غياب

أحمد جمعة

مرّت عشر سنوات

وهو ملقى على سرير بالمشفى

في غيبوبته،

الممرضة الوسيمة التي تتابعه

بانت التجاعيد من ملامحها

حتى إن طفلها الرضيع صار بالعاشرة،

الفسيلة التي كان غرسها أمام البيت

صارت نخلة

يأكل تمرها أحفاده الذين لا يعرف عنهم شيئا

وكذلك لا يعرف

أننا قد بعنا أرضه لجارنا السيئ

الذي لطالما تعاركا معا على الحدّ والسقاية،

أيضا لا يعرف أننا أغلقنا دكانته

وضممناها للبيت

كي يتسع غرفة لأمّنا الوحيدة

والتي لم يعد لها مكان في البيت إلا دكانته،

لقد مات حماره مبللة عيناه بالدموع

على غربته بعد صاحبه،

حتى إن عربته الحديد التي كان ينقل عليها

السماد ونتاج أرضه

قد صدئت من وقفتها

حزنا على غيابه الممتد كألمٍ في المفاصل،

لا يعرف أن قدمه اليمنى باتت بأصبعين

قدمه التي لطالما سبّح على أصابعها

طين الحقل

واستحمّت بسمرتها التّرع،

مرّت عشر سنوات

تغيّر فيها سريره وغرفته بالمشفى

تغيّر اسم الشارع والمشفى،

تغيّر أبناؤه وباتوا في صراع مع الحياة

تاركينه خلف ظهورهم

في غرفة ضيّقة من النسيان

تكابد تحت أطلال الذاكرة،

ووحده ما زال في غيبوبته

لم يتغير فيه شيء!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى