حكايا من القرايا.. ” الكناين وردات الجناين”

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

زمان، كانت مشاكل الكناين  كثيرة، فالكنّة كانت تعمل (سرفيساّ) للعائلة كلها، فهي التي تلمّ الغسيل، وتغسله، وتنشره، وتجلي المواعين، وتطبخ… والأسرة ما عليها شيء ” اخدمني وأنا سيدك”… ” وشمّر ايدك عمّك طابخ “، ومع هذا وذاك فالكنّة مش مستورة (إلا من رحم ربي) يوم: زادت المِلحة ع الطبخة، فبدأت الحماة (تهمر) كحوت يريد الابتلاع، ويوم حطّة الحج ما بِتْوجْ وجْ… غضب الله لحقها من مسبّات الحج والحجة، وساعة الشاي طلع اصفر شوي… والشباب كيكبوا… ويوم غلت المي السخنة، بتنكة سلق البيض… ويوم… ويوم… لهذا السبب كانت الدعوة الأولى للكنة في كل صباح ” الله يكافينا شر هذا اليوم” فلكل يوم شروره الجديدة… وعمر الكنّة ما باتت بهمّ عتيق…

كانت الحزينة تشتكي (لسبع البرمبة) لجوزها عن أمّه، والحزين يقع بين الصير والباب، لا يستطيع الردّ عليها، ولا يستطيع مواجهة أمه… وكان يوم المنى لأمّه يوم يغظب القاروط على مرتو، ويقرّب بدو يمد ايدو عليها، الله يساهل عليها حجت بيت الله، لكن الحِجّة ما منعتها تكذب على كنّتها، ولا منعتها تتقاتل معها… مجرد ما يصل ابنها من الشغل وقبل ما يستريح أو (يوكلو) لقمة، تبدأ الشكاوى… مرتك عملت هيك… وهيك… وراحت هون… وهناك… وقالت هيك… وهيك… والحزين لا من ثمّو ولا من كمّو

وفي عصر يوم من ذات الأيام، وبينما كان يتناول غداءه بعد يوم عمل شاق، وبالصدفة البحتة، كان يجلس مقابل المطبخ، سمع عملية جريئة في تكسير الصحون والجاطات، كانت قرقعة شديدة، نظر هناك… لم يصدق، أغمض عينيه… وفتحهما وكانت الحقيقة، أمّه تمسك كل مجموعة من الصحون والزجاج وتكسرها… وتصيح… سدّت عملية التكسير شهيته في الأكل، برم سيجارة هيشي، ودشعت الأم مثل الباشق، تريد الافتراس، دشعت بعينين محمرتين، وشعر منكوش وصراخ… قوم… قوم… شوف مرتك شو بتساوي… قوم… قوم… كنّو مالنا مال حرام… شوفها قاعدة بتكسر بالصحون في المطبخ… فبهت الزوج… ولم تصدق أذناه ما قيل، ولكن صدقت عيناه ما رأى…

فكر كثيرا بالانتقال من المنزل، لكنه خاف كلام الناس، وحكاياتهم عن ترك أمه وحيدة، واتباع طريق زوجته… وسيقولون: الرجل محكوم… ولا خير فيه… فكر بوضع حد للأم: خاف زعلها وغضبها، وخاف أن تجعله خريفية على شفاه الناس… فكر بترك الزوجة، وما ذنب الحزينة؟ بنت عالم… فكر بلجنة إصلاح، والله هيئة الأمم تعجز عن الإصلاح… فكر بالانتحار… وعدل… وما الحل إلا من عند الله… بطرفة عين حلّ الله – سبحانه وتعالى- المشكلة من أولها إلى آخرها… انجلطت الحماة، وكسحت، ولم يبق جزء يتحرك منها إلا رأسها… وبنت الناس هي التي قامت بها، وخدمتها، وكانت تبكي العجوز، والكنة تطعمها، أو تسقيها، أو تحممها… وهدأت الدار وسكنت… لا كلام إلا ” الله يرظى عليك… الله يستر عليك… الله يرزقك ويوفقك… الله… الله…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى