غربة روح.. رواية أليسار عمران

الفصل الأول 

كعادتهِ متصالحاً مع كأسِ الفودكا الذي يمنحهُ حرّية التعبير عمّا يجولُ في نفسهِ من خلفَ الشّاشةِ فكم من البطولاتِ الافتراضية خلف تلكَ الشاشاتِ
كبطولة مارك باختراعِ الفيسبوك ليقطع كل طرقات الاعتراف لحبيبته ويكتب لها رحيق شوقه بعد عدة سنواتٍ من عدمِ امتلاكِ الجرأة على التّصريحِ به
استكهولم(٢٠١٤) تبدأُ مخيلته با ستعادةِ سوزي التي اختفت وغيبتها الحروب وتختفي معها صورة الدروبِ
ظهرهما الملتصقُ ورأسيهما الذي يتحدّثُ بكلِّ هذا الاسى
نلتقي ولابدّ أن نفترقْ
ليتها تفهمُ أنّ قمة الحبّ أن أراها بخيرٍ وبدوني
يقلبُ لائحةَ الاسماءِ سوزي في كلّ الأسماءِ ولكنها تضيعُ منه أكثر وأكثر
يدقّ بابه أسامة يأخذُ كرسيّاً بجانبه ويبدأُ البكاء والشكوى
إنّها تكرهني لاتحبّني مع أنني اقوم بكلّ أعمال المنزلِ حتى الجلي والطّبخِ لاحافظ على نعومة أظافرها تكهرني يا داني
غامرتُ بحياتي وقطعتُ الدّروب لأصل السّويد كرمى لعينيها
التي تعتني بالكحل والمسكرة
يطلقُ داني سخريتهُ ويقولُ:ابنة عمي المتعجرفة وأعرفها
كان الله في عونكِ لايعيره اهتماماً بالمطلقِ
يمسحُ أسامة دموعه ويعودُ أدراجه إلى منزله
ثمّ يدخلُ مراد الشابّ الفلسطيني السوريّ الذي يقاتل هو وأهله في صفوفِ الجيشِ العربي ضدّ الثورة المزعومة
فهم قومٌ مغامرون وعزيزو نفس شرفهم التّراب وحسب
يطالعُ داني وجه مراد ويشعر بالفخر ويقول في قلبهِ ما أجمل أن أكون مراد فهو يفرضُ حضوره على الأرض ياله من رجلٍ مخيفٍ
يبدأ بكتابة فكرته الأولى(الدّين أفيون الشّعوب )
ليراقب عدد المسلمين الذين سيحاولون ضمّه للاسلام
ويصغي على ماسنجرٍ إلى أحاديثهم التي حفظوها على مدى قرونٍ من الزّمان
أسلم تسلم ياداني يكتبُ له أبو مصلحٍ الذي سمعَ عنهُ من الاصدقاءِ أنّه يحتفظ لديهِ بخمسِ سبايا عبارة عن فتياتٍ من طوائف لاتنتمي إلى طائفته

إن كنتَ لم تعد تحتمل نفسكَ المحمّلة بالقهرِ
اجعل همومك كبيرة واتجه نحو هذا الكونِ بمجمله
يدير داني محرك غوغل على شاشة اللابتوب ويعاود البحث عن سوزي التي أدارت ظهرها وتزوجت واختفت
مازال يتابع أخبارها لقد تزوجت بكندا وأصبح لديها طفلين جميلين ،كلّ ماأثّر به سيلُ دمعٍ وخيبةٍ ترقرقت من عينيها
وكلمتها التي دخلت قلبه كرصاصة أنتَ رجلٌ جبان
الثوراتُ تجتاحُ الوطن العربي والشهداء والدّماء يحاول تغطية وجهه عن رؤية منظر الدّماء ومقاطع الفديو التي تظهر بها أصابع أمّ ثكلى تحنو على مشهدها الأخير في جثمانِ طفلها الذي أخذ عمرها معه
مؤلمٌ ورهيبٌ مايحدثُ في هذا العالم إذا ماقارنت نقسي به
يسكنُ داني في الطابقِ الثاني من البنايةِ ويسكن والديه في الطابق السفلي حيثُ ينفتح الطابق على حديقةٍ مزروعةٍ
بالورد والأشجار الوارفةٍ والدته مسيحية من صافيتا ووالده مسلم من لواء اسكندرون أما داني بالهوية(لادين)
لطالما تناوبا أمامه بفتحِ الانجيلِ والقرآنِ فهي تعتزّ بمسيحيتها ومحمود يعتزّ بمصحفه أما داني فتحَ قلبهُ وحسب
لقد استيقظ هذا الصباح ليسمع عباراتٍ تردها والدته دوماً لوالده
حين يقتربُ منها ويطلب إليها أن تعد له فنجان قهوةٍ
اسمع لديك قدمان وعينان ويدان بإمكانك أن تنتصب بقامتك وتمشي وتشعل الغاز تغلي الماء ثم تصنع قهوتك اخدم نفسك بنفسك وابتعد عني
كانت امرأة جميلةً نديّةً جذّابة في عمر الصّبا حين أغرم بها محمود ولقد لاقى زواجهما اعتراضاً من الجميعِ مما اضطرّهما للزواجِ مدنياً في بيروت وبعدها قررا السفر إلى السويد حيث أهل هيام وأخوتها الذين ساعدوا محمود بمبلغٍ صغيرٍ ليؤسس عملاً خاصّا به وقد أعاد المبلغ الذي استدانه فور تحسن مشروعه
وجنى أموالاً طائلة وأسس شركة استيراد وتصديرٍ جمع فيها الموظفين من مختلف أنحاء الوطن العربي والعالم
كانَ داني مرهفاً حساساً يتأثر بالموتِ والفقدِ و يتابع الحربَ ويتواصل مع البشر في كلّ مكانٍ
يطلب أرقام التلفونات من أي شخصٍ يرثى لحاله لاجل المساعدةِ فهو يعلمُ أنّ الانحناء لأجل العطاء سمةُ العظماء
لقد هدموا منزلنا ياداني نحنُ في الشارعِ تكتبُ امرأة سورية في دمشق من جيرانه بجرمانا لقد أرسل لها خمسة وعشرون ألف يور
تكتبُ امرأة أخرى من جيرانه في جرمانا لقد احترق منزلنا ياداني يسارعُ ويأخذ رقم هاتفها ويرسلُ خمسة وعشرون ألف يورو
درسَ داني القانون الدولي وقرأ كثيراً وهو يحلمُ أن يمتلكَ الجرأة ويمثل بلده سورية على أكبر منصّات العالم
مجرّد حلم يقظةٍ فأصابعه تخاف الكتابة بدون الفودكا مثبط الخوفِ الخاصّ به
إنها تعني له الحكمة وحسب
إنّها التاسعة مساء يدخل سمير الرجل اللبناني يبكي بحرقةٍ لقد طلقته زوجته يقضي على آخر زجاجاتِت الفودكا المتبقية في الصندوقِ كلها دفعةً واحدة يلطمُ ويبكي كالنّساءِ
ويرحلُ دون أن تدرك حماقته حكمة واحدة
يجلسّ داني وحيداً اكثر هذه المرة فماالغربةُ الحقيقية إلا في حضورٍ قومٍ لا يتبدّلون ولايعترفونَ بأخطائهم
يعيشُون ليتسوّلوا العاطفة والشفقة والفودكا ككلّ الشعوب التي تعتزّ بحاضرها الذي يجعل بلدانهم تنتحر بهم لرداءة فكرهم العفن

استكهولم هادئة هذا الصّباح يغطّ الحمام على أكتافِ الناسِ التي تجمعت قربَ البحيرةِ تنشدُ التأملَ تحملُ دمشقَ في رزانتها
تعودُ ذاكرتهُ إلى المشهدِ الذي أخرسه وجعلهُ معطلاً عن الحياة
يقفُ عند منعطفِ الحادثةِ دونِ حراكٍ
هيا يابني انطلق إلى إدارة شركتكَ وأكملْ حياتكَ إن كانت التقارير الطبية أثبتت أنك لاتنجب الأطفالَ فهذا لايعني أنّ العالم قد توقّفَ
تلدغ قلبه المفرداتُ المتتالية(البندوق)ابن المسيحية والمسلم الذي أكملَ بندقتهُ مع زوجةٍ بزواجِ مدنيّ أيضاً
كانَ ينطلقُ نحو مستقبله بسرعةِ الريح يريدُ أن يطوفَ العالمَ كلّه ليحقق حلم العظمة بالدفاعِ عن المظلومين والفقراء في العالمِ
يقرأ تشي غيفارا وغابرييل غارسيا ماركيز يتهلفُ ليفهم جميع الطقوس وجميع الديانات لقد تعرف على الصابئة على الشيعة على السنة على اليهودية وتحدث مع حركة ناطوري كارتا هارباً من مواجهة الدروز الذينَ أباحوا دم سوزي على مساحة العالم إذا ماتزوجته
كيف السبيلُ لان يلتقي بها مجدداً ثمّة كلماتٍ كالرصاصةِ تتركُ اثراً لايندملُ يمشي المذبوحُ على آثارها دهوراً ولكنه لايصل
اذهبي أيتها الخائنة لقد استعملتك بمالي طوال فترة زواجي بكِ خذي مامنحتكِ إياه فأنا أوفي النّساءَ أجورهنّ واذهبي مع ابن خالتكٍ الرخيص مثلك وتزوجا وأنجبا ذريةً جائعة مثلكما
بهذه العبارة انتهت قصته مع زوجته بعد أن رأى ابن خالتها في غرفةِ نومه
في ليلةٍ مقمرة جهّز مائدتهُ لكأسينِ من الفودكا والجمبري والمكسّرات خطرتْ له فكرة جلسة الصّراحة مع زوجتهِ الذي كانَ يشعرُ أنّها لا تطيقهُ
جلسا معاً تحتَ شعاعِ القمرِ الذي يرخي ستائره الفضيّة على الضّبابِ المشعِّ حولها
ملأَ كاسها بالفودكا وحيا نخبها بقرعِ الكأسين ثمّ قال تحدثي ياعبير كلني آذان صاغيةٍ
بدايةً أنا لا أكرهكَ لقد غمرتني بكلّ شيءٍ كتبتَ لي العقاراتِ ومنحتني كرتاً لا ينضبُ من النقود ولكني لم أحبّكَ
فكرة أن أوافقَ على الزواجِ بكَ كانتْ فرحةً لا تتعدى فستانَ العرس الفاخرِ والسفر إلى حيثُ البلاد التي تحلم بها أية فتاةٍ سوريّة
أريدُ طفلاً ياداني أريد أن أكون أمّاً أنا أعبّر بمطلقِ الحريّةِ تحتَ سقف بلادك
أتعرف!؟اشتهيتُ مرّةً واحدةً أن اغارَ عليكَ ،أن تتسللَ لحظةُ شكٍّ واحدةٍ إلى قلبكَ تتركني وتمضي لتعدّ مخططاتِ حياتك لوحدك
ثمّ تمنحني المال ثمناً لبقائي
لم تكن عدد زجاجات الفودكا قادرةً على منحه جرأة الاعتراف حينها، حسناً الرّجولةُ صفةٌ واحدةٌ سواءَ كان الرّجلُ شرقياً أوغربياً لا رجلَ يريدُ لزوجتهِ التي ألفها أن تعبّر بمطلقِ الحريّةِ ومن ثم يتقبلها هو يتقبّلها مضضاً تحت إثم قانونٍ جائرٍ بحقّ الرّجلِ كونهُ رجلٌ عليهِ أن يستسلمَ مضصاً وحسب.

 

الفصل الثاني 

أعدّت سارة أمّ مراد أطباق الطّعام الشهيّة التي تحملُ نفس المطبخ البيروتي حيثُ ورق العنبِ والكبّة الشهيّة باللحم والصّنوبرِ والتبّولة الفاخرةِ ،كان داني يحرصُ على الصّيام لتخلو معدتهِ من بقايا الأكلِ المعلبِ الجاهزة في الفريزر فالغنى والترفُ أورثَ والدته الكسلَ فنرجسيتها لم تمنحها التخلّي عن كبرياءِ الأظافر الجميلةِ والشعورِ بالأنفةِ والعظمةِ والأناقةِ المترفةِ، لحظاتها المضنية كانت حين تعكسُ المرآة تجاعيدها المريبة
لم تعد تنفعُ م جلسات البوتكس والمواد المالئة والخيوط الغالية الثمن في جمعِ ماتشتّتَ من جمالها

على عكسِ سارة المتعبةِ بهمومها وخشونةِ أصابعها أمام كلماتِ مديح زوجها الفلسطيني المسالم والذي يقدّس أرز لبنان الذي وهبه قلبها معمّداً إلى الأبدِ بالمحبة
لقد سكنا بمنطقة الزّبداني بسورية زمناً طويلاً قبل الحربِ فقد تجدهم ممزوجين بنكهة لبنان وفلسطين ودمشق يملأُ الدفءُ حياتهم ويعكر صفوها مشاكلُ الأبناءِ وارتباطهم الغيرِ مستقرٍّ

والله ياداني معزتك من معزة ابني مرادٍ كم أشتهي احتضانك وكم أتمنى لوكنت زوجاً لابنتي هناء بدلاً عن ذاك الشركسي المقت الذي تزوجها ليستولي على كل المال الذي حوله زوجي باسمها ليحصلُ على نصفه
إنها أحد مساوىء الزواج المدني التي يجب أن نقرّ بها كمجتمعٍ أوربيّ

ما أتعسني ياداني على نقولا ولدي الطبيب الذي تركته زوجته البلجيكية ورحلت لينفطر قلبه على جرجس وجوني صغيريهِ اليافعينِ دعني أدللكَ ياابني الصغير قبل أن تنتهي عصور المرأة التي تغدقُ المطبخُ بسحر أصابعها لإعداد وجبات الطعام الشهيّ الذي يحمل روح الشرق الأصيل ودفء الأمومة الطيبةِ
هذا القانون لم يحولكم إلا لمجرّدِ كلابٍ لا تتجرّأُ حتى على النباحِ
أمام سطوةِ أنثى تمتلكُ كلّ حقوقها في معارضةِ وجودكم
يضحك الجميعُ على أصواتِ ثرثرةِ سارة ويصغون إليها بمودة
لاتوصف كمن يملأ روحه بالدفء ويعتدلُ في جلسةٍ مقدسةٍ بلمّة الأهل والأصدقاء مضى الوقتُ سريعاً
ودّع داني الجميع ليجهز نفسه لقضاء رحلتهِ السنوية على متنِ الباخرة موعد إجازته التي يقضيها في حصادِ الصدف المثيرةِ

على متنِ الباخرةِ العابرة بين بلجيكا والنّرويج وألمانيا وهولندا مروراً ببحرِ البلطيقِ عبر (سكاغيراك)
تجمّع الحشودُ من جميع أنحاء العالمِ حولَ خصر ساندرا الرّاقصة الهندية الأصلِ شقراء بضّة نحيلةُ الخصرِ وشعرها الغجري كشلالاتِ نياغارا ترتمي على جذعها الطّويل
خدودها الناعمةٌ وشامتها التي تغطّ كفراشةٍعلى شفتها السّفلى ،لقد اعتنى الله بكرسيّي خدودها وذقنها المرسومُ كأيقونةِ سحرٍ ترقصُ وتغني كما لوأنها تؤدي طقسَ صلاتها الأوحد ،تجذبُ الجميعَ يصفقّونَ ويسعدونَ لكأنّها نايٌ ضاقَ بجلدهِ ففتحَ بصدره أزراراً للنّور

كانَ داني يتساءلُ عن نجومَ السّحر التي تطوقُ عنقها العاجي
بارعةٌ بالرّقصِ والغناءِ كشمسٍ وإن هدأت تجمّعت كضبابٍ لايسمح للعيونِ بالعبورِ
كانت رحلته على مدار أسبوعٍ كافية بأن يحاولَ الاقترابَ والتحدثَ إليها

أيجوزُ أن نصبحَ عاشقين ساندرا!باغتها بسؤالهِ كلّ مافيكِ يملأ روحي بالأسئلة
تجمّعت حزمةٌ واحدةٌ من الأجوبة الذكيّةِ في مقلتيها دفعةً واحدةً
ثمّ همست في أذنه أنتَ رجلٌ عاشقٌ ياداني
والقلبُ يوهبُ مرّةً واحدةً دعكَ من الشّبهِ الذي اصطدتهُ في حضوري الضبابي
تذكر…القلبُ يوهبُ مرة واحدةً فقط ومضتْ دون أن تلتفت

عادت إلى ذاكرتهِ صورةُ الجديلةِ التي تركتها سوزي معلّقة كجرسٍ يؤذنُ له بالعودةِ إلى زمن ما
إلى فصلٍ ورديّ كأزرار معطفها التي مازال يحتفظ بأحدها

القلبُ يوهبُ مرّةً واحدةً وما الصّدفُ إلا بعضَ حروفٍ موسيقية لم تكتمل في نوتةِ اللحنِ الأخير

إنّه اتّصالٌ هاتفيّ من إيفا صديقةُ داني المقربة إنّهما على صداقةٍ دائمة وتحدد موعداً لزيارته شهراً كاملاً في كلّ سنةٍ يجمعهما الحوارُ المستفيضُ يحدثُ أن يتشاركا غرفةً واحدةً وربما سريراً واحداً ويستلمانِ في بعضِ الأحيانِ لتجاذبهما ويحاولانِ أن يعيشانِ كزوجينِ

تعدّ له القهوة ويهمّ بتحضير الفطور وقد يتشاركان كأساً من الفودكا حين يفضفضانِ بأسرارهما لبعضٍ

لكم تمنى أن تكون زوجته ولكنها فتاةٌ مشغولةٌ بمتابعةِ دراستها وتحصيلها العلمي فهي تسعى إلى حضورٍ علميّ يليقُ بها
والألتزاماتُ بالزواجِ تعطلُ مسيرتها
لقد قالت شيئاً رهيباً ،داني أنا حامل منك
لقد تسرّبَت رعشةُ الخبرِ إلى مفاصلهِ وعقلهُ يحاولُ تكذيب تحاليل المختبرات(عقيم)
ثمّ يقول :الله قادرٌ على كلّ شيءٍ،ينقطعُ الاتصالُ فجأةً وتصلُ رسالة من إيفا مرّةً اخرى ( عزيزي داني أنا حامل منك)

هذا الخبرُ سيغيّر حياتهُ هذه المرة إلى الأبد ستفرج والدته التي كانت ترثيه كأنه ميت وسيبتهج محمود سيلغي الحي الصغير
الذي تسكنه شقيقتاه هيا وتيا وسيصاب أصهرته بالمغصِ لن يستولوا على ماتبقى من أملاكِ هذا الرجل العقيم
الجشعُ الذي جعلهم يتهمونهُ بأنّه (ديّوث)لأنه لوقتلَ زوجته حين رآها في واقعةِ الخيانةِ لكان القانونُ أعدمه وبقي إرثهُ لهم

ليتهُ عاشَ تفاصيل قربة الخال مع مينيسّا ابنة أخته هيا
فهي تتصلُ به دوماً وتشتاقُ إليهِ لكن أهلها يمنعونها من زيارتهِ
لقد حضرَ جميع كورساتِ (سلوك الزوج نحو زيجةٍ صالحةٍ)
سلوم الأبِ مع الطفلِ ومع الشابّ المراهقِ
دخلَ دور العناية بالعجزةِ وتبرع بخدمةِ عجوزٍ تحتضر تعلم كيفَ يغني لها ويلامسُ شعرها بهدوءٍ لتواجه آخر لحظاتِ تسليمِ روحها لباريها ويتذكرها حين كانت تستيقظ لتلعنَ السّماءِ التي تأخرت عن خطف روحها وتعود للنومِ
لقد أعدّ نفسهُ ليكونَ إنساناً وزوجاً وأباً فكافأته الحياة بصفعةٍ وألقتهُ على رصيفها

مضت أشهرٌ عديدةٌ وإيفا لاترد على الهاتفِ مما اضطرّه إلى السفر إلى بلجيكا حيثُ تقيم لمواجهة الحقيقة؛ فالحياة أن نكون أولانكون

لطالما بعثرته رسالة إيفا وها هو يقفُ بمواجهةِ ذقنها عينهُ بعينها
يمسكُ ذراعيها، ويهزّها بعنفٍ يستطلعُ الخبرَ اليقينَ منها هيّا يا إيفا اعترفي ماقصة التحاليل والنتيجة!؟ إيجابي !؟؟
لم تقفلين خطّكِ !؟هل تريدين الاحتفاظ بالطفل لك وحدكِ !!؟ أجيبي !!

تطرقُ إيفا رأسها خجلاً(الكذبُ هنا حرامٌ) تظهرُ عليها علاماتُ الارتباكِ والمفاجأة آسفة، آسفة ياداني كنتُ أكذبُ عليكَ لأجعلكَ تشعر ببعضِ السعادة وبصمتٍ تفكر في بعض الأحيانِ يقودنا التعاطف الانسانيّ لأجل من نحبّ إلى الكذبِ هزّ رأسهُ وقبضَ على أصابعها في محاولةِ للملمةِ ماتبعثر من أحلامهُ اخذ نفساً عميقاً طأطأ أحلامه مستسلماً ومن ثمّ رافقها إلى دارها لقضاءِ وقتٍ متقطعٍ من الحواراتِ الشفافة والفضفضة حول مجرياتِ حياتهم

لقد عاد إلى منزلهِ في استكهولم صعد إلى غرفتهِ دون أن ينظرَ في عينيّ أمّهِ التي عاشتْ لتنتظرَ سماع خبر حضور طفله إلى هذا العالم محتضناً نفسه كسفينةٍ نجت من الطوفانِ الأخير بعد أن تكسرت مجاذيفها لقد نام لساعاتٍ طويلةٍ واستيقظَ على صوت الجرس وإذ بأسامة يدخلُ إليهِ كشظيةٍ منفجرة بوجهٍ حانقٍ مكفهرّ محطّمٍ
داني لقد هربت نورة مع جارنا المصريّ بعد مشاجرةٍ حدثت بيننا
طلقتها ورحلتْ مشمئزّة من ذقني الطويلةِ وثيابي الرثّة التي لا أبدلها
وأنت تعلم كم هو مضنٍ العمل في مزرعةِ الأبقارِ والبساتين والوقتُ لايسعفني لأبدو أنيقاً كنورة والأطفال يبكون ياداني لقد انسلخت نورة عنا إلى الأبد يجهشُ كأمّ ثكلى أغرقت البحر بدموعها

يقفُ داني مذهولاً كان يكفيهِ الهروبُ من قصصهِ التي تضجّ في رأسهِ ليجرّ الله كلّ الخائبين في محيطهِ إلى سلامهِ وعزلتهِ لحكمةٍ لايعرفها إلا الله

حسناً حسناً عليك أن تقبل خيارها ،وتحاولُ أن تتقبل حرية الاختيار في هذه البلادِ اسمع البناية عندي تتسع لك ولاطفالك أحضرهم غداً وستطبخ لنا ورق العنب والأرز وأحاول ملاطفة أطفالك قدر الممكن

وهذا ماحدث بالفعل لكن الملفت بالأمر أنّ أولاد أسامة كانوا ينامون طول الوقتٍ لقد رفضوا التأقلم مع مجتمع السويد وكأنّ دماغهم تلقى سقوطاً في عالمٍ لا ينتمونَ إليهِ حتى وهم يصعدون الدرجَ تراهم يسقطونَ عليه ويكملون نومهم ،لقد فشلَ كلّ المدرسين بأن يدخلوا فكرة واحدة إلى دماغهم وكأنّ جيناتهم تعدهم لمزارعِ البقرِ والبساتين يسخر داني ثمّ يسألُ نفسه.. ترى ماحكمة الله أن ينجب أسامة وأكون عقيماً لله في خلقهِ شؤونٍ

كانت أصواتُ الموسيقا والرّقصِ تتسربُ إلى آذانِ أسامة فتشتعلُ غيرتهُ يبدأُ بتعميقِ ضرباتهِ في حفرِ الأرض ِ كمن يشتهي لويدفن نفسه حيّاً
كيف استحقّ هذا المصري قلبها! كيف سلبها عقلها !
إنّ أصوات صفعاتهِ لها وصراخها تصلُ مسامع الأولاد ويقفُ أسامة مكتوفاً لاحولَ ولاقوة ،هنا فلتسقط أنت وشرقيتك
يلعنُ الساعة التي قرر بها السفرَ ويبتلعُ مرارتهُ معلناً أنّ للحميرِ اصطبلاتها ما إن أفلتتْ منها حتى عاثت الخرابَ والدّمار حولها
مخلفة إرث الغباءِ

الفصل الثالث

للهروبِ من صخبِ هذا الضجيجِ في العالم لالجوءَ إلا لغوغل متابعاً مجازر الحربِ متأثراً بما ينشرهُ الآخرونَ على حساباتهم الشّخصية تلفتُ انتباهه صورةً لقطعِ الرّأسِ من قبل جماعةِ داعشٍ فينشرها كحالةٍ في المجموعةِ ماهي إلا ثواني تصلهُ رسالة :أزلْ تلكَ الصّورة إنّها ترُوّجّ للعنفِ فيعتذر بكلّ لطافةٍ ثم يحاولُ التبريرَ موضّحاً أنّ الجميعَ قام بنشرها فتجيبُ ميرا هكذا تجري خطط الحربِ وترويجها كوسيلةٍ بصريّةٍ بدايةً لتصلَ إلى أدمغةِ المراهقين رويداً رويداً فثقافةُ الحربِ والحبّ واحدةٌ قد تستيقظُ عاشقاً وقد تستيقظُ مجرماً على حسبِ ما غرف دماغكَ من ردود فعلٍ منذ طفولتكَ حتى عمر الشبابِ فأنتَ بجميعِ من قابلتهم وتأثرت بهم فشكلوك على هيئتك الآن

اسمع داني لقد استشهد أخي منذ أسبوعٍ وأنا تحتَ تأثيرِ صدمةٍ تجعلني غير قادرةٍ على البكاء،لستُ أدري قد يكونُ بكاء القلب أشدّ ألماً طوبى لمن يسعفهم الدمعُ وينزفُ الذكريات دموعاً حين يعبرُ شريط الراحلين .ويختفي الاسمُ ويغوصَ في الغيابِ مرّةً أخرى
مضى حوالي خمسة أشهر على هروبِ نورة مع عشيقها المصري الذي هرب إلى بلاد الافرنجِ ليعيشَ طقوسَ الحريّةِ الجنسيةِ ويختبر تجرية المساكنةِ تمهيداً لخدعة الزواج لكنه لم يسعَ للحظةٍ واحدةٍ ليثبتَ زواجه مدنياً من نورةً فهو غير مجبرٍ بأن يفتحَ لها رصيداً بنكياً لتقترضَ المال منه وعلى كلّ الأحوال كانت غبيةً سلمته جسدها من الليلةِ الأولى وعليها أن تكملَ في علاقتها حتى تملّ وتنسحبَ بكلّ هدوءٍ

بدأ أسامة يغيّر عاداتهُ ،يستحمّ يتعطّرُ، يحلقُ ذقنهُ يلبسُ طقمه الأسود المكوي ولقد قرر أن يكون له صديقة أوربيةً فهو سيردّ لزوجتهِ الضّربةَ القاضيةَ وسيخرجُ من بين قوسينِ إلى العناوين العريضةِ محاولاً الاقتراب من باتريسيا التي اشتكتهُ مراراً لداني قائلةً: ماهذا الصديق الأحمق ياداني من أينَ أحضرته!
إنه يتحرشُ بي لقد طلبَ قبلةً فصفعتهُ ومضيتُ
كذلك باندا الشقراء قالت: قريبكَ الأحمق حاولَ التحرّشَ بي مهاجماً يريدُ خلعَ ملابسي دون أن يفهم لغتي جيّداً
لم تنفع معه حجج الترتيب والعطرِ والثيابِ الجميلةِ بأن يحصل على جذبٍ من امرأةٍ واحدةٍ،وما أتعسَ من يكتشف مؤخراً أنّ عليهِ إعادة ترتيبِ عمقهِ لا مظهرهِ فالعمقُ الرّائع يجعلُ من يلبسون الثيابَ المرقعة نبلاء وعظماء
أيّ مرارةٍ يلوكها الرّجالُ حين لايرتدّونَ عن الارتباطِ من امرأةٍ أخرى على إثر مرارة خيانة امرأةٍ سبقتها
ذاك الشّعورُ المهينُ والمذلُّ الذي يعطّلُ مكنة الدّماغِ البشري لتسري رغبةً شرسةً في جسدهِ للانتقامِ من كلّ امرأة
للصدماتِ النفسية آثارها في تصدّع النفسِ والرّوحِ التي تهتكُ أجساد أصحابها في الخروج عن المألوف

استمرت المحادثات بينَ ميرا وداني إنّهما يتبادلان أطراف الحوار فالحزنُ يدفع المكلومين للثرثرة بمحاولةٍ للهروبِ من التركيزِ على حالةِ الألم والفقدِ

اسمعي ميرا غداً سنجمتعُ معاً قربَ الكنيسةِ ستصلي أمي ونحضّر لحم الخنزير اللذيذ المعلب
ميرا:تباً لكم لحم خنزير إنّه حرام سمعتُ أنّ من يأكله يشبهُ الثّعلبَ حين يقتربُ من الآخرة ويصبحُ ديوثاً لا يغير على زوجتهِ
يضحكُ داني بسخريةٍ ويقولُ إنّه طعام أنجيلينا جولي ملكة جمال العالم التي حولت دارها لاحتضانِ الأطفال اليتامى على أثرِ الحروبِ دعكِ من هذا الكلام
اسمعي ميرا قال: تعالي ندخل مجموعة ملحدين بلا حدود ثم نشاعبُ بالتعليقاتِ معاً ونحرّك الركود الفكري نستحملُ بعضَ الشّتائم ثمّ نغادرُ
حسناً أجابت ميرا دخلا معاً يثيران الشغبَ ويستمعان للمسبّاتِ من الملحدين جميعهم
فقد تبينَ أن حتى الملحدينَ بدونما شعورٍ منهم أبرزوا هوية طوائفهم فهناك الملحد السني والملحد الشيعي والملحد المسيحي، والملحد الدرزي ، حتى صارت المجموعة متأسلمونَ بلاحدودٍ لقد فهموا فكرة الإلحاد بشكلٍ خاطىٍ
اسمع داني تكتب ميرا البارحةَ رأيتُ رجلاً طويلاً طويلاً في المطار ثيابهُ ترفرفُ حول عظامه ، يلبسُ طقماً فضفاضاً مجعدا وشعره أشعثٌ لكنّ حذاءه باهظ الثّمنِ عاجلته بسؤالي اشرح لي لم أنت أشعث وأنيق الحذاء ضمن ذهول الجميع من الحاضرين
لقد شمخ الرجل واعتدلَ في جلستهِ ليجيب على ملاحظتي قائلاً نعم ملاحظتك صحيحة كل مايهمني في أناقتي حذائي الذي أحرص على الحصول عليه من لبنان بواسطة الأصدقاء المسافرين ويعجبني الممثل عادل أدهم لأناقته وكأنّ الرّجل بحذائه بحق
ضحك داني مطولاً وقال لكأنه يشبهني ياميرا كم حاولتُ أن أسمنَ ودفعت مبالغاً طائلةً ليرتفع وزني لطالما حلمتُ أن أضعَ صورتي على فيس بوك لكن الازرقاقَ بالجفونِ شوّه منظري لذلكَ تريني أضعُ صورتي في أول سنةٍ بالجامعةٍ كذكرى لأيامٍ جميلة مضت كنت فيها رجلاً وسيماً بكامل الحضور
يصغي داني إلى قصصِ النساء الشابات والمطلقات يتعاطفُ معهن يساعدُ نقدياً الجميع يؤمن فرصَ اللجوء إلى بلاده لقد قرأ عبارةً تقولُ من يريد أن يصبحَ سيداً عليهِ أن يقومَ بخدمةِ البشرِ

أتعرف ياداني:لا أنسى مشهد البارحة حين وصل أحد أفراد الجيشِ الذين نجوا من المجرزة بإدلب لقد فرح أهله فاستقبلوه بالزغاريد وإطلاق النار ابتهاجاً لمدة دقيقةٍ واحدة فقط صرخَ بهم اخرسوا هناك أمّهات تنفطرُ على أولادها ليتني كنت مع الشهداء وأجهشَ بالبكاء جعلني أبكي من شدة احترامي له

مشاهدٌ تعبر أمامي كاستقبالِ شهيدٍ يعودُ حياً بعد خمسِ سنواتِ
مشاهدٌ تشرحُ صدري ياداني بتلكَ العناية الالهية لقد غدت طقوس الأعراس حاضرة فقط بعودةِ شهيدٍ حيّ حسبه أهله متوفياً

مشاهد الشّماتةِ في العزاءِ،ونظراتٌ أمهاتٍ يقلنَ لغيرهنّ اختبرنَ طعم الفقدِ قبل أن تنطق شفاهكنّ بكلمة مواساةٍ جارحةواحدة، البكاء الصامتِ وانتظار عودة من رحلوا ،حيرةُ الأطفال الذين يفرحون بهطولِ المطر ويقولون بابا يفتحُ صدر الغيم لترتوي الحقول،الخطواتُ التي تسيرُ بذهولٍ وشرودٍ وحذرٍ حين يصبحُ الموتُ عادةً يومية ومسلسلُ التفجيراتِ ظاهرة ترفع الأدرينالين لدى السكان

أخبرني جارنا أنه دفن ابنه بيديهِ وفي المساء انتظره لينام بينهم
ليتني أهرب من ذاكرةِ الألمِ وأنسى انتظاري لأخي كانَ يحبني
ربما أنا أبكي عليّ لا أبكي عليهِ حدثني أي شيء لا أريدُ أن اتذكرَ

بعد سنةٍ طلبتْ منه ميرا أن يحصلَ خالها على اللجوءِ ليؤمن عملاً جيداً ويهاجر مع أسرته إلى السويد للحصول على الجنسيه فوعدها أن يتم الموضوع بأقرب وقتٍ
ذهبَ قي اليوم التالي إلى منزل خالته التي تقيم على مقربة منهم ببضع الأمتار وطلب من جينا ابنتهم السمينة أن تقبل بعرض زواج مدني من خالِ ميرا وأظهر لها صورته وطمنها أنه سيتحمل تكاليف سفرها إلى بيروت والتقاط الصور فالموضوع شكلي لا أكثر
بداية شعرت جينا بسعادةً كبيرةً لانها ستقدم العون للسوري الوسيم تحت القصف والحرب واستغرقت بالحلم وأخيرا ستلبسُ جينا البطة طرحة العرسِ وسيحسدها العالمُ على أنها تزوجت ولو كان زواجاً شكلياً
فخال ميرا متزوجٌ أصلاً ولايبحث عن عروسٍ
أعرب الجميع عن قبولهم للفكرة وسعادتهم وتلقوها بكل رحابة صدر

وسرعان ما غيّرت جينا رأيها وعزّ عليها صباها فجأةً وبدأت الصراخ والرفض والندبَ بعد سخرية الجميع على حظها
اتصلت بداني توبخه وتهدده أنها ستزور أمه لتفضح غباءه أمام خالتها وحين باغتوه بزيارةٍ هجمت عليه جينا بالشتيمة واللكماتِ تباً لكَ ألم تلتفت لجمالي لتجعلني أضحية !!

هزّ داني رأسهُ غاضباً وباغتها بشتيمتهُ المعتادة مازلتِ تلبسينَ الحفوضات بسبب تبولكِ اليومي على فراشك و تصلُ رائحةُ البولِ إلى أنفي اغربي عن وجهي أيتها الحمراءُ المقلية المستشيطةُ بالغباء قبحك الله لاخير للانسانية بك أيتها المعتوهة

حدثت القطيعةُ وأصبح داني حاضراً على أطراف أحاديثهم المسلية في الحي ،لقد كاد يقضي على نصيبها للأميرةِ التي مازالت تبولُ على فراشها ،لم ينتهي الحي من سيرة خيانة زوجته له وكأنّ المشموس عليه أن يتقبل الطعنات بذنبٍ او دونما ذنب

محادثة من بيروت:داني لقد أخبروني أن سوزي ستصل في شهر حزيران لتقضي إجازتها السنوية في بيروت
اشتعلَ الحلمُ مجدداً في مخيلتهِ ساقابلها وسأخبرها أنني لستُ جباناً سأخبرها أن الرّجل لايقتل ولايتسببُ بمقتلِ من يحبّ

كالعادةِ يتصل الرفاقُ الذين يراقبون المقهى في بيروت المكان التي ترتاده سوزي
ثمّ يتصلون مجدداً للاعتذار من داني بسببِ الشّبه الكبيرِ بينها وبين امرأةٍ أخرى فيعودُ داني لمتابعةِ عملهِ في الشركة تارةً ومحاولة تغييرِ أسامة ،واستقبال مراد الذي تحضر معه الرجولة كلها حين يحضرُ لزيارته

هو قارىءٌ نهمٌ يحاولُ قطفَ الحكمةِ من عبارات الأدباءِ العظماء لقد داهمت مخيلته اليومَ تلكَ العبارة الأدبية(أحبّيني بخرابِ نفسي أو أصلحي هذا الخراب)
يرددُ مستهزئاً من أين لها أن تصلح هذا الخراب تباً لي..

كانتْ أغنية أمينة المطربة المصرية(الحنتور )تمنحهُ أجنحة للحلمٍ سيتزوج نعم، وسيصبحُ لديهِ عائلة وسيصبحُ أباً أخيرا وفي الحفلة سيسمع المعازيم إلى قلبهِ (وحنركب بالدور كلنا عالحنتور ونحنتر دركن..دركن ونحنتر )

ماتبحثُ عنهُ يبحثُ عنكَ ياداني تقول ميرا ،دعكَ من الاستسلام للفودكا وانهض ،لكَ شيءٌ في هذا العالم فقم، افتح صدرك العاري بندوبه وستجد من يشتري
الحياة تُعاش
يغرقُ بالصمتِ ثمّ لايستوعبُ أيّما امرأةٍ ستلملمُ شظايا نفسهِ المتبعثرةِ كالبلّور المكسور

استيقظَ في الصّباح الباكر واستقلّ سيارته إلى شركة الاستيرادِ والتصدير الخاصة بوالديه فقط والذي عينوه مديراً لها
ثمة تجمعٍ للشرطةِ في الشارع ينظمون ضبطاً لمخالفةً سيرِ بحقّ رجلٍ يقود سيارته مخموراً يلقي ضحكة سخريةً عليه
سيسحبون لك رخصة القيادة لمدة عامٍ كاملٍ أيها العربي المسكين

ويكملُ طريقه،دوريّة شرطةٍ تلقي القبض على مجموعة رجالٍ من أحد البلدان العربية لأنهم حولوا شقتهم إلى بار دعارة فبالرغم من إكرام السويد لهم ومنحهم رواتب عالية وسكنٍ مجاني يتابعون أعمالهم الشائنة ببيعِ جسد النساء هم لايعرفون أنّ تعريف الزنا في تلكَ البلاد هو :بيعُ الجسد لقاء المال
على الطرّقاتِ الفرعية انتشرت مطاعم السورييين التي تقدم أفخم وألذّ الوجبات السورية وكان الاقبالُ عليها كبيراً لقد اشترى قرص الشنكليشِ بعشرةِ آلافِ يورو لندرته ،وسيشتري الكشك اللذيذ مهما كان ثمنه وصحون الكبة الحلبية والمناسفِ الشامية
وخبز التنور ،السوريونَ يملؤون البلاد بنشاطهم وحيوتهم واغانيهم التي حفظها السكان حتى دبكاتهم والفولكلور الشعبي الذي ينشر الفرح والاصالة

يصل داني شركته وييتوجه لالقاء السلام والتحية على العمالِ
يتحركُ الموظفون بنشاطٍ ويمرّ (تيو) الشابّ المثلي يهزّ مؤخرته متمايلاً ويستندُ بأحد ذراعيهِ على الطاولة محاولاً لفت الانتباه لمن يهمه الأمر يمضغ علكة الصنوبر ومن ثمّ ينقلُ البريد الصادر بين الاقسام لا أحد يفكر بأن يوجّه له أي أذيّةٍ فحقوق المثليين محفوظة في بلادهم بعد أن أقرّت تجارب البحث العلمية المضنية أنه لامجال في تغييرهم القانون يفرض على الجميع تقبلهم والتعايشِ معهم

تدخل ستيلا موظفةٌ فلسطينيةُ لأبٍ فلسطيني الجنسيةِ وأمّ استرالية بشعرٍ أسودٍ ناعمٍ وقامةٍ ممشوقةٍ وخصرٍ طويلٍ فيضمر داني في نفسه أن يفاتحها فوراً بعرضِ الزّواج يتحادثانِ لبعضِ الوقتِ ثم يطلبُ منها أن تقبل دعوته إلى مقهى قريب في المدينةِ كم يتمنى أن يشابه مراد ويفرضُ حضوره في المقهى أمامها وهو يشمخُ وينادي النادل بضرب الطاولة ليهرع لتلبيته،إلا أنّ شعوره الكبير بالآخر يجعله يهرولُ لاستقباله ،يقفُ له باحترامٍ ،وقد يهرولُ ليحملَ عنه الصينية ،ويمسحُ الطاولة نيابة عنه،كما لوأنّه مزيجٌ مسالمٌ من لواء اسكندرون وأناقة حنونة من صافيتا

تصلُ ستيلا وتجلسُ راسمةً ابتسامة ثقةٍ عاليةٍ على وجهها
فمن سمات الشعوب الراقية رسم الابتسامةِ على المحيّا إنها أسهل الحسناتِ على الاطلاقِ

ستيلا:أنا داني محمود جمال، مطلق، عقيم،أبحثُ عن زوجةٍ تشاركني بقية عمري،أحلمُ أن أتبنى معها الأطفال فالقانون هنا لايمنحني حقّ التبني دون زوجةً

تهزّ ستيلا رأسها وتضحكُ بصوتٍ عالٍ،وتجيبُ بالتأكيد لا ياداني
حسناً جوابٌ كنت أتوقعه وقد اعتدتُ عليهِ،لابأس فلنكملُ جلستنا بالتحدثِ بأيّ شيءِ

عادَ إلى منزلهِ وفي المساءِ عاود البحثَ عن حلمهِ المفقود سوزي
بعد الكأس الثالثِ من الفودكا خطر له أن يرسلَ( سي في) التعريف به إلى كلّ هذا العالم، بالعراق ،فلسطين،لبنان،سورية،المغرب،الجزائر،إلى كلّ بلادِ الحروبِ دفعةً واحدةً بنوبةِ جنونٍ هستيريّة،أنا داني محمود جمال
الملقب بالديوث لأني لم أطلق الرصاص على زوجتي التي خانتني مطلق،وعقيم درست القانون الدولي، وسأحاضر في حقوقِ الانسانِ على منصّة الأمم المتحدةِ وسقطَ بين زجاجاتِ الفودكا المتراكمةِ حولهِ
حينَ يوصد هذا العالم كله أبوابه في وجهكَ يفتحُ الله لك باباً حسبتهُ مغلقاً إلى الأبد

ثمة رسالة تصله من ميرا:سأحققُ حلمك ياداني، اسمع البارحة تحدثت مع فتاة حظها سيءٌ بسبب قصرِ قامتها،فعرضها يساوي طولها فتاة مسكينةٌ جميع من يتقدم لها يخبرها بأنّه يريدُ أن يضيف مرتبها لمرتبهِ ليكون قادراً على الزواجِ لم تفلح حتى اليوم بارتباطٍ حقيقيّ أعتقد أنها ستقبلُ بكَ حين تتواصلانِ لديّ أشغالٌ كثيرة

وبالفعل تواصل داني مع سونيا
أنا داني محمود جمال سونيا لقد حدثتك عني ميرا صح!
سونيا:لقد تقدم لي الكثيرون لكن رفضتهم ولكن حين سمعت عنك قررت أن أفكر قليلاً ثم أرد عليك خبراً
لقد قبلت سونيا من اللحظة الأولى ولكنها ظنت أنّ داني سيقول عنها خفيفة وأنها تستهين بنفسها كما قال عنها الجميعُ في قريتها وفي القرى المجاورة لقد كانت مستعدة لسحبِ قرضين معاً لشابّ بشرط أن يقبل الزواجَ بها،الجميع يحظرها على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب أسلوبها الغبي فأيّ كلمة لطيفة يكتبها شابّ ما تسأله هل ستتزوجني!
فيحظرها للفور

كان داني يضحكُ من أحاديثها البسيطة لقد وبخت الجميع والدها الذي يصرخُ طوال الوقت وتحدثت له عن متاعبها بالاعتناءِ بأخيها المثلي الذي روت له أنّه تعرّض لحادثة اغتصابٍ وتم لملمتها والتكم عليها من قبل الجميع فهذا أمرٌ يجلبُ العار لهم ولا يقبلون التصريح به،وهي تشكّ أنها منبوذةٌ بسببه
وقد لا تحظى بأيّة فرصةٍ للزواج
أخبرته عن خبرتها بعمل المكدوس لقد انتهت من يومين من تخضيرِ مئة كيلو من المكدوس وقد باشروا بالتهامهم دفعة واحدةً لأنه لم يتبقّ لديهم مزيداً من النّقودِ

:عليك أن تطالعي ياسونيا وأن تكوني قادرةً على إدارة حوارٍ وتقومين بتطوير نفسك
كانت تبتسمُ وتحاول أن تشمخ برأسها فوق جسدها المستدير
أسرعت في اليوم التالي إلى تلوين شعرها بالاشهر البلاتيني
تعبيرا منها أنها تشابه الأجانب واعتنت بأظافرها وألصقت أظافر صناعية وأرسلت له صورتها قائلةً :هل أبدو أجنبية!؟
لقد صعقه المنظر المضحك لكنه جاملها وقال نعم تبدين جميلة
وبعد حواراتٍ طويلة لم يكن يحتاجُ أكثر من تلك البساطةِ ليؤسس معها أسرةً بسيطةً

الطلاقُ يترك أثره في كلّ الرجالِ وخصوصاً حين يكون سببه عدم الانجابِ من دون أن يعي كتب لها حسناً سونيا لا أريدُ أن أظلمك وأحرمك من الأمومة فكري جيداً قبل أن توافقي على اتخاذ قرارك سأختارُ لكِ زوجاً مناسباً
لقد تذكر مراد وسارة كان حلمهم الوحيد امرأة تنجبُ لهم أطفالاً دون أن تستخدم القانون وتأخذهم وترحل إلى بلادٍ بعيدةٍ
لقد فكرت سونيا وأجابت نعم أريدُ أن انجب طفلاً واحداً مني ياداني

كانت فرحة مراد كبيرة حين تعرف على سونيا وكانت أحاديثه عنها أمام داني تحوله رويداً رويداً إلى رجلٍ يتكورُ
ليختفي كنقطةٍ تحت كلمةٍ

لقد شربَ البارحة جميع زجاجات الفودكا وكتب منشوراً على صفحته

أنا داني محمود جمال الملقب بالديّوث لأنني لم أقتل زوجتي الخائنة ولقد أثبتت التحاليل الطبية أنني رجلٌ عقيم
هل من امرأةٍ في هذا العالمِ ترضى بي زوجاً لأتبنى الأطفال وأقوم بتربيتهم ورعايتهم !

لقد استيقظ في مصحٍّ لمعالجةِ الادمان في ولايةٍ بعيدةٍ
لقد فقد السيطرة على خيباته وأصيب بتشمع الكبدِ

لكنه وجد راحة وأماناً في المصحّ واكتسب صداقاتٍ جديدة وأصغى إلى هموم المدمنين في المصحّ فوجد حالته أخفّ وطأةٍ من الجميعِ

بعد خمسةِ أشهرٍ لمحَ طيف ضيوفٍ يقدمون نحوه رجلٌ يمسكُ بحنانٍ بأصابعِ صبيّةٍ جميلةٍ ولكم صدمه المشهدُ
إنّهما نورا وأسامه لقد عادا لبعضهما مجدداً كمن يقبضُ على حلمٍ لا يريدُ أن يستيقظُ منه

أيعقلُ أنّ معدن البشر قادرٌ على الغفرانِ الكبير حين يبتعدُ عن محيطٍ يجلده ويجلدُ أخطاءه!!
لقد أعدت له نورة كبة اللحم وورق العنب أما أسامة فقمة بالاناقةِ الجميع في المصحّ يغار من سحرهما معاً
ضحك أسامة وقال:نورة حامل بالولد الخامس وليتك تصدق أنها لاتسمح لي بالجلي والطهي كل شيء تبدل ياداني
بالهم داني الضحكات وهمس ممازحاً أسامة يل أخي ما أجملك لوكنت تحممت وحلقت ذقنك منذ زمنٍ بعيدٍ إنني رغم خيبتك أحسدك

تزوجت سونيا من مراد، وتزوج محمود والد داني من امرأة سورية في جرما وأنجبت له صبيا

أما ابن أخته علي المدلل فلقد أطلق النار على مسلمٍ متطرفٍ
فقال صهره حذاءه لينقذ ولده ويسفره كي لاتعدمه السلطات

سافر داني هذه المرة إلى بيروت وجلسَ في المقهى التي تجلسُ بهِ سوزي يصغي إلى الموسيقا عام٢٠٢٠

ثمة أصابعٌ ناعمةٌ تحضنُ وجهه من الخلف وتهمسُ في أذنهِ مرددةً كلماته أنا داني محمود جمال ،مطلق وعقيم وأبحثُ عن زوجةٍ أبني معها أسرةً هل من امرأةٍ في هذا العالمِ تتزوجني

إنّها سوزي نصف روحه الذي يتابعه على مدار عشر سنواتٍ
يغني عبد الحليم حافظ فجأة: حين تلاقت عيناهما لأول مرة بعد فراقٍ عظيمٍ لوحكينا ياحبيي نبتدي منين الحكايه
يتعانقانِ يبكيانِ لمدة نصف ساعةِ

لقد توفي زوجها منذ خمس سنواتٍ لقد كان عقيماً لا ينجبُ الأطفال فتبنت سوزي طفلين لأهالي الشهداء

في عام٢٠٣٠

منزلٌ كبير في العاصمة استكهولهم تضمّ الفرق الموسيقية والراقصة والأولمبيادات العلمية والورشات الفنية التي تعتني بتربية الحيوانات والأشجار والاعمال الحرفية؛ى فالحياة أن تحظى بأمّ عظيمة وأبٍ عظيمٍ أما الديوثُ فهو هذا العالم المجرم الجشعُ الذي يقتلُ ضحكة الاطفالِ وينذر بتصحر الروح وفناءِ الجسدِ

(انتهت)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى