عن “فصّ حنّا وفصّ مخايل”
سهيل كيوان | فلسطين
لم يترك المثل الشعبي حالة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية مهما كانت معقدة، إلا واختصرها ببضع كلمات تُغني عن الكثير من الشّرح، وببلاغة عميقة في المجاز، وما أبلغ المثل الفلسطيني الذي يصف الكيل بمكيالين بكل بساطة وحِدّة وسخرية “فَصّ حنَا إلو رَنّة وفصّ مخايل ما بسايل”، وهذا عندما نحاسب شخصًا على فعلٍ ما، ونتجاهل الفعل ذاته عندما يصدر عن شخص آخر.
هذا ينطبق على موقف الغرب والولايات المتحدة وحلف النّاتو من سياسة روسيا تجاه أوكرانيا، وفرض عقوبات اقتصادية عليها، لا بل والتهديد بردود عسكرية مؤلمة، من خلال تسليح متقدم للأوكرانيين، وهذا ينطبق على روسيا في موقفها من قضايا شبيهة.
ما يجري على الساحة الدولية يحيلنا بطبيعة الحال إلى ما يجري في الوطن العربي وفلسطين، ومواقف الدّول من الصراعات هناك وهنا، وهذا طبيعي، وهو حق لكل إنسان أن يتساءل ويقارن، فالمفروض أن القضايا الإنسانية لا تتجزأ، وما ينطبق على أوكرانيا يجب أن ينطبق على فلسطين وسورية وليبيا والعراق واليمن والشيشان، وغيرها من أقطار عربية، خصوصًا عندما يجري الحديث عن مبدأ أساسي هو حرية الشعوب في تقرير مصيرها.
للشعب الأوكراني الحق في اختيار نظامه، مع من يتحالف أو يرفض أن يتحالف، هذا موقف أميركا في أوكرانيا، أما في فلسطين، فلا وجود لأي قيم أخلاقية ولا حتى لحقوق إنسان، أميركا تقدم كل الدعم المعنوي والمادي والعسكري لمن يفتك بحياة شعب ويحوّلها إلى جحيم يومي وإلى حالة استعباد، يغتصب بيوته وأرضه ويقتل أبناءه على مرأى من عيون أميركا وفرنسا وبريطانيا وكل العالم الغربي، إلا أن “فصّ مخايل ما بسايل”.
هناك قرارات دولية لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948 وما زالت غير مطبّقة.
إسرائيل احتلت منذ 1967 ما تبقى من فلسطين وضمّت القدس الشرقية عنوة، وغيّرت جغرافية الضفة الغربية وديمغرافيتها بزرع المزيد من المستوطنات والمستوطنين الذين يمارسون الإرهاب اليومي بدعم كامل من أميركا وحلفائها في أوروبا طيلة عقود، حتى أن “بلد الحرية” رفض تعريف إسرائيل كدولة أبرتهايد، ولا تذكر الضفة الغربية كمنطقة محتلة في سياسته بل كمناطق متنازع عليها.
أميركا والعالم الحر لا يرون بقتل فتية قاصرين جريمة لمجرد رفع حجر مقاوم بوجه دبابة، وسجنهم لمدد طويلة تدمر حياتهم، لا يرون هدم بنايات أو الاستيلاء عليها بالقوة وطرد سكانها إلى العراء، ولا يرون حصار قطاع غزة منذ سنين وتلويث مياهه وقتل المئات من أطفاله لمجرد اقترابهم من جدار الفصل جريمة، بل ويصورون دولة الاحتلال كضحية، بما في ذلك رئيس أوكرانيا الحالي الذي يتعاطف مع الاحتلال ويتجاهل جرائمه. أميركا وحلفاؤها لم يروا إعلانات قادة إسرائيل مرة تلو الأخرى رفضهم لتطبيق قرارات دولية، وإعلانهم ضم هضبة الجولان إلى إسرائيل بالقوة والعربدة.
أميركا وحلفاءها يدعمون أقذر الأنظمة القامعة لشعوبها في المنطقة العربية، ولا يهمهم من قريب ولا بعيد حق المواطن العربي بأن يعيش بكرامة وأن يمارس حريته في وطنه، بل يسهمون في قمعه.
من جانبها وقفت روسيا بزعامة بوتين إلى جانب النظام السُّوري جنبا إلى جنب مع أميركا ودول الغرب بحجة محاربة “الإرهاب”، وشنّت مئات آلاف الغارات على المدن السورية، وأسهمت بتشريد ملايين السوريين، وهي نفسها روسيا التي شنّت حرب إبادة على شعب الشيشان عندما حاول أن يستقل بالضبط مثل حال المناطق ذات الأكثرية الروسية في جنوب شرق أوكرانيا.
وفي الوقت الذي يحرق طيران روسيا المدن السورية، يتيح لطيران الاحتلال بتواطؤ واضح أن يفعل ما يحلو له في سماء سورية شرط الابتعاد عن القصر الجمهوري. بوتين والقيادات الغربية من نفس الفصيلة العدوانية والعنصرية عندما يتعلق الأمر بالشعوب العربية.
هؤلاء من بوتين إلى رؤساء أميركا وبريطانيا وفرنسا والدائرين في أفلاكهم، جعلوا من الشعوب العربية أهدافا حيّة لتجريب مختلف الأسلحة الجديدة ومدى فتكها.
نحن ضد الحرب والعدوان، وضد العنصرية، ومع الحرية لكل الشّعوب، والكيل بمكيال واحد لكل الشعوب.
أما الأنظمة العربية، فسوف تبقى تابعة لهذا أو ذاك من القوى العظمى، وستبقى مذدنبة، ولن تكون مستقلة ما دام أنها بيد زبانية من الدكتاتوريات بمختلف مسمياتها وأشكالها وحجم وحشيتها وقذارتها