الجانب الشفاهي، في عالم وحيد الطويلة الروائي
د. محمد عبد الباسط عيد | ناقد مصري
إذا دخلت مقهى قاهريا في وسط البلد، وتطلعت إلى رؤوس رواده قد تصادفك قبعة الكاوبوي، إنها في الغالب رأس الروائي وحيد الطويلة وقبعته….! المقهى جزء من حياة الـ Taweela، وهو يعرف نفسه على غلاف رواياته بها، ويوثق لك أسماء المقاهي التي تنقل بينها وهو يكتب كل رواية، كان هذا بالنسبة لي أمرا مذهلا، ولا يخلو من الهزل في موقع الجد، فهل يمزح الكاتب ويلهو بعمله وقرائه؟… الرواية في نظري لها مقام البحث، وتحتاج إلى جهد وانضباط، ومعرفة واسعة بعدة علوم، إنها لا تهبط على رأس كاتبها من السماء..!
فكيف يلهو الأستاذ الطويلة؟
ستزول هذه الهواجس تماما بمجرد أن تجلس إلى الطويلة، ويدعوك الى احتساء القهوة السوداء بإحدى مقاهييه، هي جلسة واحدة، وستعرف بعدها أن الطويلة لا يحتاج إلى مكتب أنيق ولا إلى مراجع لروايته؛ فالرجل يتحدث طوال الوقت بطريقة سردية، ورأسه أسفل القبعة مزدحم بالشخوص التي تجري الأفكار بين يديها، إنه لا يحمل في رأسه فكرا مجردا، وإنما سردا حيا، وتابلوهات لا نهاية لها.
الطويلة يفكر بطريقة سردية، فهو يرسم لك الشخوص ويعمق العلاقات بينها، ويحكي لك الوقائع، وينتقل من لوحة إلى أخرى، وأنت تجاهد لتتابع، وقد تتوه في الطريق ولكن لا بأس، سوف تلتقط الخيط مرة أخرى وسوف تتابع وتعيش معه في السرد…
مظهر الطويلة خادع، فقد توحي لك ملامحه أنك أمام شخص ارستقراطي شديد التحفظ، ولكن هذا سريعا ما يزول مع أول جملتين، ستجدك صديقا لرجل ابن بلد كريم، يعرف باطن المدينه كما يعرف ظاهرها، بل يعرف باطنها الذي يشكل ظاهرها ويطوعه وفق قانون خفي، لا يدركه إلا قلة من المتأملين..
ترى الطويلة متأنقا في بدلته الشمواه، فتظنه مغنيا اوبراليا، ولكن ما إن تجلس حتى يبدأ الحكي المذهل.. من رأس التأنق السياسي إلى قاع المدينة، ومن جنازة عماد حمدي إلى عالم البلطجية والمسجلين…!
فكرت كثيرا وأنا أكتب عن رواية وحيد الأخيرة في هذه العلاقة بين الرجل وعالمه، وكيف يلون شخوصه ويقدم نصوصه كلوحات فنية على جدارية هائلة، فكرت في هذا الجانب الشفاهي، وكيف أثر على عالمه كله، ولكني لم أهتد إلى المدخل المناسب لهذه الفكرة.
كانوا يقولون إذا رأيت محمود حسن إسماعيل يسير في الشارع ستقول من فورك: هذا شاعر..! وأقول: إذا رأيت الطويلة يتكلم على مقهى قاهري، ستقول لنفسك: هذا روائي…!