المقاومة الشعبية وأغانيها.. “أيقونة النصر”
محسن خزيم| قاص وروائي مصري
يظن الكثيرون من الناس، أن مصر الكنانة بمنأي عن الحروب التي تحاك من حولها الآن وخاصة المحيطون من حولنا من دول الجوار، وبعيدا عن الاختلافات الإيديولوجية بينهم لابد أننا نعرف جميعا أن أقدارنا التاريخية هي التي دوما ما تجعلنا في صدارة الأحداث، ولا أقول الحروب الآنية
منذ حرب النكبة المعروفة باحتلال فلسطين، وحتي حروب العدوان الثلاثي والنكسة والاستنزاف، برغم طرافة المسميات السياسية لهذه الحروب، لكنها حدثت بالفعل وخرجنا منها جميعا بنصر أكتوبر الذي وضع خارطة الشرق الأوسط علي طاولة المفاوضات لسنوات جاوزت المدي ورغم أنها حرب تحرير إلا أنها أوقفت أطماع الإمبريالية العالمية، في ثروات الشرق لأكثر منذ خمسين عاما. مضت انشغلت فيهم بتغير مخططاتها الاستراتيجية وأخذ نفس عميق وتدوير الحروب مرة أخري بعد هذا التقدم الرهيب في عالم التكنولوجيا،لكنها لازالت عاجزة أمام أشياء ليس لها علاقة بنوع السلاح ولامخططات الساسة، وهو الانتماء التاريخي للأرض الذي يربط تلك الشعوب بصرف النظر عن التغير العرقي أو المذهب الديني وتلك هي المعضلة الفارقة في كل الحروب التي مضت وفي كل الحروب التي سوف تأتي، وحتي لا نغوص في أعماق التاريخ الضاربة جذوره في القدم منذ حروب ماقبل الإسلام حتى الآن لابد لنا من أنموذج لهذا الانتماء وهي حرب التحرير المصرية في أكتوبر لعام ثلاثة وسبعين ميلادية مع الص ه ا ي ن ة والتي قام الجيش المصري بكل واجباته وخططه فيها على أكمل وجه، وتحقق له النصر المبين، لكن في ليلة الثالث والعشرين من أكتوبر كان جيش العدو قد اخترق نقطة تسمي الدفرسوار. ورغم قرار مجلس الأمن إلا أن أوامر صدرت من قادة الجيش الإسرائيلي باقتحام مدينة السويس في 23 أكتوبر، وكان ابراهام آدان قائد الفرقة لديه ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مشاة مؤلف من خمس أو ست كتائب. وبحلول 24 أكتوبر، كان هناك لواءان إسرائيليان على مشارف المدينة، مع كتيبة واحدة من المظليين بقيادة القائد الإسرائيلي يوفي جنوب غرب مدينة السويس، ورغم اختراق قرارات وقف إطلاق النار ظن الجيش الإسرائيلي أن الصيد ثمين وأن المدينة ستسقط كما سقطت بئر العبد، لكنهم لم يدركوا حقيقة أولاد الأرض وارتباطها بأبنائها.. وواصل الجيش الأسرائيلي تقدمه نحو المدينة الباسلة ووجدوا بعض الجنود دون سلاح، بدون مواجهة أي مقاومة، ثم وصلت الكتيبة إلى مفترق طرق في حي الأربعين. وكانت المفاجأة فق قام عضو المقاومة «محمود عواد» بإطلاق قذيفتين آر بي جي على الدبابة الأمامية. واحدة تسببت في أضرار سطحية، والأخرى ضائعة. بعد ذلك، جهزت المقاومة كميناً آخر، وسمع إبراهيم سليمان المتمركز في مخبأ بين سينما رويال وسينما مصر الانفجارات، فطلب من رفيقه محمد سرحان أن يعد له قذيفة آر بي جي. من مسافة 12 متر، أطلق إبراهيم سليمان القذيفة، فأصاب قرص الدبابة فانفجرت ومال مدفعها إلى الأرض. وبعد لحظات، أطلق محمد سرحان قذيفة آر بي جي على ناقلة الجنود المدرعة التي تحمل المظليين التي كانت خلف الدبابة الأولى، فاشتعلت فيها النيران. في تلك اللحظة، بدأت جموع من المدنيين والجنود تتحرك نحو هذا الموقع من المباني المجاورة ومن الطرق المؤدية إلى الساحة. وأعمدة الدبابات توقفت، وبدأت تطلق نيران كثيفة من أسلحة خفيفة، كما هاجموا بالقنابل اليدوية وفي غضون دقائق سقط عشرون من أصل أربعة وعشرين من قادة الدبابات الإسرائيلية وقتلوا، وأصيب الإسرائيليون بحالة من الذعر، والخوف، وهم لا يدركون من أين يأتيهم الرصاص بعد أن توقف سير الدبابات أمام مزلقان سكة حديد منطقة البراجيلي نجح الكمين في عدم عبور باقي الرتل من الدبابات نحو قسم الأربعين الذي حرره الشهداء، مع حلول الظلام، أمر القائد الإسرائيلي آدان القوات المدرعة بالخروج من المدينة. ولكنه علم بعد ذلك أن هناك قوة أخرى تلاقي مقاومة شرسة في شمال المدينة، في حين لايمكنه إلا استبدال كتيبة واحدة، بالإضافة إلى كتيبة أخرى قادمة من الشلّوفة إحدي المناطق التابعة لحي الجناين… وتنتصر المقاومة ويستشهد محمود عواد وأشرف عبدالباقي، وإبراهيم سليمان وفايز أمين وإبراهيم يوسف،ويبقي علي قيد الحياة الشيخ حافظ سلامة والكابتن غزالي الذي كتب أجمل الأغاني وعزف على السمسمية أجمل الألحان التي مازالت الأجيال تغنيها في العيد القومي للمحافظة:بيوت السويس يا بيوت مدينتى.. استشهد تحتك وتعيشى أنت.. فداكى وفدا أهلى وبنيانى.. أموت ويا صاحبى قوم خد مكانى.. دا بلدنا حالفة ما تعيش غير حرة.. قدمت بيتى وسكيت دكانى.. يا شطى وبحرى وشبكى وسفينتى”،، هكذا يكون النصر.