جمال حمدان.. العبقري صانع المتفجرات الفكرية
توفيق أبو شومر
لم تعد مخزونات الدول الطبيعية، من النفط، والغاز ،والذهب، والفحم، هي الثروات والكنوز المستقبلية، كما هو مذكورٌ في الكتب المدرسية العتيقة؛ بل إن الثروات الحقيقية هي ثروات الأمم من مخزونات الفكر ،والعقل، ومن الطاقات الإبداعية المتجددة.
إن الدول التي تُحاصر مبدعيها في حياتهم، وتطارد أفكارهم وتتهمهم بالشذوذ عن تقاليد التبعية القبلية العتيقة، وتُسدل ستائر النسيان عليهم حين يموتون، ولا تستخلص رحيقا إبداعيا من إنتاجهم، تسقيه للأجيال القادمة، هي دولٌ مصيرها الزوال، حتى وإن كانت مساحاتها الجغرافية كبيرة، وعدد سكانها ضخما!
إليكم نموذجا من نماذج مبدعينا، ممن لم يحظَ فكرُهم بالعناية في أوطانهم، ولم تُستثمر أفكارهم في مناهجنا الدراسية.
إنَّ عبقرية هذا العالِم لا تعود إلى اختراعاته العلمية، والتكنولوجية، ولكنَّ عبقريتَه تعود إلى أنه كان يملك حاسَّةً زائدة عن حواسِّ العلماء، فقد كان عالم جُغرافيا، لم يكن عالما مختصا بتصنيع الصواريخ، والقنابل النووية، ولكنه كان صانع متفجراتٍ فكرية، وقنابل جغرافية نووية، أدركَ بحاسته العلمية الجغرافية، أنَّ جغرافيا معظم البلدان مخططٌ لها، غايتُها التفكيك، وليس القوة، أو التوحيد ، أدرك بحاسته العلمية الثاقبة قبل حدوث النبوءة بسنوات عديدة، بأن الاتحاد السوفيتي سيتفكك، وأن استعمار العالم سيتحول من استعمار جيوش، إلى استعمار احتكار شركات، وسوف يجري التخلص ممن يعوقون الانضواء تحت هذه الأحلاف، لأجل ذلك تخلص مخططِّو المؤامرات من الزعيم، جمال عبد الناصر، ومن رواد دول عدم الانحياز، تيتو، ونهرو، وسوكارنو….
إنه العبقري المصري العربي، جمال حمدان 1928-1993م الذي وظَّف علم الجُغرافيا لصياغة مبادئ فكرية استشرافية جديدة، بعد أن مزجها بفكره الثاقب، وذكائه الخارق، فهو صاحب فكرة:
“أمريكا ترى فترة الحرب الباردة هدنة مؤقتة للسيطرة على العالم.”
قال في نظرية مبتكرة، وصالحة حتى اليوم:
” مصير الامبريالية العالمية، يتوقف على مصير العالم الثالث، ومصير العالم الثالث يتوقف على مصير العالم العربي، ومصير العالم العربي يتوقف على مصير فلسطين، وإسرائيل.”
جمال حمدان قال: ” جَمَعَ الاستعمارُ الصهيوني، بين دموية النازية، وعنصرية جنوب إفريقيا”.
كتب هذا العالِم كتابَه المشهور، (اليهود أنثروبيولوجيا) 1967م ، دحضَ فيه ادعاء إسرائيل بأن اليهود اليوم، هم من سلالة اليهود القدماء، فهو يُرجعهم إلى قبائل الخزر في بحر قزوين، يعود تاريخُهم للقرن الثامن الميلادي، وليس للقرن الثاني قبل الميلاد، هذا الكتاب كان سببا في اغتياله في شقته في ظروفٍ غامضة!
نظرية المبدع، جمال حمدان تبنَّاها الكاتب اليهودي، الذي مات أيضا في ظروفٍ غامضة، وهو آرثر كوستلر، 1905-1983 فقد أقرَّ، بعد نظرية جمال حمدان بعشر سنوات، بأن اليهود هم من سلالات قبائل الخزر، وليسوا من سلالة يعقوب وداود، ووافقهما، شلومو صاند في كتابه، اختراع الشعب اليهودي.
كوستلر كان يهوديا صهيونيا، ولكنه تبرَّأ منها، أُشيع أنه انتحر، في لندن، وأن زوجته انتحرت أيضا، مثلما أشيع أن جمال حمدان احترق، واختفت آخر نسخة من كتاب كان يعتزم إصداره بعنوان( اليهودية والصهيونية)!!