وكشّر وحش السماء عن أنيابه

إبراهيم أمين مؤمن | مصر

مرّتْ ثلاثة أيام على هذه السلاسل التي تكبّله، لم يعبأ جاك بحبسه وإنما شغله الشاغل منصبّ على نجم سحابة أورط، قال في نفسه: ما كنتُ أظن أنه سوف يأتي يوم ويمنعني شيء عن متابعة رصد النجم. تبا لهذه السلاسل اللعينة، منعتني عن وحشين، أحدهما رابض في السماء يروم إلى التهام العالم (يقصد تحول نجم سحابة أورط إلى ثقب أسود ومن ثم يلتهم العالم)، أما اللعين الآخر فهذا الرابض بعرشه في البيت الأبيض.
كلما دخل عليه حارس السجن ليدخل له الطعام كان جاك يقول للحارس راجيا بأن يحاول أن يصل إلى رئيس ناسا ليخبره بمكانه لأن العالم كله تحت قبضة نجم. وأن العالم كله مجرد لقمة سيلوكها في فمه فور تحوله إلى ثقب أسود، سيبدأ بمحتويات سحابة أورط حتى إذا انتهى منها دخل على كواكب المجموعة الشمسية فالتهمها واحدا واحدا، بدءا من نبتون ومنتهيا بالشمس.
استمع له الحارس، فهاله الأمر فبحث في شأنه.
تابع رسالتيه المسجلتين على اليوتيوب الخاصتين بالماجستير والدكتوراه.
ولما شاهد اللجنة وهي تمنحه شهادة الدكتوراه في الخيال العلمي في حضور الساسة الأمريكيين واليهود ولاسيما أنه شاهد بعض أعضاء حركة الصهيونية العالمية ارتاب في أمر جاك، فتارة يقول بأنه عميل صهيوني وتارة يقول إن كثرة العلم أفسدت عقله، وهذا دفعه للتفكير في أمر لجنة المناقشة بأنها غير نزيهة لوقوعها تحت طائلة الحركة الماسونية.
ولذلك لم يسمع له واكتفى بالسكوت.
أما رئيس ناسا فقد افتقده كثيرا منذ أول يوم غاب فيه، فهو معتاد دائما أن ينظر إليه وهو يتابع رصد نجم سحابة أورط.
ولقد قضى الثلاثة أيام الفائتة ما بين البحث عنه ورصد نجم السحابة، وبين الفينة والأخرى يبكي لفقدانه.
وفي مساء اليوم الثالث وهو مقبل على مراصد ناسا لمتابعة النجم تذكر شيئا، فضرب جبهته وقال لنفسه: كيف يفوتني أمر كهذا؟! الحرس، الحرس، لابد أن حرسه يعلمون بمكانه.
فهرول نحو سيارته، ثم ارتد للخلف مرة أخرى وقال: ألقي نظر أولا على النجم ثم أذهب إلى حرسه.
نظر واقفا، بعد مضي لحظات تسمر كأن على رأسه الطير، ثم ضغط برأسه على التلسكوب الراصد يحدق في النجم، مرت لحظات أخرى لم يتحرك من الصدمة، فجأة خرّ على كرسيه فاتحا محجرا عينيه على مصراعيهما، أما دماء وجهه فقد غادرت منه هاربة.
صرخ مناديا باسم جاك، ثم قفز من كرسيه وتوجه نحو الباب قاصدا حرس جاك.
استقلّ سيارته الطائرة حتى عثر على كبير حرس جاك، وسأله عنه فقصّ له الحارس ما حدث من ثلاثة أيام وليلة فائتين، فأخذ يفكر ويمعن في التفكير حتى هداه إلى الذهاب إلى البيت الأبيض، بل تأكد أنّه هناك.
استقلّ سيارته الطائرة وحلّق قريبًا من البيت الأبيض، ثمّ هبط على مقربة منه، وتقدّم إلى البوابة الرئيسة وطلب مقابلة الرئيس.
هاتف الحارس رئيس الحرس، وفور أن سمع منه مقدم رئيس ناسا قال في نفسه: ها قد جاء ما تكره يا رئيس البيت الأبيض، لقد حان إطلاق سراحك يا أيها الجاك العظيم.
دخل رئيس ناسا من البوابة وقابل في طريقه رئيس الحرس فسأله عن جاك فأجابه: «هون عليك أيها الرئيس، فإني أجدك ملتاعا إلى أقصى الحدود، لعلك تريد الرئيس، هلم بنا إليه.»
فور دخوله ألقى عليه التحية، ورد عليه رامسفيلد التحية بدهاء ومكر.
شعر رئيس ناسا بأن رامسفيلد يخفي أمرا رغم دهائه ومكره، وأسرّ ذلك في نفسه، وجاء كلامه معبرا عما يجيش بداخله، وكان كلامه: «سيادة الرئيس قال لي الدكتور جاك إنّه سوف يأتي هنا، وقد بحثت عنه في كلّ مكان فلم أجده، فقلتُ لعّله في ضيافتك.»
– «كنتُ سأرسل إليك اليوم، وأحمد الربَّ أنّك أتيت، جاك جاسوس للعرب، وحفاظًا على وكالة ناسا العالمية آثرتُ أن أخفي الخبر لحين ملاقاتك.»
لم يخش رئيس ناسا من قول الرئيس لأن جاك في مأمن من قبضته ولاسيما بعدما رصد الكارثة عبر تلسكوب الرصد.
ولذلك قال له متوعدا عاقبة فعله بجاك: «ملاقاتي! ملاقاتي أنا! بل عليك ملاقاة العالم كلّه.»
وفور الانتهاء من قولته وثب قائما وسأله بثقة: «أين الدكتور جاك فخامة الرئيس؟»
– «عجبا لك من رجل! أقول لك إنه جاسوس وتسألني عنه! الأحرى بك بأن تطلب له محاميا.» زفر زفرات طويلة محاول إمساك نفسه عن رامسفيلد، وآثر أن يتلطف معه فقال: «سيادة الرئيس، جاك الولايات المتحدة الأمريكية هو رمز دولتنا وقوميتنا الحقيقي، ولابد من إحضاره الآن، فقد تحقق كل ما قاله مخالفا بذلك الرأي الجمعي العالمي بشأن نجم سحابة أورط، للأسف، قد تحول النجم إلى ثقب أسود والعالم كله قد يتحول إلى مضغة له خلال بضع سنوات فقط.» فور أن أنهى كلمته انهدّ على الكرسي.
قال الرئيس غير مكترث لكلام رئيس ناسا حقدا وحنقا على جاك: «إن كان هناك من سيخلّص العالم من الشرِّ فهو أنا، لذلك أريد طائرة مخفية.»
هبّ به صارخا معنفا: «أقول لك العالم على وشك الفناء وتقول لي أنا أنا، من أنت أمام جاك الولايات المتحدة الأمريكية! وماذا تفعل بطائرة مخفية في حربك ضد آسيا والعالم كله معرض للانصهار في ثقب أسود، بوق إسرافيل في انتظارنا أيها الرئيس.»
ارتد رامسفيلد للوراء، ودون مقدمات هاتف رئيس الحرس بإحضار جاك. ثم نظر إلى رئيس ناسا وقال: «خذه هو لك.»
خرج من البيت الأبيض ليجد جاك بانتظاره في السيارة.
فور أن استقل السيارة وطار بها قال له: «تحوّل النجم إلى ثقب أسود يا جاك.»
رغم توقع جاك بتحوله إلا أنه تفاجأ بهذه الكارثة، فصاح به: «ألم تر النجم؟»
أومأ رئيس ناسا برأسه يمنة ويسرة ناهيا والدمع ينفجر من محجري عينيه.
قال جاك مستدركا: «وجدتَ ظلاما؟»
أومأ برأسه هذه المرة لأعلى وأسفل إشارة بالإثبات عن سؤاله.
قال جاك باستسلام: «إذن، قهرته جاذبيّته رغم كتلته الصغيرة وانكمشَ على نفسه متحولاً إلى ثقبٍ أسود، يا ويل هذا العالم مما ينتظره، يا ويله.»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى