تراكمية المعني في جماليات المبني.. دراسة ديوان “بعين واحدة وبصيرتين” للشاعر المصري فارس خضر
عمارة إبراهيم | شاعر وناقد مصري
الحداثيون لم يخترعوا في يوم وليلة حداثتهم، ولن تكون لهم حداثة حقيقية من دون الإطلاع علي كل ما سبق من علوم ومن ثقافات ومعارف في شتي المجالات ومعايشتها حد الشبع، فكان عليهم تفكيك أدوات تراثنا من ألفه حتي ياءه معرفيا وثقافيا وعلميا ليتحقق منه في بنية جديدة إبداعا جديدا يتوافق مع زمنه ومستجد ثقافة بيئته؛ فينتج تجديدا وتطورا في الأساليب وفي الصور ومستجد تقنيات التطور الجديدة في الشكل وفي المتن مع الاحتفاظ بثابت أصل التراث.
والشعر مثله مثل سائر العلوم والفنون لن يقف عند حدود ثابته ولن يستمر وجوده علي تعريفاته القديمة وعلينا دائما السعي الي منابع لفضاءات جديدة لهذه التعريفات حتي تتوافق مع التطور البشري في انتاجه العام،وفي ذائقته التي تختلف من زمن إلي آخر ومن ثقافة لكل بيئة الي أخري.
وقد عرف أرسطو الشعر بأنه فن المحاكاة.والمحاكاة هي قوام الشعر، حيث ينتقل أرسطو إلي تعقب الشعر إلي ينابيعه وأصوله الأولي فيقول إن الشعر يرتد في أصوله إلي غريزتين فطريتين ؛غريزة أن يحاكي الإنسان سواه ،وغريزة أن يسر للمحاكاة التي يؤديها الآخرون (1)يراجع:الدكتور شكري محمد عياد( كتاب أرسطو طاليس في الشعر،جمعه مع ترجمة حديثة ودراسة لتأثيره في البلاغة العربية/الهيئة العامة لقصور الثقافة/ القاهرة 2021/العدد 14
وهنا أري أن هذا التعريف يتوجب علينا أن نطوره ونبني عليه لا أن نثبت عوالمه القليلة ومنحته القديمة الثابتة
كما علينا أن نطور مثل هذه التعريفات إلي فضاءات جديدة تمتلكها البيئة والزمن المقابل في حياة البشرية بما يتوافق مع مستجد واقع الشعر الآن وعبر كل زمن في كل أدواته وفي مبناه المستحدث.
ونعلم أن هذه الغريزة تتخلق بحسب جينات تطورها الواسع من حقب زمن إلي آخر، وهي من تمنحنا مسارات هذا التجديد وهذا التطور، ولا يمكن لها الثبات عند المعرفي والحالي والذائقي الثابت؛ بل يجب أن يقف عندها المهتمون والمتخصصون وخاصة الشعراء الذين يدرسون ويتأهبون دائما للوصول للمنافذ التي يتحقق لهم منها جودة واتساع جماليات الشعر في تطوره وانتاجه الجديد.
وعند مراجعاتنا الطويلة عبر المراجع العديدة في علوم الشعر وآدابه ونقده،التي وقفنا عندها وأجبرتنا علي عدم الوقوف عند الثابت المتجمد في الذائقة وفي مكونات القصيدة الثابتة في شكل ومتن كتابتها؛أن نجدد لها وجود حياتها مثلما تجديد ذوائق استقبالها؛ بل كان للشعر في واقعنا المادي الآني ومتغيراته السريعة عالميا ضرورته القصوي لمنحه مستجدات جديدة بعدما وقفت القصيدة العربية عند شعراء من عصور قديمة قبل الحضارة الإسلامية وبعدها لم يتم عمل الصيانة اللازمة لها والتطور التقني بنفس الجودة ونفس المستوي الذي سبقتنا اليه البيئات العالمية الاخري لندقق في تسلسل تطوره من لحظة وجوده قبل الميلاد بأزمنة ليست قليلة لنجد أن لكل بيئة عبر الأزمنة وفادة جديدة من تحديث بنيته وأحواله
رغم أن الشعر العربي في أزمنة مختلفة عمل علي تطور بنيته ” في الكثير من أدواته الثابتة من دون الشكل بحسب جودة حضوره واستقباله في دواوين العرب المختلفة بحسب البيئة وتطور حياة البشر فيها؛ فكيف يكون وهو فن العربية الأول وما يشمل من علوم متعددة؛ وكلها علوم أخذت الكثير من شعر ما قبل الإسلام؛ حتي الأوزان الخليلية جاءت من إيقاعات له التي نظمها الخليل بن أحمد الفراهيدي في عدد من بحور الشعر عبر ساكن الحرف ومتغيره.
من هنا وجدنا أن الحداثة لاتبني من دون جوهر وأصل وجود ثراثها؛ بل التوجيه العلمي المناسب من تطور الحياة وعلومها وفنونها هو المسار الأمثل لصياغة فقه جديد للشعر يتطور في أزمنته المختلفة بحسب تطور الإنسان وبيئته وذوائقه.
كانت هذه المقدمة ترسيخا للقيم الجمالية التي استخدمها الشاعر المصري فارس خضر في ديوانه “بعين واحدة وبصيرتين”؛
من مبادئ فقه الشعر وتطوره عبقرية اللغة في التفاعل الرهيب وليس التكامل المهيب،فاللغة هي أداة الشاعر الرئيس التي يمنح منها جمالية واقعية الحدث معتمدا علي تقنية إدارة الأفعال الدالة لمنتج جماليات أحوالها؛وأن سردية الأحوال وواقعيتها تعتمد اعتمادا خاصا علي ابراز مشاهد الصور الشعرية من خلال تمثلها في اختيار المفردات التي تتناسب مع درامية السرد وهي تبرز منتج جماليات أحوالها وأن وصف الحال المكثف وتعدد مشاهد سرده وتناغم الحراك الفاعل بين الوصف المكثف وبين تواتر السرد الذي انتجته دوال لغة الفعل وتناسقها مع المنتج العام للمشهد أو للمشاهد في مجري مسارات هذه النتائج الجمالية قد حققت اتساعا مهما في كيفية استقبال النص وهي تعتمد في مراسم هذه المسارات أيضا علي إيقاعها العام الذي يمنح توازن العمل المتحرك بين اللغة وبين درامية السرد وتشبيهاتها الشعرية من واقع تعددية المشاهد وتواترها حسب قاعدة جديدة مقترحة تتلخص في ؛” أن لغة السرد هي البطل الفاعل في مسارات العلاقات وتفاعلها العام مع أدوات الشاعر الاخري التي يستخدمها داخل النص، لتمنحه انساقا جمالية مستجدة “(2)يراجع:عمارة إبراهيم( كتاب الشعرية بين الثابت والمتغير) تحت الطبع.
يقول الشاعر:
في قصيدة “قبر يتحرك بين محطات المترو بالأمس”
لم تكن هناك ستائر
لتحرقها؛
صرختي
كانت مجزوزة الرقبة
كأضحية
متخمة بالألم.
يمر السكين قرب صدرك
وينظر بريبة
إلي
منتحر وشيك.(3)يراجع: فارس خضر (ديوان بعين واحدة وبصيرتين) دار الادهم القاهرة
يلملم الشاعر شتاته النفسي من واقع تأزم وتراكم الأحوال وتشابهها مما تسبب في صدمة التلقي لها واستدعاء الآلام التي تأثر بها من قبل في تعدد مصادرها لتمثل هذا المشهد الذي وقع علي محطة المترو؛ فيرسمه الشاعر علي محاور تنبض في اتساقها وتنظيمها من حيث دراميتها؛لتتحقق منها مشاهد نفسية موجعة تتجسد في ارتباكه النفسي لدرجة ان يعنون القصيدة ويصف المشاهد التي لملمها في العنوان ” قبر يتحرك بين محطات المترو بالأمس ” في مفردة القبر المتحرك واستخدامه للفعل المضارع لرسم واقعية وتكرار المشهد الذي برزت آلامه نفسيا بالأمس وفي المستقبل وفي أفعال متشابهة؛ فيربط بين تعددية هذه المآسي التي تحدث في واقع الحياة حيث يرسمها الشاعر من خلال أثره المادي والنفسي ورؤيته للحقائق التي تحتوي علي الستائر تلك التي لن تحجب الرؤية،فهي تتعرض للحرق وهي التي لم تستطع إخفاء معالم الأحداث لربطها بين وقوعها وبين صدماته المتكررة في اطار علاقات متداخلة من اللغة وحراك أفعالها لتمثل العناصر التي تتشابك وحداتها داخليا وخارجيا حتي تدفع به إلي صرخته وهي مجزوزة الرقبة مثل الأضحية .
وقد استحدث الشاعر تقنية ربما أجدها هنا جديدة في ديوان” بعين واحدة وبصيرتين”، أن قدم منتج دال الأفعال بصيغة رؤيته لواقعية المشهد ولم تخل أيضا من بعض مجازاتها وتشبيهاتها؛ليجسد الألم الذي يصنع جمالية اللغة وهي يتحقق فيها، لتكون مختلفة عن السائد في الشعر العربي الذي كان يجنح إلي خيال الواقعية الحركية في تطوره المستجد؛ ليمنح وحدة العناصر التي رسمت أحوال هذه المشاهد وقد رسمها لنا الشاعر في تكاملية وحدة الأجزاء وعناصرها من مساحات وفضاءات تدعم التطور الذي أنتجته هذه العناصر عبر عوالمها المكتنزة.
“يفترض مفهوم البنية الدالة- الذي صاغه لوسيان جولدمان – ليس فقط وحدة الأجزاء، ضمن كينونة كلية في إطار من العلاقات الداخلية بين العناصر وبعضها،بل إلي جانب ذلك – يفترض – الانتقال من رؤية سكونية للعالم إلي رؤية ديناميكية متحركة”(4) يراجع: د. صلاح السروي (تحطيم الشكل خلق الشكل دراسات في الشعر المصري المعاصر) ،سلسلة كتابات نقدية العدد 63 /الهيئة العامة لقصور الثقافة/ القاهرة في مايو 1997.
من هنا تبرز واجهة الشاعر الفنية من خلال هذه الوحدات المتكاملة في أنساقها الحالية وتطبيقاتها بالمجاز والتشبيهات في انسجام موحد لها لتحطيم الشكل وإنتاج الشكل المختلف عبر ديناميكية الرؤية وعناصرها وأدواتها المغايرة.
يقول الشاعر:
هذه ناري
والبرد يقلب كفيه
ويغرس مساميره
في ثقوب الغطاء الرخيص
تذكرت
حبيباتي العابرات :
الثقوب الأقل.
عبر منها الضوء سريعا
إلي حتفه.
يذهب بنا الشاعر من وجهة واقعية الحدث عبر الوحدات المتكاملة وتفاصيلها وديناميكية استقبال الرؤية إلي وجهة أخري تعزز من مسارات تطور كتابته الشعرية بأن جعل البرد له أيدي ويستطيع أن يقلب بكفيه ويغرس مساميره في ثقوب الغطاء الرخيص؛وكأن البرد تحول إلي كائن بشري يملك غرس مساميره وتقليب كفيه في ثقوب الغطاء الرخيص الذي لا يملك غيره؛غير أن الشاعر أراد هنا أن يمنح اللغة في سياق تمردها علي واقعية الحدث مسارات جمالية تتوافق في بنيتها الكلية مع الوحدات المتكاملة لمشاهد الألم والموت وأثرهما النفسي الذي أراد أن يبرزه في شعرية الأحوال وخاصة عندما يربط هذه الوحدات بقياسات نفسية أخري بأن يربط الضوء الذي عبر هذه الثقوب من الغطاء بهذه الوحدات التكاملية في النص وهو أسلوب تعرية لهذا الواقع القاتل وتحويله إلي النسق الجمالي الموازي.
يقول الشاعر:
أنتَ
أيُّها القبرُ الجالسُ في مواجهتي
سنُصبِحُ صَـدِيقَـيْنِ دُونَ ثرثرةٍ
خيوطُ حياتِكَ كلُّها بينَ يدَيَّ
الملتصِقُون بأكتافي
لم يُدْركوا أن المشهدَ تَوَقَّفَ فجأةً،
كأنَّ نَسْـمَةَ هواءٍ باردةً
وقفَتْ على وُجُـوهِهِمْ،
أو مِنْدِيلًا مَـرَّ على جِبَاهِـهِمْ
ومسَـحَ ذكرياتِـهِمُ القاسية.
كنتُ صامتًا
كأنني الهدوءُ
يتوضَّأُ بِـمُـفْـرَدِهِ
في مسجدٍ قديم.
لو كان لَـدَيَّ وَقْتٌ
لَوَضَعْتُ الورودَ على قُبورِكُمْ.
لا بأسَ
أعرفُ
لم يكُنْ لديكم الوقتُ
لِتَـتْـرُكُوا أحْذِيَتَـكُمْ
خارجَ رُوحي
لا أجِدُ ما يدُلُّ عليَّ
سِوَى أَلَمِي.
ترتبط ذاته الواحدة بالجمعي ويتماهي الألم بأقصى آلياته الطاحنة عندما يخاطب القبر مستسلما دون ثرثرة تفضي بمواجعها إلي الملتصقين بأكتافه في مواجهته القاسية لأنهم لم يدركوا المشهد الذي توقف فجأة ولم يحسوا به؛بل شبه استقبالهم للمشهد وكأنه نسمة هواء باردة لم تصل حد اللسعة علي خلاف ما يعيشه هو لأنه أدرك وتفوق في إدراكه حد المعايشة.
يقول في قصيدة دليلٌ كسيحٌ (لا يعرف من صحرائه سوى الهاوية) :
لا أجِدُ ما يدُلُّ عليَّ
سِوَى أَلَمِي.
يا رأسَ الحكمةِ.. والحماقةِ
لم تقرأْ سُورتي
ولا مسَّكَ حريقي.. أبَدًا
لكنَّكَ تعرفُ الطريق.
يدي معصورةٌ في يدِكَ العارفة
وخُطواتي أجهَلُ من ذبيحةٍ
تسيرُ باتجاهِ الْمَسْلَخ.
أمشي عكسَ رِيحِكَ
مفتونًا بغِنَاءٍ قديمٍ.
ولا أَتْبَعُ المشانقَ
فوقَ أسْوَارِكَ
كيلا أتعذَّبَ
من جديد.
نلاحظ هنا التحول من الضمائر التي تخاطب أو تصف الذات وعلاقاتها عبر الوحدات التكاملية في بناء درامية المشاهد إلي مشهدية التقابل مع النفسي ومع التوحد مع المشتبكات ومسبباتها فيجعل ضمير المتكلم هو ذاته ليكون البديل عن الجمعي؛ فيتكلم مع نفسه وكأنه يؤكد عليها أن لا أحد غيره يتحمل الألم ولا أحد غير الشاعر يجد دليلا علي التحمل الجمعي لهذه الانتكاسات؛فهو ابن حاله وهو ألم الناس حين يسكتون ولا يعبرون عن آلامهم،ربما إلا في ذواتهم.
لا أجد ما يدل علي
سوي ألمي
فهو الذي يشتكي لنفسه ولحكمته ولحماقته؛لكنه يعرف الطريق؛فهو الذي يحارب بالحكمة وبما يملك من إيمان ووضوح ولا يمنح للحماقة مسارات لها؛ فهو المفتون بالغناء القديم والغناء هنا في مقصده التراثي الفائر بالقوة والعزة والشموخ وهو تراث آبائه وأجداده.
ويؤكد فارس خضر هنا أيضا تقنية التحول الدرامي لسردية المشاهد وفي معظم قصائد الديوان من الجمعي إلي التخصيص “الذات”، لأنه وحده من واقع شعريته في الديوان الذي يرسم خطاه وجعا وخطرا قد يصل حد المشانق وقد عبر عن هذا التشظي في كثير من قصائد الديوان؛ كي يري معه كل من يقرأ،أن الشاعر الحقيقي هو من يقسو علي نفسه بتحمله قسوة ثقافة هذه الجمعية المسببة لهذا الفيض الحالي في مشاهده المؤلمة ومسببه الذي يؤدي إلي جلد الذات وربما كان ذلك من واقع السياسات التي رسمت الرسميات خططها في مناهج إبعاد العلاقات الجمعية وتفاصيلها من الغالبية العظمي في مجتمعاتنا العربية؛لتجد الشاعر والقصيدة نفسها يتحملان عبء هذه الثقافة التي غزت مجتمعاتنا وأصبحت تحول الوحدات الصغيرة وتفاصيلها عبر النص الشعري هنا إلي تراكمية الألم داخل النص في جماليات المبني العام داخل الديوان، ومن ثم يكون مبعثه دم ولحم الشاعر فيقول:
هكذا
تركتَني في نصفِ دائرةٍ
وقُلتَ:
كلُّ الطُّرُقِ تؤدِّي إلى الهاوية.
لو أشرتَ إلى حافةِ جبلٍ لَمَشَيْتُ
أنا الأعمى
أخذتُ حِصَّتي من الظلامِ
وعكازُك الذي أكلَهُ السُّوسُ
صَلَبَني في الريح.
لو..
لو أوْرَثْتَني القَسْوَةَ
ما عَبَرْتُ هذهِ الغابةَ حافيًا
ولكنتُ خلعتُ الأشواكَ من حَلْقِي
وحرَّرْتُ صَرْخَتي.
ولأقمتُ جِوَارَ نَبْتَتي البَرِّية،
أرقُبُ حُزني
وهو يشربُ مَطَري
وينامُ تحتَ سَحَابتي.
كنتُ
سأرضَى أنْ أكونَ
دمعةً
لم يَذْرِفْهَا محارب
على “دبشك” البُندقية.
هنا يعيش الشاعر تفاصيل واقعه فتلتحم هذه التفاصيل عبر الجزئي نحو الكلي لتكتمل التفاصيل وتراكمية الدوال نحو الذات؛ فتمتلئ عبر الأدوات والخبرات وواقعية تقنية إدارة الأحوال عبر ديناميكية الفعل وأثره في كل مشهد داخل كل نص ليتم استدعاء اللغة التي تطرز صور المشاهد المتواترة لتلضم أنساقها الجمالية في تراكيب ممتلئة بالصور التي تخلو كثيرا من المجازات والتشبيهات المدعمة للكثير من هذه المشاهد إلي تراكيب جمالية أخري تستدعي صور شعرية جديدة تخرج من اللغة التي رسمتها حركية الأفعال لتتمم مسارات الجمال التي سعي إليها الشاعر من واقع هذا الانسجام العضوي الذي ربط الشخصي والجمعي رغم تنافر واستسلام مشهديتهما الدرامية داخل النصوص لتكون كل وحدة يرسمها الشاعر تقريرا جماليا ومنبريايضاف ليحقق تكاملية المبني وأنساقه الجمالية الجديدة؛
وأنتهي بهذا المقطع البديع الذي أنهي الشاعر به القصيدة.
يقول:
جُمَّيْزةً
خلعَتْ قدمَيْهَا
عندَ خَاصِرَتي
وقاسَمَتِ البيوتَ حُزْنَهَا.
خَبَّازَ الأساطيرِ
أُطْعِمُكُمْ..
والْحَصَى يُطقطِقُ على النارِ
لِيَنْعَسَ طِفْلِيَ الجائِع.
حارسَ الدركِ
أُوَزِّعُ النومَ على الْجُفُونِ
والرعبُ يَرْوِي شجرتَهُ الباسقة.
بكاءَ النايِ
وهُوَ يُمَزِّعُ الدُّخَانَ
بعدَ أنْ فَرَغَتِ الْحُروبُ مِنْ مَعْزُوفَتِها
وشَبِعَتِ الأرضُ مِنَ الدِّماء.
فقط
لوْ.. أوْرَثْتَني القَسْوَة..
تركتُ كَفِّي
مُعَلَّقَةً على أعْمِدَةِ الضَّريحِ
والشفاعةَ مُندلِقَةً
على أرجُلِ الطائِفِين.
هذهِ.. خَطِيئَتي..
الجريمةُ التي لا أعرفُ كُنْهَهَا..
فأَهْرُبُ مِنْ ظِلِّي
ولا أجْنِي مِنْ أنفاسي المتلاحقةِ
سوى العِقَاب.
بأصابعَ تتَلَمَّسُ الحياةَ
وهيَ تَجْرِي إلى جُحُورِهَا..
بِفَمٍ
كَدَبَّابةٍ
تُوَزِّعُ قَذَائِفَهَا بِعَدَالَةٍ.
بِعَدُوٍّ
في الْمَرْمَي
يَتَحَسَّرُ على الذَّخِيرةِ الْمُهْدَرَةِ.
بِخُطْوةٍ
لا تَعْبُرُ الطَّرِيقَ
إلا إلى هَاويةٍ..
بِدَمِي الْمَحْرُوقِ
ورائحةِ أَطْرَافي على الْجَمْرِ،
آكُلُ جَسَدِي..
وأموتُ جائعًا