المزاج الثقافي في شهر رمضان
عليّ جبّار عطيّة | إعلامي وكاتب عراقي
يصور لنا سيناريو مرسوم في مجلة (مجلتي) منتصف السبعينيات كيف أنَّ أحد السلاطين ينام بكرشه بانتظار مدفع الإفطار !
لا أدري هل كان الرسام يسخر من السلاطين في الحكايات الشعبية، أم أنَّه كان يناكف الطبقة الحاكمة وقتها.
ظل هذا السيناريو عالقاً في ذاكرة طفولتي،
مثلما أتذكر مسلسلاً رائعاً من ١٥٠ حلقة عرضه تلفزيون العراق من سنة ١٩٩٩م إلى سنة ٢٠٠١م عنوانه (أشهى الموائد في مدينة القواعد) لمؤلفه الدكتور مالك المطلبي ومخرجه عماد عبد الهادي، وتمثيل نخبة من الفنانين منهم : ويوسف العاني، وسامي عبد الحميد، وجعفر السعدي، وعبد الخالق المختار، وقاسم الملاك، وشذى سالم،و طلال هادي، ومحسن الشيخ.
هل يمكن أن ينسى المشاهد برنامج (كيف وأخواتها) لشريف العلمي، والبرامج الثقافية الترفيهية للإعلامي المصري طارق حبيب؟
لماذا غابت مثل هذه البرامج التعليمية التثقيفية الهادفة، وحلت محلها برامج (الكاميرا الخفية) سيئة المحتوى والهدف؟
لقد ارتبط الصوم بالظمأ لو أخذناه بالمعنى المجازي أي حاجة الإنسان للأشياء.
أليست الحاجة إلى المعرفة نوعاً من أنواع الظمأ
فما الزاد الفكري أو الثقافي الذي يحرص الصائم على تحصيله خلال شهر رمضان ؟
لكن تعالوا لننظر إلى المشهد على أرض الواقع.
تتعطل الفعاليات الثقافية، أو تتقلص مراعاة لمزاج الصائمين، وقد يكون هذا التعطيل عرفاً مجتمعياً، ويجري فسح المجال لأعراف أخرى مثل ترك مساحات من الوقت للعبة شعبية قديمة مثل لعبة المحيبس !
تحرص الفضائيات على ملأ ساعاتها ببرامج فارغة المحتوى، وتعتمد على تسفيه الأشياء، وترسيخ الماديات في حياة المشاهد كأنَّها تقطع الطريق عليه للاستفادة من معطيات فريضة الصوم، وانعكاسها على حياته.
وتزدهر ثقافة الطبخ والطبيخ وتتمدد على حساب مائدة المعرفة.
يظهر الكرم والجود في الغذاء وتقديم الطعام والشراب، وينحسر تقديم الزاد المعرفي إلا في حدود بعض المحاضرات التي تقدمها بعض المنتديات الأدبية والثقافية ـ على استحياء ـ أو في المنابر الدينية خاصةً في الليالي العشرة الأخيرة .
لا يوجد نشاط ثقافي مهم يحييه الأدباء والمثقفون، ويكون تأجيل المشروع الثقافي بدعوى الإجهاد من الصوم هو السمة الغالبة.
حتى فعل القراءة يضمر، ولو سألت بعضهم عن نوعية قراءاته خلال شهر رمضان ،لن تجد إجابةً واضحةً.
والسؤال الأهم : أليس الصوم فرصةً كبرى لتهذيب النفس وتنمية العقل بعد فراغ المعدة فلماذا يحدث العكس فتتسع المعدة ويُكمم العقل؟