عميان في عالم أعور

عدنان الصباح

عادة ما يتندر العرب عن أنفسهم قائلين ” إذا أردنا أن تلحق الهزيمة بأحد ما أيدناه ” ويبدو انهم يطبقون ذلك على أنفسهم فهم لا يقفون الى جانب قضاياهم خشية أن يخسروها ايمانا بقولهم انفسهم لكنهم ينسون ان لتلك القضية صاحب آخر غيرهم وانهم هم في هذه الحالة أصحاب القضية ولذا لا يجدي تطبيق الرؤيا الغبية هذه على الذات.

العالم اليوم يقف على قدميه مؤيدا لأوكرانيا بما في ذلك العالم العربي الرسمي واعلام العالم بكل أشكاله بما في ذلك الإعلام العربي يتابع ويؤيد أوكرانيا بكل ما اوتي من قوة الا من رحم ربي ولست هنا أدعو الى تأييد الاحتلال أي احتلال لكن من يتابع أوضاع الحرب الروسية الاوكرانية يجد العجب العجاب.

روسيا تتهم النظام الاوكراني بالنازية مع ان رئيسها يهودي ونائبة وزير الخارجية مسلمة وكما تحالفت روسيا مع إسلام الشيشان الذين اعتبروا الحرب على أوكرانيا حربا اسلامية فان مسلمي اوكرانيا اعتبروا الدفاع عن بلادهم مقاومة باسم الاسلام يدعوهم إليها الله وفي نفس الوقت الذي تتكالب قوى الامبريالية على روسيا نجد اقصى اليمين العنصري ممثلا بمرشحة الرئاسة الفرنسية تعلن التأييد التام لروسيا ولا تجد روسيا حلا حقيقيا لها على الإطلاق سوى سوريا العربية ولا سواها بينما تقف الصين موقف المتردد وكذا تفعل الهند.

لا حرب مقدسة اذن على الاطلاق في أي حرب على وجه الارض الا تلك التي تخوضها الشعوب دفاعا عن حقوقها فالكنيسة في روسيا صارت عدوة الكنيسة في اوكرانيا والعكس صحيح ويدور القتال على الارض الاوكرانية فيقتل الفقراء من الشعبين بينما يتواصل الاغنياء مع بعضهم البعض ولا تحارب امريكا على الارض بل تحاربهم بأبنائهم فيموتون من هنا وهناك وهي تصادر مليارات روسيا وتسعى لتحطيم اقتصادها ولا شيء سوى ذلك تريد الإمبريالية الاقذر في التاريخ من التباكي على اوكرانيا وشعبها

العرب الذين انشغلوا مع العالم بتلك الحرب نسوا قضيتهم الاولى وحتى الفلسطينيين لم يبادروا الى لفت انتباه العالم الى ما يفعله دفاعا عن اوكرانيا بينما يمعن الاحتلال الاسرائيلي في ممارسة كل اشكال الاضطهاد على الارض وفي الناس قتلا وتهويدا وتقييدا لكل اشكال الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولم تعلن فلسطين حالة الاستنفار القصوى لمطالبة العالم بعدم الكيل بمكيالين ولم يحاول احد ان يسعى الى مظاهرة تطالب بعدم الكيل بمكيالين واعتبار ذلك جريمة دولية تقودها امريكا وتصمت عنها كل دول العالم بما في ذلك تلك الدول التي يعتقد الشعب الفلسطيني انها حليفة له في قضيته ولم يستغل العرب في جلسات مجلس الامن ولا في الجمعية العمومية ولا في وسائل الاعلام لاستعادة القضية الفلسطينية الى صدارة مذكرين باننا بلد يقع تحت الاحتلال ولا احد يقدم له اسنادا بعشرات المليارات بكل الاشكال.

العالم اعور لا يرى الا مصالحه لكن الابشع اننا عميان لا نرى حتى مصالحنا ولا ندري كيف نسعى في سبيلها بل ولا نملك رسالة عن حالنا يمكننا ان ننقلها للعالم لأننا وباختصار شديد لا نعرف ما الذي يعنيه وجودنا على الارض ولا اية قضية نحملها على اكتافنا لنجوب بها العالم ولا كيف ندير سباق التحالفات والتناقضات في هذا العصر.

ان المطلوب اليوم ليس من الانظمة فقط بل من صناع الراي من قوى ومؤسسات وهيئات واتحادات وجماهير ان ندرك رسالتنا على الارض وان نعمل على حماية قضايانا فكما يصرخ رئيس اوكرانيا ليل نهار بان بلاده تدافع عن العالم الحر ولا نجد لنا صوتا هنا او هناك باننا امة تدافع عن حريات العالم ضد العنصرية والفاشية التي لم يراها احد في بلادنا وعلى صدورنا ولم يلتفت احد من كل قادة العالم بما في ذلك العالم العربي الى جريمة اهمال قضية شعبنا بهذه الفجاجة والى ان العالم اعور تجاهنا فقط ولا يعنيه ابدا ما يعنينا ليس لأنه لا يشعر بنا فتلك ليست مهمته بل لأننا نحن من لم نستطيع ان يجعله يرانا لأننا فنحن وبكل الوضوح لا نملك البصر ولا البصيرة فيما يخصنا ويخص قضايانا.

عدنان الصباح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى