صورة المرأة في شعر علي الدرورة دراسة سيميائية للكاتب مجدي بكري

أميرة عبد العزيز | كاتبة وفنانة تشكيلية

ليس الحلم والحياة إلا وجهان لعملة واحدة..! لا يمكن فصلهما عن بعض، كيف يكون للحياة طعم إلا إذا امتزجت بالحلم وما قيمة الحلم من دون الحياة. إن كل شئ جميل وعظيم حولنا بدأ بحلم، بفكرة ممكن تحقيقها على أرض الواقع، كذلك المرأة هي الحلم والجمال والطعم الذي يعطي للحياة أجمل معنى. لقد أوصى الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بها خيراً حينما قال “رفقاً بالقوارير” فما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم ، وجاء في القرآن ذكرها وتكريمها وسميت بإسمها سور” النساء ، ومريم ، والمجادلة ، وذُكِرت في الكثير من الآيات ” وما أعظمه وأجله من ذكر وتكريم سعندما يكون من عند الله عز وجل..!
منذ بدء التاريخ والمرأة تحظى بمكانة عالية متفردة ومازالت وستظل محط الإهتمام والإحترام والتقدير والحب ظاهرياً ومعنوياً ، ولعل جعبة الكثير من الشعراء والكتاب تذخر بموضوعات ثرية ومتعددة عن المرأة تظهر من خلال مواقف ودلالات غير مرئية تتفاعل مع اللغة من خلال ألفاظ وتعبيرات وأحاسيس الشاعر فتدرب العين على التقاط المضمون والمتواري من خلال الخطابات الشعرية والنثرية التي يقصدها الشاعر ، إنها أنظمة تحمل إشارات ورموز مشفرة تسرد الحدث وتوصفه وقد تُدمر وتُشعِل وتخطف القلب تارة وتُرِيحُه تارة أخرى ، تتفاعل ميتافيزيقياً لِتُظهِر لك أحداث درامية مختلفة متنوعة تجعلك تراها صورة متجسدة مرئية حية أمامك.
إن الدراسة السيميائية للكاتب والشاعر مجدي بكري من خلال كتابه ” صورة المرأة في شعرعلي الدرورة ” حيث لفت انتباهه كما ذكر في دراسته الوجود الكثيف للمرأة في قصائد الشاعر والأديب الدرورة .. المرأة التي قال عنها كونفشيوس: “إنها أبهج شئ في الحياة”، وقال عنها أرسطو: “إنها كالوردة تستدرج الرجل بأريجها لتلسعه بأشواكها “.
وأوضح بكري في كتابه على أهمية المرأة فهي عنصر فعَّال والملهمة والمؤثرة في القبيلة والمجتمع عموماً، وبالتحديد ذَكر أهمية صورة المرأة في أعمال الدكتور علي الدرورة حيث أظهرها بأكثر من صورة وأكثر من شكل فهي الرومانسية الرقيقة والمرأة المجهولة أو الغانية اللعوب أو الشاردة أو المحبة وتارة أخرى تراها من خلال ذكرياته البعيدة أيام الطفولة والصبا.
لقد كشف بكري من خلال دراسته وتحليله السيميائي للنصوص الأدبية والشعرية المدلولات المحتملة الخاصة بها وحاول الوصول إلى أعماقها ومختلف جوانبها واكتشف أن اللغة عند الدرورة تمثل السهل الممتنع فتراها انسيابية مرة تأسر العقل وتثيرُ بداخل النفس الكثير من المشاعر الرومانسية الكامنة وتُلقي بشباكِها لتصطاد صوراً شعرية شاردة من خلال صورة المرأة التي يُظهِرها الدرورة الغارقة في الجمال فيندمج الجسد بالروح والواقع بالحلم ، فَتٌشعِرُكَ بأنها غامضة تارة وساطعة متمردة هادئة تارة أخرى، كما أظهرت الدراسة بِأن قصائِده تتميز بوحدتها العضوية وعمق الرؤية حيث أن الدرورة يسلم قلمه لقلبه لأنه منبع الإلهام ودليله الذي لا يُخطِئ.
وجديرُ بالذكر في دراسة بكري أن الدرورة نجح في تقديم شكل ومضمون مختلف في القصيدة النثرية تأخذ الألباب بتسجيله لأحداث ومواقف صغيرة قد لا يلتفت إليها الكثيرون ، فقد إتخَذَ من الشعر والنثر سهاماً تصيب القلب ولا تخطئه وكانت المرأة بصورتها الجميلة الملهمة إنها الورود والرياحين ، كانت الرومانسية الساطعة المتمردة العنيفة الهادئة كانت المرأة هي الحلم والحياة.
لقد وصف بكري الشاعر علي الدرورة في ديوان ” شئ يشبه المسك ” بأنه ذو حس مرهف ، كما وصف المرأة في قصيدة ” استيقاظ الجوارح ” بالعطر الذي تكاد تشم شذى الورود من خلالها لتذهب بعيداً مع النجوم والبحر في عالم من الخيال اللامتناهي ، وفي قصيدة ” أميرة العطر ” يراها واقعة تحت أسر رجل بخيل يستهين بقيمتها ولا يُقدرها حق تقديرها فتتحول معه إلى غصن يذبل وسحاب يتبدد في السماء بعد أن كانت في نعيم وتألق .. إنه يُظهِر في هذه القصيدة المعنى ويوضِحه من خلال التضاد والمقابلة بالألفاظ والكلمات من خلال ( العطر والنور والورد والسماء ، والطين والإنطفاء والذل والأسر ) لِتُظهِرها بصورة متجسدة أمامك تراها وتسمعها وتشعر بما آلت عليه حال تلك الأميرة ” أميرة العطر “.
وكانت الذكرى في قصيدة “الليالي الحالمات”، وأحاسيس الحب من طرف واحد في قصيدة “الشوق”، والمرأة العابرة في قصيدة “النسيم الذي مر بي”، إنها سيدة العصر بعطرها الفواح في قصيدة ” خليط من المسك ” ، والمرأة الغائبة في قصيدة ” تعويذة عشق “.
إنها فينوس آلهة الحب والجمال في قصيدة “تيجان العشق” ، وهي المتوهجة كالنار في حرارتها ولهيبها والشمس في سطوعها ، والعطر في انتشاره المتلآلِئة كالماسة في قصيدة “وهج العشق”، هي الفراشة الرقيقة الساحرة في قصيدة ” فراشة الحب ” ، هي اللمعان والبريق في قصيدة “الوميض” ، هي الذكرى البعيدة يتذكرها عندما يمر بمكان قد جمعهما يوما ما في قصيدة ” أسرار الهوى ” ، والتي تُضئٌ الحياة بحبها وحنانها في قصيدة ” حقول الضوء ” ، إنها الملهمة الغائبة الحاضرة في ديوان ” أتأملها فيٌضئُ قلبي “.
العشق المعنوي والحسي متجسد في المرأة إنها النار والنور في بوتقة واحدة ولذة الوصال ، هي الرومانسية في ديوان ” زلال من رحيقها ” هي عالم من العشق والخيال.
المرأة هي العطر الذي يتوهج الشوق من خلاله في ديوان ” الشوق وخمائل الذكرى “.
ويأتي السؤال الذي اشتاقت المحبوبة لمعرفة إجابته .. من أين تأتي بهذه الكلمات ..!؟ فيجيبها الشاعر قائلاً : كلماتي تأتي من سحر عينيكِ حينما أنظر إليها تتدفق الأشعار كشلال مسك هي منبع إلهامي وكهف حبي ومستقر أحلامي من خلال قصيدة ” سحر عينيكِ “.
وإلى لقاء آخر بإذن الله ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى