الفنون الزخرفية الإسلامية في أوروبا العثمانية
أ.د. حسن محمد نور | أكاديمي مصري – سوهاج
بدأت معرفتي بالفنون العثمانية منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وذلك عندما سجلت لنيل درجة الماجستير في موضوع “صور المعارك الحربية في المخطوطات العثمانية” كان ذلك بكلية الآثار جامعة القاهرة عام 1410هـ /1987م، وعلى الرغم من أن رسالتي للدكتوراه كانت قد غيرت مسارها لمكان وزمان آخر إلا أن جملة بحوثي عن فنون العصر العثماني قد اقتربت من الثلاثين بحثًا، ثم جد العزم على تأليف المجلد الذي بين أيدينا بعدما تيقنت بعدم الكتابة فيه من قبل سواء في العالم العربي أو في العالم الإسلامي، مع أن موضوع الفنون الزخرفية الإسلامية في أوربا العثمانية مازال في حاجة إلى مجلدات أخرى بل وموسوعات، خاصة إذا ما عرفنا أن دور المحفوظات بإستانبول وحدها فيها مائة وخمسين “مليون” وثيقة، لم يدرس – بل لم يصنف – منها إلا عدد لم يفصح عن نفسه خجلا، وما وصلنا من شواهد القبور الإسلامية في أوربا العثمانية يقدر بثلاثة “ملايين” وما تحتفظ به متاحف تركيا ومكتباتها من تصاوير المخطوطات زاد على الآلاف العشرة، وما تحتفظ به المتاحف القومية في تركيا ومجموعة دول البلقان والدانوب والقرم من تحف الفنون التطبيقية يقدر “بمئات” الآلاف.
وفي العقدين السابقين تنبهت المراكز العلمية والجامعات والمعاهد العلمية العالمية والمحلية لهذه الكنوز المنسية فسعت إلي إجراء الحفائر العلمية ونشر تقاريرها وتأليف البحوث عن معثوراتها، من هذه المؤسسات: معهد دراسات البلقان، معهد علم الآثار في بلجراد، الأكاديمية الصربية للعلوم والفنون، المتحف الهنغاري الوطني في بودابست، متحف الفنون التطبيقية في بلجراد، فضلا عن بعض الجامعات المرموقة في أوربا الغربية ( ليون ، إكسفورد ، برمنجهام ) وبعض جامعات أمريكا وروسيا.
لقد حكمت الدولة العثمانية في أوروبا الشرقية حوالي خمسة قرون بتفاوت من إقليم لآخر، وحكمت أجناس وقوميات متنوعة في مجموعة دول البلقان والدانوب والقرم، كاليونانيين واللاتين والسريان والصقالبة والأرناؤوط والهنغار والغجر والصرب والكروات والسلاف والألبان والتتار وغيرهم، لكل قومية لغتها وتقاليدها، مع اختلاف الأديان والمذاهب ، إسلام ومسيحية ويهودية، الجميع مشمول برعاية الدولة العلية فنتج عن ذلك تنوع في إطار الوحدة، كما يظهره الكتاب الذي بين أيدينا ، والذي حدد إطاره الجغرافي بالعاصمتين الأوربيتين للدولة العثمانية وهما إستانبول وأدرنة ومجموعة دول البلقان والدانوب والقرم، وحدد إطاره الزمني بدخول العثمانيين إلى البقاع الأوربية في القرن 8هـ/14م حتى نهاية القرن 13هـ/19م، وأوجز الفصل الأول مباحث ثلاثة عن هذه الأطر الجغرافية والتاريخية والفنية.
وخصص الفصل الثاني لتصاوير المخطوطات والألبومات العثمانية بما حوت من موضوعات لمعارك حربية، وصور المعاهدات والسفارات ، وصور طبوغرافيا المدن الأوربية، والخرائط ، والصور الشخصية.
وخصص الفصل الثالث للخزف والفخار من التحف المنقولة دون البلاطات ذات الصفة الثابتة في العمائر ، بينما كان الفصل الرابع عن النسيج والسجاد، والخامس عن المعادن والأسلحة، والسادس عن الأخشاب والعاج، والسابع عن الزجاج والبللور، والثامن عن شواهد القبور، والتاسع عن أثر الفنون الزخرفية العثمانية في نظائرها الأوربية.
وإتمامًا للفائدة زود الكتاب بأربعمائة وثلاث وستين لوحة ملونة، باللوحة الواحدة أكثر من صورة لاختزال حجم الكتاب، فضلا عن ثلاثة وخمسين شكلا توضيحيًا، الشكل الواحد – في معظمها – اشتمل على عشرات الأشكال ، وذلك للغرض نفسه.
وبعد، إني لأرجو بمؤلفي هذا أن تتنبه لوائح كليات الآثار ومعاهدها ومؤسساتها في العالم العربي والإسلامي فتضع مقررًا دراسيًا عن فنون أوربا العثمانية، كما أرجو أن يكون فاتحة خير لعشرات الدراسات والرسائل الجامعية عن هذه المنطقة المجهولة للكثيرين رغم ما قدمت من إسهامات حضارية كبيرة في مسيرة الحضارة العثمانية خاصة والحضارة الإسلامية عامة حتى أن أوربا الغربية أخذت عنها الكثير عند قوتها ثم أعطتها عند ضعفها في تلاقح حضاري وتواصل فني إجباري فرضته الجيرة والحروب، والمصالح المشتركة.