مراتب الجهاد وأنواعه
محمد أسامة | الولايات المتحدة الأمريكية
الجهاد لغةً يعني الاجتهاد ويعنى بها بذل الجهد الحثيث أو حمل على النفس على المكاره، ودفعها إلى تجاوز المصاعب، وللمجاهد له إن صدق ربه أجر عظيم، ومنزل رفيع، لأنه اجتهد كي يطهر النفس من ذنوبها، وبذل جهدًا من أجل إصلاحها، وأعظم الجهاد ما يكون في سبيل الله لإعلاء كلمة الحق، والدفاع عن راية الدين.
والجهاد ليس كما يظن البعض مقصورًا على حمل السلاح، أو الانخراط في الحرب والقتال، إنما كان مفهومه أعم وأوسع، وأجل وأعظم، فهو مراتب عدة منها مرتبة جهاد النفس وتطهيرها من شهواتها، وجهاد الشيطان والتصدي لوسوسته، ومنها جهاد الكافرين والمنافقين والمعادين للأمة وللوطن، والتصدي لهم في السر والعلن ، فهو من جهة يشتمل على حمل السلاح للدفاع عن النفس، ولحماية الأرض والبلد، ولدفع الغزاة والمعتدين، ولكف العتاة والمجرمين، ولمواجهة الكافرين والمنافقين، حينها يكون الجهاد بالسلاح ضرورة، انصياعا لأمر النبي الكريم الذي قال “من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله”
ومن أنواع الجهاد ما يكون بالكلمة، ودرء الفتنة بالحجة، كي نحافظ على مجتمعنا من الأفكار المسمومة، ومن الدعوات المذمومة، التي تتعارض مع ديننا، وتضر بمجتمعاتنا، وتدعو إلى انتشار الرذيلة في بلادنا، فكم من كلمة محت باطلا، وكم من كلمة كانت أشد من السلاح وقعًا، وأعظم وأقوى أثرًا، وفي بلادنا الكثير من الفتن والدعوات الهدامة التي تتعارض مع الدين، وتحرِّض على الجهل، وهي في حاجة إلى من يتصدى لها بكلمته، ويحاربها بعمله وحنكته، وقد قال النبي الكريم “جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم”.
ومن الجهاد ما يكون بين المرء ونفسه، فإن النفس أمارة بالسوء تسعى وراء شهواتها، وتمضي على إثر ذنوبها، ومن أعظم الجهاد كفها عن رغباتها، وبذل الجهد لضبطها، والسعي لإصلاحها وتطهيرها من ذنوبها، والنأي بها عن محارم الله، ودفعها بعيدا عن مصائد الشيطان، فكان ينبغي على الإنسان ان يأتي ما أمر الله به، وينتهي عما نهى الله عنه، وهو شيء عند الله عظيم قدره، عالية منزلته، لأن من عجز عن جهاد وإصلاح نفسه، ودرء مفسدته، فهو عن جهاد غيره أضعف، وعن إصلاح مجتمعه أعجز، فإن المجاهد الحق من جاهد نفسه، وعمل على إصلاح ذاته.
وما أعظم الجهاد حينما يكون كلمة عدل عند سلطان جائر، وإمام ظالم، تُهاب سطوته، ويُخشى من جبروته. ومن مراتب الجهاد من جاهد بماله، فأنفق منه في سبيل الله، فمن فعل كتب الله نفقته أجرًا عظيمًا، وثوابًا جزيلًا.
ومن أعاظم الجهاد ما يكون من الإنسان المؤمن تجاه أكبر أعدائه، وألد خصومه، وهو الشيطان الذي يترصَّد لابن آدم حسدًا، ويحاربه بغضًا وكُرهًا، وينشر بين البشر العداوة والبغضاء وقد قال تعالى (إنَّ الشَّيطان لكم عدوًّا فاتخذوه عَدُوًّا)
وللمجاهد أفضال عديدة، ومراتب عالية، أولها أنه ينال المرتبة العليا من الجنة، ويفوز بما فيها من الخير والرضوان والمنة، وقد مدح الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهمن وقد قال ( لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)
ولا تزال طائفة من الأمة على الحق مجاهدة، ولدين الله مكافحة، لا يضرهم من خذلهم، ولا ينال منهم من عاداهم، يظلُّون ظاهرين حتى يأتيهم أمرهم، وينتصر دينهم، ويبدلهم الله من بعد خوفهم أمنًا، ومن بعدهم حزنهم فرحًا، لا ينفكُّون عن جهادهم حتى يبلغوا غايتهم بعز عزيز أو بذل ذليل.
ولا خير ممَّن جاهد لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وكان حقًّا له أن يدخله الله الجنة، فما اغبرَّت قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسَّه النار، ونعم العبد المؤمن من بقي مرابطًا ما مر الليل والنهار، فجزاؤه حينها يكون خيرًا من الدنيا وما فيها، ورباط ليلة واحدة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، والشهداء إن ماتوا فهم أحياء عند ربهم يرزقون إذ يقول الله تعالى (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ).
والجهاد سواء كان بالقتال، أو كان بالكلمة، أو كان جهادًا مع النفس، أو ضد الشيطان، لابد أن يكون على منهج من هدى الله، وأسسٍ من شريعة الرحمن، فلا أشقى من مجاهد يجاهد من أجل عقيدة باطلة، ويناضل من أجل غاية فاسدة، فهؤلاء كانوا أشقى الخاسرين، ما نالوا لهم حظًّا في الدنيا ولا في الآخرة، لهذا كان من شروط الجهاد صحة العقيدة، وسلامة النية، والأخد بالأسباب، والإعداد الجيد بدون تردد أو إبطاء، والتمرُّن على المكافحة والصبر، حتى تتفق الغاية، ويُستتم الغرض، ويكون في النهاية مفضيًا إلى إعلاء كلمة الله، ولتحقيق طاعة الرحمن.