عُدْ، يا شاهقَ القَامة
فايز حميدي | شاعر فلسطيني مغترب
-١-
ما أَطوَل الليلُ !!
لا قمرٌ يومئُ ولا نُجومُ
في غُبارِ الدُّجى يَسترخي الضِياءُ
ويتبرعمُ الحزنُ سحابةً متلفحةً بالغموضِ
تُلقي عَباءتها عليَّ
غابةً وارفةَ الظِلال
هي الأيامُ تَمضي يا قلبيَّ المنفي
دمٌ عليكَ ، ودمٌ عليَّ
يخنُقك ويخنُقني اغترابُ
عَدوّنا يَسومُنا بسوطهِ المَرير
يُسممُ الذَّاكرة
ونحن له في صحَارى الصَّمت
وموَاكبُ الذُلِّ ، نتلطفُ ، ونُطبعُ !!
بئسَ القَرار في غَفلةِ البصيرةِ
مَنْ يسألَ الجُرحَ عن رُعافهِ ؟!
تائه الخُطى ، وَحيدٌ ، كالليلِ الحَزين
مَا كلُّ هذهِ الهَشاشة !
اتقوا الله ..
الوَهمُ يأخذكم للوَهنِ !!
يا وطناً نَحرنا الفجرَ في ناظريهِ
نخوضُ الصّراع بلسانِ الخُطب !!
والإصباحُ أمسىَ خيالاً قصيا
وَخلا البيت ، أشلاءٌ وأنقاضُ !!
أتعلمينَ يا أُماهُ :
تُرابنا
أبوابُنا
طُرقاتُنا
حُقولُنا
والضُحى
تنصتُ لِما يُقال في سُكونٍ وَتتَّنهدُ ؟
-٢-
لأيامِنا الرَاحلاتُ مَذاق العَلقم
في خَيمةٍ في العَراءِ
دَخلتُ مَرايَا الأحلامِ
ونقبتُ عَن سرِّ الظُلمة في النُّورِ !!
وعن سرّ الأبجديةِ
في رصفِ المَعنى بالكلماتِ !!
وعن بِلاد العُرب أوطَاني ما زالت
في شَطرها الأولُ :
وجهٌ بحُزنِ بنفسجةٍ وأمجَادٌ مُلوثة
يَجوعُ النَّهارُ وتحلمُ بالرّغيفِ وبالرِّداء ِ
تضحكُ بلا روحٍ
ضَياعُ الخُطى وانكسارَ المسَّار
وتحملُ بسُخطها الدَامي انتحَاب المَساء …
وفي شَطرِها الثَاني :
لعبةُ شَطرنجٍ مُتقنةٍ
فجرٌ مَريضَ الضّياءِ
ترفعُ رَايةَ الانكسارِ مَسرورةً بالانتصارِ
وفي مآقيها دُموع الذِّلة والعَارِ !!
يا غربةَ الرّوح
في رِئاتِنا الشُّوك والصبَّار
متى يخفقُ الحُلم على أغصانهِ
حكاية كفاح ؟!
قَلبي حَرشفتهُ الفُصول يا أماهُ
وارعدتهُ الرَّجفات
كعجوزٍ يَدبُّ على عَصاه
كقصيدةٍ مَزمومةُ الشِّفاه
وَمكسورةُ الجَّناح والخَاصرة
وَيدانِ عاريتانِ لا تَحطُّ عَليهما العَصافير
وباتَ العمرُ ساجداً في كفِّ الغَفلةِ
مثلَ البذور تنامُ في العتْمةِ كشتاءُ الشمالِ
في هدأةِ الليلِ …
فضاءٌ مديدَ الرحابِ
أدْرَكَ طينةَ المَعنى
وراحَ يُلملمُ الذِكرى
ويعاتبُ الدُّروبَ والزَّمن المُريب
وَيتسائلُ في شُرودٍ :
مَتى سَتعودُ يا شَاهق القَامةِ ؟
أيُّها الفِدائيُّ العَاشق
يَا رتبةَ الصّدق رَصيفُ الحُلم سَواعِدُنا
وشمسٌ ببرجِ السّماءِ …
لنمزقَ أقنعةَ الورقِ ، ولنُصغيَّ لرَعدكَ والشَرر ..
أيُّها الصَاعد من الجُرحِ إلى الجِراحِ
هُنا دَمنا ..
ألهبْ جبينَ الشَّمس لينثالَ ضَؤوها
ويبتسمَ الصباح
ونوقدُ مصَابيحُنا وأهازيجُنا
فوق الدُّروب إلى عُرس عَودتنا…
ونخفي دَمعةُ الكبريَاءِ ..
-٣-
أيُّها الثَائر :
يا زُمردةً يُعانقها الضياءُ
الزَّهرُ يخنقهُ البكاءُ
هي لحظات البطولة رغم الهزيمة
لحظات الأمل اليائس !!!
عُدْ ، لنغسلَ سَواد أيّامنا ونفجرُ البُركان
عُْد ، لمنْ سَقطَ الخِواءُ بصدرهِ
عُدْ لمنْ أضَاعَ طَريقهُ
سلامُ العارِ نأباهُ
سَلامُ سُلطة التَّنسيقِ والذِّله ..
سلامُ الليلِ والدَّم والجِدارُ ..
عُدْ ، ليبحثَ الليلُ في الدُّجى عن فَجرهِ
عُْدْ ، لِتجمعَ الفُصولَ في راحَتيكَ
لم يبقْ في راحتيَّ غير الرَّماد
عُدْ ، يا صاحبَ الكوفيةِ واللثامَ :
شَريف المَقام
جَليل المَرام
أبيُّ أشمُّ
واطلق المطرَ والربيعَ من خَريفِكَ
( وإذا لم تصل إلى ايثاكا ^فأنت قد عرفت الطريق ) ..
يا ثائراً …
يا اسماً له صليلاً ، وعنقاً يهزأ بالسكين
يا وردةً تسكبُ دَمها ، وتشربُ الضوء
يا جموحاً لا يعرف الإذعان ، طلق المحيا
يا باشقاً يرتدي عباءةَ الحُلم
عظيماً جسوراً مُهيب الجَناح
ومع خيوطِ الفَجرِ وحبات النَّدى
أبحرْ عائداً إلى الديارِ حُراً كالريحِ
كلُّ الظلالِ تَتطهرُ بِنداكَ !!
واصرخْ عالياً :
لي فيكِ يا قدسُ ما للسيلِ ،
للطوفانِ في الوَادي
لنا عَكا وحيفَا وطبريةَ والكَرملُ ..
لنَا كلُّ التُّراب …
أمضَّنا الجرحُ
ما بين شَرقٌ مُستبدٌ وغربٌ عاهرُ
كافرٌ ذلّ الشتاتِ
كافرٌ صقيعَ المَنافي ..
ستبزغ الشَّمسُ من حُجُبِ الظُلمةِ الدَامي
رغم العواصفُ والأنواءُ والسُّحبِ !!
متى نبلغ المُشتَهى ؟
متى نبلغ المُنتَهى ؟
••••••
^شطر من قصيدة للشاعر اليوناني كفاكيس .
( القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية ) ..