ساعي بريد الشهداء

د. أحمد جمعة | مصر

لي صديق..
يكتب كلّ يومٍ نصًا عن أمّه
التي غرست في قلوبهم الوطن
وقالت: هو بيتكم وأنتم جدرانه،
أمّه التي لمّا ماتت
شيّعتها جدران البيت
وما زالت واقفة عند قبرها تذرف طوبها
دعاءً
دعاءً!

لي صديق آخر..
يكتب كل يومٍ نصًا عن أخيه
الذي كان ک حصّالة
حوّشوا فيها أحلامهم،
أخيه الذي لما انفجرت فيه قنبلة العدو
هرع الجنود من مواقعهم نحوه
ليجمعوا ما تناثر منه من أحلام
يستعينون بها
على الحرب،
أخيه الذي لم تستخرج لها البلاد
شهادة وفاة
بعدما سرقت ما حوشناه فيه من أحلام
تاركة أولادة
بلا معاش!

لي صديق…
يكتب كلّ يومٍ نصًا عن أبيه
الذي کان ک شجرة
كلّما مرّ بها الحطابون
طمحت إليها فؤوسهم
وكلّما مرّ بها صانعوا التوابيت
طمحت إليها
مناشيرهم،
أبيه الذي أنفق حياته ک قطار
على سكك البلاد،
وک مسيح
كان يحيي محطاتها التي يشيّعها الناس
كلّ يوم،
أبيه الذي دهسته البلاد عند تقاعده
ب ٢٣٠ جنيها
ک معاش!

لي صديق آخر…
يكتب كلّ يومٍ نصًا عن حبيبته
التي لا يفصله عنها
سوى سلك شائكِ
وعلى جانبيه جنود حرس الحدود
ببنادقهم المعبّأة برصاص الود،
حبيبته التي ليس بينه وبينها سوى
تأشيرة لا يملك ثمنها
وأوراق ثبوتيه سيبعثر عمره في
استيفاء أختامها،
حبيبته التي تقف خلف أسوار بلادها
ک غزالة بلا رأس
يطاردها ذئاب فقدوا عيونهم
تحت وابل
الجوع!

لي صديق أخير…
يكتب كلّ يومٍ نصًا عن كلّ هؤلاء
بينما يراقبهم بأسف
ويتركه لي
عند شاهد قبره
-قبره الذي ک صندوق بريد-
لأوصله إليكم
أنا ساعي بريد الشهداء!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى