تأملات في صدر الإسلام.. سيكولوجية الصحابة الأوائل وفلسفتهم
د. محمد السيد السّكي | استشاري تحاليل طبية وكاتب وروائي مصري
(سياسة ابي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم)
سبحان من أخفى سره فى خلقه وجعل منهم من هو لغزه ورمزه، ولا حول ولا قوة إلا به العلي الجليل ..
لقد اتخذ مولانا الوقور الصديق أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – بعض القرارات ذات الفلسفات الحاسمة والدلالات لفلاسفة القانون والدين والسياسة ومنها :
– الغاء سهم المؤلفة قلوبهم في فريضة الزكاة ، ولقد اعترض الفاروق عمر بن الخطاب على ذلك ..
– الحرب على المرتدين ومانعي الزكاة فى فترة حاسمة وحرجة فى تاريخ الدين والدولة وايضاً اعترض بشدة سيدنا عمر رضى الله عنه على ذلك ..
– بداية الفتوحات الاسلامية
لقد اتخذ الملهم العادل مولانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ايضا قرارات ذات فلسفات ومنها :
– تعطيل العمل بحد السرقة وعدم قطع يد السارق ابّان فترة عام الرمادة حيث القحط والشح ..
لقد اتخذ سيدنا عثمان رضي الله عنه بعض القرارات ذات الفلسفات ومنها :
– عدم قتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب رغم انه اصرف فى القتل ثأراً لابيه الفاروق ، فقد قتل الهرمزان بخديعة وجفينة النصراني وابنة ابي لؤلوة البريئة من الدم ، ولقد كان رأي سيدنا علي كرم الله وجهه ان يقتل عبيد الله ورأى سيدنا عثمان الا يقتل عبيد الله ويدفع الدية ، وبعدها بعدما تولى الإمام علي الخلافة فر عبيد الله وانضم إلى فريق معاوية بن أبي سفيان ..
من هذه القرارات نستلهم بعض المعاني والعبر وكيف كان الصحب الاجلّ و الاقرب من النبي محمد عليه الصلاة والسلام يتصرف ويتخذ قرارات ..
فأبو بكر – رضي الله عنه – هو صاحب البصيرة الذي يكره الخديعة ودخول الناس للاسلام طمعاً فى المال ولو على حساب انه خالف نصاً صريحاً فى كتاب الله ؟! .
رغم الضعف الشديد وكثرة المتربصين والاعداء ، يتخذ سيدنا ابي بكر قرارات حاسمة بالحرب ضد مانعي الزكاة والمرتدين عن الإسلام، وقد يبدو ذلك عملاً يناقض فكر الرجل الذي يرفض ان يدخل احداً الإسلام طمعاً في المال، ولكن عند التأمل في واقع العالم حينئذ نجد ان من يرتد عن دينك لا يكتفي بذلك فحسب بل يقاتلك ويحشد لكسرك ويألب الناس ضدك ، فوجب عليك ان تقاتله قبل ان يهاجمك في عقر دارك.. واذ أن الاعلام الديني لم يعرفه العالم القديم، وكان اي شخص يحمل راية فكر مخالفة هو مارق ويجب أن تُستأصل شأفته، فالعالم في فترة صدر الإسلام لم يعرف حينها معنى التبشير والدعوة لدين مخالف، ولم يعرف الاعلام الديني والفكري بالطرق السلمية دون اضطهاد وقتال ، ولذا برز الي السطح لأول مرة مفهوم جديد في الدولة الإسلامية الناشئة معنياً بالإعلام الديني وتم صناعة مصطلح سياسي جديد اسمه ” الفتوحات ” التي لم تكن بهدف التوسع الجغرافي؛ ولكن طرأت لمواكبة واقع لا يعترف الا بالقوة ، حيث ان لم تكن معي فانت ضدي..
لقد وعى الفاروق العادل – خليفة الله في أرضه- عمربن الخطاب – رضي الله عنه – المقصد من الحاكم وكيف أنه الممثل لله، ووعى أن أي شخص من الرعية يذنب فإنه يتحمل الوزر ، كما أن أمير القوم يتحمل الف وزر..
ولقد رسّخ رضي الله عنه فلسفة عميقة ينضح منها الخير والنور ، فالانسان لا يُعاقَب لارتكاب معصية مالم يتوافر له الحلال ويكون من السهل عليه وجوده والتنعم به.. فالحاكم المسؤول عن تنفيذ بنود العقد الاجتماعي المتفق عليه كالمقاربات الغربية الآن او مصدره السماء وما في تعاليمها من اوامر ونواهى . إذ أنه كيف يُعاقَب السارق الذى لا يجد قوت يومه ؟؟ وكيف يعاقب الزاني الذي لايجد سبيلاً للزواج ؟؟ ورحم الله سيدنا عمر القائل “عجبت لمن لا يجد قوت يومه ولم يخرج على الناس بالسيف؟!! ..
وما أحوج أصحاب فلسفة السياسة والقانون أن يتعلموا الدروس من عمربن الخطاب !
لقد قرر عثمان – رضى الله عنه – وهو المتسامح الواصل لرحمه وهو رقيق القلب الذي ادخل اخوه في الرضاعة عبدالله ابن أبي السرح لمسجد رسول الله لكي يسامحه رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن أجل عثمان سامحه الرسول رغم أنه ارتد وغيّر فى القرآن؟!
فسيدنا عثمان يشفق على عبيد الله وعلى حرقة قلبه ويسامحه على تعديه واصرافه فى اخذ الثأر مرسخاً لمعانٍ وفلسفات وانسانية من الصعب الهروب منها رغم انها تخالف اوامر الله ؟!..
رحم الله سادتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وألهمنا فهم المعاني والعبر و الدلالات وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين ..