني، يصلح لأن يترشح وزيراً في الحكومة التي تقول إنها فلسطينية.

لقد كان الذين سمعوه في تلك الجلسة هم الذين يرشحونه.

يواصل هؤلاء وجودهم، وتتنامى مناصبهم كمصالحهم، بل يزدادون، ويصعدون على سطح هذا المستنقع المليء بالضفادع وثعابين الماء. ويواصل بسطاء مثلي تبني كل قضايا الشرف، فيدافعون عنها، ويغضبون لأجلها، إذ يرون الشرف قضيتهم الشخصية.

في أمثال هؤلاء وأولئك يقول الرائع نيتشه:

تفرض القضايا العظيمة حباً عظيماً.

والأذهان القوية والجريئة والحازمة ــ وحدها ــ هي القادرة على هذا الحب.

ثمة فرقٌ كبير بين مفكر ينخرط في قضاياه بصورة شخصية: فيجعل منها قَدَرَهُ وأَلَمَهُ وأعظمَ سعادته؛ وبين آخر يحرص على أن يظل لاشخصياً: لا يعرف قضاياه، ولا يلمسها، ولا يدركها؛ إلا بأطراف أصابعه، وبحيادية باردة.

لن يتوصل هذا الأخير إلى شيء.

يمكننا أن نتكهن بذلك بكل ثقة:

فحتى لو قبلنا القول بأن هناك أشياء ستدركه، إلا أن القضايا العظيمة لا تسمح لنفسها بأن تدركها الضفادع والرخويات، فهذا ليس ذوقها إطلاقاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى