برامج للفائدة وأُخرى للغفلة !
عليّ جبّار عطيّة
قادني الحديث عن برامج المسابقات في شهر رمضان إلى تذكر واحدٍ من البرامج الممتعة في السبعينيات كانت قناة تلفزيون بغداد (قناة ٩) تعرضه بنجاح ألا وهو برنامج (شايف خير) لمعده ومقدمه الإعلامي والباحث فخري الزبيدي (١٩٢٥م ـ ١٩٩٩م). تخرج فخري الزبيدي في معهد الفنون الجميلة عام (١٩٤٧ ـ ١٩٤٨)، وكان عضواً في فرقة (الزبانية) المسرحية. كان فخري الزبيدي موظفاً في أمانة العاصمة الى تقاعده في أوائل الثمانينيات. وفي أثناء عمله عمل على تأسيس المتحف البغدادي عام ١٩٧٠م وتنفيذ مشروع (البانوراما) في منطقة المدائن الذي يمثل تاريخ دخول الإسلام إلى العراق، وأشرف على تطوير متنزه الزوراء، وتماثيل المشاهير في ساحات بغداد وحدائقها. له عدة كتب في التراث البغدادي منها (تاريخ بغداد)، و(بغداد من ١٩٠٠م حتى سنة ١٩٣٤م، الجامع من المفيد والظريف) الذي صدر الجزء الأول منه في أكثر من خمس مئة صفحة. لكنَّ شهرته كمقدم برنامج طريف هو (شايف خير) بقيت في الذاكرة.
ما معنى شايف خير؟
هو دعاء في اللهجة العراقية يكثر في المعاملات كأن يقال للمشتري : شايف خير، أو في هوسات الزفة : شايف خير وتستاهلها !
بنى الزبيدي برنامجه على أمجاد برنامج سابق قدمه مطلع الستينيات عنوانه (صندوق السعادة) أخرجه فالح الصوفي، لكنَّه ظهر مع مطلع السبعينيات باسم (شايف خير) ولعلَّه مأخوذ من شهرة فلم سينمائي بالاسم نفسه للمخرج محمد شكري جميل أنتج سنة ١٩٦٧م.
كان المشاهد يشعر بالمتعة والفائدة مع توفر جوائز مناسبة للمستوى الاقتصادي في وقتها.
يشترك في برنامج (شايف خير) متسابقون متفاوتو الثقافة والطبقة الاجتماعية، وحين كان يعرض بالتلفزيون الأسود والأبيض كان يحظى بمتابعةٍ واسعةٍ، ويُسعد الجميع، فهو يختلف عن برامج المسابقات التي تهتم بالترفيه عن المرفهين !
أتذكر في سنوات الحصار في التسعينيات، وقبل توقيع مذكرة برنامج النفط مقابل الغذاء سنة ١٩٩٦، كان هناك برنامج مسابقات رمضاني يقدمه الممثل حيدر منعثر في قناة (الشباب) يعتمد على إشراك المشاهدين بالأسئلة البسيطة، وكانت الهدايا لا تتجاوز علبة حلويات تتناسب مع الوضع المعيشي الصعب الذي كان العراقيون يعانون منه في تلك الحقبة السوداء من تاريخ العراق !
كانت علبة الحلويات مكافأةً لم تكن ثمينةً، وتكون مقدمة من أحد المحال المشهورة بصنعها لكنها كانت تراعي الذوق العام الذي كان محروماً زمن الخير من الخبز والحلاوة !
لا أدري دقة ما نقله لي أحد العاملين في تلفزيون العراق سنوات التسعينيات أنَّ أحد إداريي برنامج مسابقات رمضانية كان يرش مبيد الحشرات على صينية البقلاوة التي تظهر بالبرنامج كجائزة للمتبارين ليمنع المشتركين من الأكل حتى نهاية الشهر الكريم توفيراً للتكاليف !
كنا نتوقع مع الانفتاح الإعلامي الكبير، والفضاء المفتوح أن تحقق برامج المسابقات قفزات نوعية وكمية لا أن تختصر في برامج لا تغني ولا تسمن من جوع، ومن جهات توجد عليها الكثير من علامات الاستفهام في التوجهات والأهداف غير البريئة.
أترك للمشاهد، من طويلي العمر، من الذين ما زالوا صامدين في الحياة أن يقارن بين برنامجين : الأول : (شايف خير) في زمن الهدوء، فكرةً، وأسلوباً ونتائج، الذي كان يسعى إلى إفادة المشاهد وتثقيفه وتحفيزه على المعرفة، مع منح المشارك مكافأة مناسبة، والثاني : برنامج معاصر في زمن الانفلات يأخذ عائلتين سمينتين متخمتين ، يوجِّه لهما أسئلة ساذجة، ويروج للغفلة، ويكون همه الأساس إسعاد الأغنياء والأغبياء معاً !