طريق التكامل والتعاون والسيادة
بقلم الشيخ: سالم بن محمد بن أحمد العبري
تأتي زيارات وزير الخارجية الإيراني للمنطقة العربية كدليل امتداد وثبات لسياسات الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ودليل قاطع وبرهان ساطع على أن إيران الإسلامية تنحو بتوجهاتها منذ قيام ثورتها المباركة، واستلامها الحكم في فبراير، عام: (١٩٧٩م)، بقيادة تلك الشخصية الإسلامية العظيمة الإمام آية الله الخُميني، تنحو إلى بناء منطقة عربية إسلامية في هذه المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي وإلى المحيط الهندي، ومن حدود روسيا الممتدة في قارتين شمالًا، وحتى الصحراء الكبرى، وأدغال أفريقيا جنوبًا -إن لم نَقُلْ- كُلّ أفريقيا؛ لأن أفريقيا تَنْضَمُّ -إن لم نَقُلْ- تَنْتَسِب للإسلام والعروبة؛ مما يجعلها جزءًا أصيلًا من المنطقة التي أعني، حين تقود المنطقةَ سياساتٌ صحيحةٌ عادلةٌ، وتتولى قيادة المنطقة قيادات مُؤَلِّفة صالحة مصلحة عادلة، هذه المنطقة الكبيرة بمساحتها (حيث تربو على 20 مليون كم)، ومناسبة بعدد سكانها (حيث يربو على نصف مليار نسمة)، والمختزنة والمنتجة لكل الثروات؛ زراعية، وتعدينية، وبترولية -غازية ومائية- ولموقعها الوسطي في الكرة الأرضية؛ لذا فهي مطمع لكل الامبرطوريات التي وُجِدَتْ في الكون عَبْرَ مسيرة التاريخ البشري المُسَجَّل في الرسومات، أو بالكلمات، هذا وقد سال لعابها على منطقتنا تعاملًا بالحسنى، أو استعمارًا، ومما أذكر للأستاذ «أمين بسيوني» -رحمه الله- (مدير إذاعة صوت العرب، ورئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون) لما جمعتني به جلسة خاصَّة، حيث حَدَّثَنِي باستفاضة عن تاريخ هذه المنطقة والامبرطوريات التي سعت للسيطرة عليها، وكيف أنها مَطْمَعُ ومَقْصَدٌ لكل القوى الإمبريالية التي تسعى لبناء قوة عالمية لكي تُسَيْطِرَ على هذه الجوهرة من العالم، ولعل الأستاذ «أمين» كان يُمَثِّلَ أمين الأمة، وهو يُحَدِّثُنِي حديث القلب للقلب، وفي فترةٍ بَدَت أنها حُبْلَى بالأحداث.
نعم هذه هي المنطقة، وهذا حالها، نِعْمَةٌ ونِقْمَة؛ نعمةٌ حين يُدْرِكُ القادةُ أن كُلَّ واحد منهم مأكول حين يؤكل الثور الأبيض، وإن كان ثورًا أسود لا شية فيه، فَيَبْنُوا أوطانًا، ومنطقةً تُمَثِّلُ الجسد الواحد إذا اشتكي فيه عضو تَدَاعَتْ له سائر الأعضاء بالسَّهَرِ والحُمَى، كما في الحديث النبوي الشريف، .
هكذا أَدْرَكَتْ كُلُّ دول الحضارات السابقة والدولة الإسلامية، بل ودولها الجزئية، وهكذا هُزِم الاستعمار الصليبي، وكذا نظر محمد علي وهو يحاول إقامة دولة مصرية عربية، وقبلها كانت الدولة العُمَانية بقيادة «اليعاربة»، ومن أعقبهم، وهكذا كانت هادفية الجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر، وشكري القُوَّتْلِي؛ لمواجهة إسرائيل بصورة جماعية.
ومن هنا تأتي النظرة الإيرانية الإسلامية منذ نجاح الثورة، وقيام الدولة، لولا أن العرب تَصَمُّ آذانها، حين يأتيها منادٍ منها، وتفتح آذانها وعقولها للغو العدو الظاهر والباطن الذي «يُعْطِيكَ من طرفِ اللسان حَلَاوةًن ويَرُوغُ مِنْكَ كما يَرُوغُ الثَّعْلَبُ»، وزُيِّنَ ذلك الكلام غير المنطقي حين ساد أنَّ كُلَّ الأوراق (٩٩ %) بيد أمريكا، وأن السلم، والأمن، والنمو، والرفاهية، مُتَحَصَّلَة بالسلام مع الكيان الاستعماري (إسرائيل)؛ لذلك قُوبِلَت الثورة الإسلامية بالرفض، والحروب العسكرية، والكلامية المذهبية، ولم يُسْتَمَع لرأي العُقَلَاء من السَّاسَة العرب من عُمان، وسوريا، والجزائر، وشُنَّتْ حروب الكلام، وانتفع الكُتَّابُ المرتزقةُ الذين يكتبون بمستوى ما يُعْطَوْنَ، ولعل من أولويات ما كُتِبَ مطلع الثمانينات من القرن الماضي لشيخٍ نحترم علمه وعقله ومكانته، ورُبَّمَا لا تزال زوايانا تخنزن كُتَيِّبَهُ ذلك، وأظن أنه لو كان يملك الأمر قُبيل وفاته لأحرق تلك الوريقات، كما فعل الشاعرُ الفلسطينيٌّ عَلِيُّ هاشم رشيد، حين تَخَلَّصَ من أشعاره التي بها مَدْحٌ للبعض، والمدح المذموم هو مثل الكتابة المأجورة.
حين نَتَتَبَّعُ مسيرة كل الرئاسيات الإيرانية، نجد أن كلها سَعَت لإرساء توجهات صالحة مصلحة، جامعة مُوَحِّدَة، تعمل على التآلف لا التخالف، والاجتماع لا التفرق، وتَبَيَّنَ أن الفُرقة يريدها الأعداء، ويعملون على إشاعة روايات منافقة ضالّة مُضَلِّلَة، غاياتها بعثرة الأمة؛ لتبقي مُفَكَّكَة مرعوبة ممنوعة من البصيرة، وعَمَّقَ تلك الأجواء بعضُ المسئولين العرب الذين لا ينظرون إلا بعين الأعشى، فهم في الحقيقة غير مُؤَهَّلين لتولي مسؤلية، فكيف إذا كانوا يرسمون توجهات لعلاقات وأحداث المنطقة المتجاورة منذ بَدْء الخليقة وإلى يوم الدين، وبينها من الأواصر والتاريخ المشترك مكانيًّا، وزمانيًّا، وعقائديًّا، واجتماعيًّا أسبق، وأوثق، وأعمق، وأنقى، وأطهر من علاقات أمريكا بكل العالم؛ لذلك كنت أقول للبعض: إن تحصين الأمة من أن تُعَاد تلك الحقبة السوداء التي بدأت من بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، عام: (١٩٩١م)، وتَوَلِّي عديمو الضمائر أمور الشئون الخارجية، وعصبة المال، وتبادل الهدايا والمنافع، كنت أقول على الحقوقين العرب والمسلمين أن يقيموا محاكمة معنوية لتلك الفترة السوداء التي أَتَتْ باتفاقية أوسلو ووادي عربة، وإلغاء قرار اعتبار الصهيونية، وإلغاء المقاطعة العربية الفاعلة لإسرائيل، وترويج إقامة العلاقات العربية مع هذا الكيان الدخيل على الوطن، والأمة، والعقيدة.
نعم يأتي الحِراك الإيراني –اليوم- في ظِلِّ مقاومةٍ عربيةٍ في غزة، والضفة، ولبنان؛ مقاومةٌ تُثْبِتُ بتضحياتها، وثباتها، واقتدارها أحقية وحتمية الوقوف معها إسنادًا بالسلام، والحرب إن أَبَتْ القوى الاستكبارية أن تنصاع لمنطق العدل والشرعية الدولية فيوقفوا العربدة الإسرائلية، وينصاعوا معًا للقرارات الدولية منذ القرار: (١٩٤)، وحتى القرارات الجديدة المصاحبة للحرب الحالية.
إنَّ التكامل والتعاون وبناء منظومة أمنٍ، وسيادةٍ، وتنميةٍ مُشتركةٍ مَرْعِيةً ومَبْنِيَّةُ من الجميع لمصلحة الجميع، وتنمية متوازنة شاملة مُحَدَّدَة بنُظُمٍ ومَواثيقَ صحيحة هي المدخل لما تدعو له إيران، و قبلها مصر، وسوريا، وكل المفكرين، والكُتَّابِ العَرَب .. فإلى مُحَدِّدَات ذلك في القادم بعون الله –تعالى.