قَبْلَ الماء

معين شلبية

غَبَشٌ على سَطْحِ المرايَا والدُّخَان

خُيولٌ تَسْحَبُ الأَحلامَ مِنْ غَسَقِ البِحارِ إِلى الدِّيار

غَضَبُ الزُّرقةِ يمحُو سديمَ الأُرجوَان

والرِّيحُ تخلعُ صمتَهَا العارِي وتزحَفُ

على وَشْمٍ يُدغدغُ أَرضَ الأُقحوَان.

وَأَنا وَميضٌ مِنْ بريقِ اللاَّزوردِ أَفترشُ الحُطَام

أَجْهَرُ مَا كتبتُ عَنِ المُدُنِ اللَّقيطةِ

فِيْ وُحولِ هذا العالَمِ المسعورِ والمسكونِ

بالأَشباحِ والأَوهام

أَرسُمُ ما استطعتُ مِنَ الهَباءِ السَّرمديِّ

كَمَا يَخْضَوْضِرُ عُشْبٌ فِي الرُّكام.

هِيَ سَطْوَةُ الحُزْنِ المُقيمِ

وَشَهوةٌ بحريَّةٌ عَلِقَتْ على طَقْسِ الضَّيَاع

هِيَ وَمْضَةُ العشقِ المُؤَجَّلِ

وحَبْلُ أَمشاجِ الوَدَاع

على مرابِطِهَا اتَّكأْتُ وبتُّ فِي السَّمحِ الرَّطِيب

نَبْضِي تصدَّعَ قيدَ أَنفاسٍ حميمَة

جَسدي طامحٌ بِسَكينَةِ اللُّقيَا

مَاءٌ فِي كُلِّ المهابطِ فجَّرَتْهُ الآلِهَة

لَمْ يَبْقَ فِي رئَةِ المواجعِ مَا يُنَفِّسُ رغبتِي بينَ يديَّ

فَالمسافاتُ تَنِزُّ وتَشْلَحُ رَجْعَهَا العاتِي

على شَفَةٍ يتيمَة.

مِنْ إِسَارِ الدَّمْعِ فِي عَيْنَيَّ ومِنْ صمتِي العَصيِّ

تَبعثرتُ ارتباكاً حولَ منحدرِ الفُنُون

مَا دلَّني أَحَدٌ عليهَا لأَجمعَ دهشتِي منِّي إِليهَا

لَعَلِّي طائِرُ النَّارِ الحَرُون

تَورَّطتُ وَعْيَاً على رُكبةِ الأَمكنَة

لأَسقُفَ المنفَى بأَجنحةِ الضَّباب

فَانثالَ قبلِي الماءُ ما بينَ الأُنوثةِ والغِياب

كَأَنَّ الماءَ بينَ نارَيْنِ!

وَالماءُ يُسْنِدُ حُلْمَهُ المائِيَّ ويَجرِي

فيْ رِهَامِ الأَزمِنَة.

مَطَرٌ على حريرِ خريفِنَا المحزُون

لَيْسَ فِيَّ سِوى تجاعيدِ التَّوتُّرِ والتَّأَزُّمِ

يَا تواشيحِي الدَّفينَة

صَوتي تَسَمَّرَ عندَ منعطفِ الرِّهان

وَالرُّوْحُ غافيةٌ على وَجَعٍ تَجمَّدَ فِي مفاصِلِهَا الحنَان

سَأَلْتُ؛

وَطالَ انهمارِي فيْ خُرومِ تردُّدِي

عَنْ موجةٍ صخريَّةٍ سقطَتْ

فيْ لُجَّةِ الموتِ العتيقَــــة.

 وَقَفْتُ، والقلبُ يَرْفُو مِنْ تَعَرُّقِهِ

قَمَراً تجلَّى خلفَ طيَّاتِ الرُّكُون

قَالتْ:

سَأَعُودُ مِنْ رحلةِ التِّيهِ المسجَّى

فَوْقَ أَروقةِ الشَّتات

سَأَرجِعُ مَا دامَ لِيْ نجمٌ ترابيٌّ وتحتي ذكريَات!

قُلتُ، وكانَ الكلامُ خطيئَتِي ومشيئَتِي:

قد كانَ ما سوفَ يكونُ

فكلُّ ما سيكونُ.. كان

لَاْ شيءَ يُؤَوِّلُ الأَحلامَ فِي هَذا الزَّمـــــان

لَاْ شيءَ يُؤَوِّلُ الأَحزانَ فِي هَذا المَكــــان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى