قالتْ البنتُ الحزينةُ ـ قصة قصيرة
خالد جمعة | فلسطين
قالت البنتُ الحزينةُ: عندما أضعُ طفلي، سيكونُ ملكاً للأرضِ، سيتكفَّلُ بأفرادِها واحداً واحِداً، سيكونُ بهيّاً نديّاً، بوجهٍ ضاحكٍ، ولن يكونَ لهُ أعداءْ، سيخلو العالمُ تحتَ إمرَتِهِ من الغِلِّ والحسدِ والجوعِ والمرض، لن يأخذ أحد شيئاً غصباً، ولن تصفرَّ الشجراتُ حتى في الخريف، حتى العقربُ لن تقتربَ من الأطفالِ النائمين، ولن تهبَّ الريحُ لتهدمَ قلعةَ رملٍ بناها ولدٌ على شاطئ.
عندما أشعرُ بالحملِ، لن أسمعَ غيرَ الموسيقى، لن آكل غيرَ التفاحِ والزيتونِ والعسلِ والتين، سأغني له كلَّ ليلةٍ مع قمرٍ صغيرٍ بجوارِهِ، وأقطف له نجمتين ليزيّنَ أكتافَهُ بهما، سأختارُ له اسماً لا يكونُ لأحدٍ بعدَهُ كما لم يكن لأحدٍ قبلَهُ، سألمسُ بطني بيمنايَ ويسراي على دفء الحكايةِ كحبلٍ سرّيٍّ، سأعلِّمُهُ اللغات، سأدرِّبُهُ على جميعِ آلاتِ الموسيقى التي عرفها البشرُ، وحتى تلك التي لم يعرفوها، وكيفَ يكلِّمُ الوحوش في الصحراءِ والغابات، وكيفَ يكلّمُ الغيمَ من أجل المطر، سأعلِّمُهُ أن يحاورَ الرِّيحَ ويقطِفَ قِصصاً من الأرواحِ الهائمةِ في النشيد الكبير، وسأعلِّمُهُ أن يُحبَّ كلَّ شيء، وأيَّ شيء.
عندما أتزوّجُ، سأرفعُ دعوتي إلى الله ملفوفةً في ملاءات الصلاة، سأبكي أمامَهُ بحرقةٍ ليُريني الطريقَ دونَ ارتباكاتٍ من أيِّ نوع، سأقدِّمُ له قرابينَ من شهدٍٍ ولوزْ، ليمنحني القدرةَ على أن أكونَ ما أحلمُ به، ويعطيني كلَّ صباحٍ حلماً جديداً أحقِّقُهُ في المساء، ليصيرَ ليليَ أكثرَ هدوءاً، وصباحيَ أكثرَ إشراقاً، وحقلُ قمحيَ ذهباً، وماءُ بئريَ عسلاً، سأصلّي له بينَ الوردةِ والوردةِ، ليعطيني القوَّةَ إلى آخرِ الطريقْ.
عندما أكبرُ، سأكونُ ما أريد.