مراسيم الزواج الفلسطيني حسب المزاج السياسي الإسرائيلي
شوقية عروق منصور |فلسطين
نكذب إذا قلنا أننا لم نعد نملك الحس الرومانسي، نكذب إذا قلنا أن قصص الحب لم تعد تحرك فينا المشاعر، جميعنا ما زلنا نعيش على حافة الدهشة ، نعشق لحظات الصمت التي ترسم في الأفق أغنية أو لقطة في فلم أو حكاية عشق تغادر نشرات الأخبار المجنونة بالحروب والنزاعات.
أعترف في حضور المواقف الرومانسية التي لا تخشى برد النظرات وثلوج التساؤلات والتي تحاول أن تبقى مبتسمة، لا ترسم دمعة أو تهرب خارج كوكب ابجدية الاستغراب .
في حضور هذه المواقف أتحول إلى عاشقة لدغتها نحلة العشق فتحولت إلى جرة عسل مغطاة بمناديل ملونة لتؤكد أن الحياة رغم بصماتها القاسية وتوحش أصابعها الملوثة برائحة البارود ، هناك في الظل حين نريد الاتكاء على صخرة التأمل تخرج الينا وجوهاً تختال أمامنا، حيث تمنح الحياة أرصفة نجلس على بلاطها ونطمئن أن البشرية ما زالت تنبض بضوء الحب .
” وقف يا أسمر في الك عندي كلام … قصة عتاب وحب وحكاية غرام ” أغنية للرائعة فيروز من كلمات والحان الأخوين الرحباني ، خطرت على بالي عندما تمكن الأسير ” باسل الأسمر ” القابع في سجن ” إيشل ” والمحكوم بالسجن المؤبد وفوقها أيضاً 20 عاماً من اعلان خطوبته على الشابة ” سنابل الراعي ” من مدينة قلقيلية، هذا التحدي المزنر بالأمل ، المحاط بسنوات تسيل منها الأيام الجافة، والساعات تذهب إلى النوم ويبقى الغد مجهولاً .
قصة الحب قد تكون عادية ، ولكن عندما نعرف أن الأسير ” باسل الأسمر ” أبن بلدة بيت ريما – شمال غرب مدينة رام الله ، والمتهم باغتيال وزير السياحة الإسرائيلي السابق ” رحبعام زئيفي ” في 17/ 10/ 2001 ، وقد قامت السلطات الإسرائيلية باعتقال ” باسل الأسمر ” وفوق الاعتقال قامت بهدم بيته، والأدهى سيبقى سجيناً إلى متى؟؟ لا أحد يعرف ؟
أما الشابة أو العروس ” سنابل الراعي ” فقد رهنت عمرها لقلوب السياسيين المصابين بالذبحة الاحتلالية وأيضاً احتضنت إيقاع السنوات القادمة ، لعل الإيقاع يفاجىء الأبواب الحديدية يوماً فيفتحها ، وينطلق ” باسل الأسمر ” .
تضحيات المرأة الفلسطينية، أو لنطلق عليها التضحيات الشابة لها القيمة الإنسانية والمعنوية وتغطي على جميع قصص الحب التي كُتبت في الماضي وفي كتب التراث وكتب التاريخ . لأنها تضحيات عن قناعة وفكر ورؤية واهتمام، فعندما تتنهد المرأة تضع ثقلها الأنثوي على مستقبلها المرفه وترقص لتلامس أطراف ثوب الرفاهية ، ولكن عند المرأة الفلسطينية يلامس قناعة حكايات الانتظار والأيام الراكضة، وشجرة العمر التي تأكلها نيران الحسرات .
ليست الخطيبة ” سنابل الراعي ” هي الفتاة الفلسطينية الأولى ، أذكر هنا صديقتي الناشطة اجتماعياً وسياسياً ” سناء سلامة ” التي ما تزال تنتظر زوجها الأسير وليد دقة من عام 1999 حيث ارتبطا وعقد قرانهما في السجن ، وكان الزوجان فكرا بالإنجاب وبقيا اثنا عشر عاماً يحاربان في أروقة المحاكم لنيل قرار يسمح لهم بالإنجاب ولكن الاحتلال كان دائماً يبرز جواب الرفض .
وفي النهاية كان التحدي بتحرير النطفة وانجبت سناء الأبنة ” ميلاد ” ورغم العقوبات التي نالها الأسير ” وليد دقة ” من السجن الانفرادي إلى عدم رؤية طفلته ، إلا أن الحلم بالإنجاب كان أكبر تحدي للمؤسسة الحاكمة .
وهناك قصة الأسير ” خالد حلبي ” وهو من كوادر الجبهة الشعبية الذي قام بمراسم الاكليل على الشابة ” كلير” من بيت لحم ، بعد قصة حب دامت 18 عاماً ، وما زال خالد في السجن وكلير تنتظره.
هذه القصص والحكايات التي تذكرها وسائل الاعلام خلسة ، لكن حين نفتح صفحاتها نجد بطولات لها رائحة الاعتزاز وتفوح من الكلمات احتراماً وتقديراً لهؤلاء النسوة ، الشابات اللواتي يغادرن الحياة اليومية إلى حياة الانتظار والتعلق بقشة الأحداث السياسية ، والأصعب حين تصبح الذاكرة مثخنة بالسنوات .
حين يحتفل العالم بالمرأة والنساء والأمهات .. أنا أصافح أيضاً هؤلاء الشابات، المتزوجات مع وقف التنفيذ ، اللواتي اردن بوجودهن اضاءة عتمة الاسرى .. أنهن يتباهين بصبرهن وانتظارهن، وليس بآخر أزياء الموضة .