فكر

المواطنة الفعّالة.. كيف تتحقق واقعًا؟

د. طارق عشيري | السودان

     إنّ السقوط الأخلاقي الوطني يمثل انهيار القيم والمبادئ التي تستند إليها الأمم، وهو دليل على تدهور الوعي المجتمعي والمسؤولية الأخلاقية. عندما تفقد الأمة البوصلة الأخلاقية، تظهر الفجوة بين القيادة والشعب، ويصبح الفساد معياراً، وتنتشر الأنانية، مما يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وتراجع روح التضامن. تبدأ الأمم في الانحدار الأخلاقي عندما تُهمل مبادئ العدالة والمساواة، وحينما يصبح الكسب الفردي أهم من المصلحة الوطنية، مما يمهد الطريق لضعف الدولة واندثار إرثها الحضاري والثقافي.
ومعالجة السقوط الأخلاقي الوطني تتطلب استراتيجية شاملة تتضمن خطوات متعددة على المستويات الفردية والمجتمعية والسياسية من تلك المعالجات، وتعزيز القيم الأخلاقية في النظام التعليمي وتربية الأجيال القادمة على المسؤولية والمواطنة، وتنظيم حملات توعية لتشجيع السلوك الأخلاقي والقيم الوطنية في المجتمع، وخلق مساحات للحوار بين فئات المجتمع المختلفة لحل النزاعات وتعزيز التفاهم. علينا أن نعمل على تشجيع التسامح وقبول التنوع الثقافي والفكري، واختيار قادة سياسيين واجتماعيين يتمتعون بالنزاهة والشفافية؛ليكونوا قدوة في التصرف الأخلاقي. ولابد، ومحاسبة المسؤولين عن الفساد والتي حدثت في فتره الحرب والتجاوزات لتعزيز الثقة في المؤسسات والعمل؛ لتطبيق العدالة الاجتماعية وحماية حقوق الأفراد من أجل تقليل مشاعر الظلم والإقصاء، وبناء مؤسسات قانونية قوية لضمان سيادة القانون وتطبيقه بشكل عادل على الجميع، والجديه في تحسين الأوضاع الاقتصادية لتقليل الفقر، الذي قد يؤدي إلى انهيار القيم الأخلاقية، ومحاربة الفساد في كل المستويات لضمان تحقيق العدالة والنزاهة في توزيع الموارد، وتعزيز الانتماء الوطني عبر إبراز الهوية المشتركة، والاحتفاء بالتاريخ والتراث المشترك، والتركيز على القيم الوطنية التي ترفع من شأن الفرد والمجتمع ككل.
وبتنفيذ هذه الخطوات، يمكن أن نعمل تدريجياً على تحسين السلوكيات الأخلاقية في المجتمع وإعادة بناء الروح الوطنية. وللتعمق أكثر في معالجة السقوط الأخلاقي الوطني، يمكن النظر إلى حلول إضافية تسعى إلى إصلاح البنية الاجتماعية والثقافية بطرق مستدامة
يلعب الإعلام دورا مهم جداً في تشكيل القيم، لذلك يجب تشجيع المحتوى الإعلامي الذي يعزز الفضائل الأخلاقية بدلاً من الترويج للقيم السلبية مثل الجشع والفساد.كما يجب أن تكون هناك رقابة فعالة على المواد الإعلامية والبرامج الثقافية لتعزيز القيم الوطنية والمجتمعية، مع تسليط الضوء على النماذج الإيجابية في المجتمع. نحتاج في هذه المرحله مابعد الحرب الي تغير نمطيه بعض المؤسسات الدينية التي يجب أن تلعب دوراً أكثر تأثيراً في التوعية بالقيم الأخلاقية وتعزيز روح الوحدة والتعاون بين أفراد المجتمع، وتشجيع دور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في نشر التوعية حول القيم الأخلاقية والعمل الجماعي.
كذلك على الدولة أن تكون شفافة في تعاملاتها وأن تلتزم بالنزاهة في قراراتها وإجراءاتها، لأن فقدان الثقة بين الدولة والمواطنين يؤدي إلى انهيار القيم الأخلاقية، وإنشاء قنوات حوار مباشر ومستمر بين الحكومة والمجتمع يعزز الشفافية والمحاسبة. إن الأسرة هي النواة الأساسية في تشكيل القيم الأخلاقية للفرد، لذا يجب أن تحظى بدعم وتوجيه حول كيفية تربية الأبناء على قيم المسؤولية والاحترام وحب الوطن، وتقديم برامج دعم للأسر، خاصة في البيئات الفقيرة والمهمشة، لتوفير بيئة تساعد على تربية الأبناء تربية أخلاقية صحيحة.
وعلى الأفراد والشركات أن يشعروا بالمسؤولية تجاه المجتمع. يمكن تشجيع المشاركة في برامج المسؤولية الاجتماعية التي تساهم في تنمية المجتمع وتقديم الدعم للفئات المحتاجة، والعمل التطوعي والمبادرات المجتمعية هي وسائل فعالة لنشر القيم الإيجابية وتعزيز الوحدة الوطنية.
إن التطرف يؤدي إلى تدمير القيم الاجتماعية والأخلاقية؛ لذا يجب مكافحة جميع أشكال التطرف سواء كان دينيًا، سياسيًا، أو عرقيًا؛ لذا يجب أن تكون هناك برامج تستهدف الفئات الأكثر عرضة للتطرف، من خلال توفير الفرص الاقتصادية والتعليمية وتعزيز الانتماء الوطني؛ فعلى كل فرد أن يشعر بمسؤوليته تجاه مجتمعه، وألا يكتفي بالانتقاد أو انتظار الحلول من الآخرين. هذا يتطلب من كل شخص المساهمة بقدر ما يستطيع في تحسين الواقع المحيط به، مع تعزيز مفهوم المواطنة الفعالة، حيث يدرك الأفراد أن أفعالهم اليومية تؤثر على المجتمع ككل.
        فعبر هذه الهمسه الوطنيه نسعى من خلالها أن نرى تحسناً في القيم الأخلاقية والوطنية، مع تحقيق التوازن بين الفرد والمجتمع والدولة في بناء وطن قوي أخلاقياً وثقافياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى