إضاءة على نص نغمة أظافرها ليست رائعة الذكرى للشاعر المصري محمد أبو عيد
وجدان خضور | فلسطين
أولا النص:
وإذ دخل على أنفاسه بغتة من أربعة أبواب متساوية الريحان ؛ وجدها في الوتين الجميل تجمع الأشلاء العائدة من المتاهات العظيمة؛ حملهم جميعا على رئته المجعدة ؛ وصعد متحشرجا إلى صوته العالي ؛ سن النسيان بشفافيات متشنجة جدا !؟ طعن القصائد من قبل ومن دبر !!؟ وطهر شموعه من عطرها الأسود.
هو الذي كان لم يكن يعلم
أنها تفتح نسائمها لعواء الغبار
إنه كان نائما في صحوته الرهيبة
ووجهه عند بهو الصمت الشاسع
يروح ويجيء في عينين شاردتين
شمس الشتات الحارقة فوق رأسه
ترش الغموض الكثيف من خلاف
بللت ليله الطويل بانتفاضات الأرق
أشواك الأسئلة الضخمة
انتشرت في شوارعه الحمراء
كل أغصانه مطعونة بنغز الارتباكات
هل يجرح الورد ويقطف العطر
أم يبني شعرا ويختبىء في القصيد
وأسفاه على الضوء الذي انطفأ بالحيرة
دودة ملعونة نهشت جثته
قبل أن يلحق قطار الندم الأخير
هذا الطيف لم يكن يعلم ………
أن أصابعي المتطفلة خلف جدار الذهول
تتلصص على أنفاسه المخنوقة بالطعنات
كانت تراه بدمع واضح التأويل
يسحب العسل المر من زهور الألم المحموم
ويقذف جسده العاري باللوم المبرح
صارخا في الهواء السميع الصاخب
هاوية محتومة على كل الأمسيات الخبيثة
أيتها الشراهة المفعمة بالبخور
كل القبلات المندلعة من دهاليز الصدى
بلا حدائق بلا أطياف بلا عهود
لا نهر لها ولا زورق
فكيف تصل رائحة المساء مرافىء الشموع !!؟
نغمة أظافرها ليست رائعة الذكرى
لم أكن أعلم أن هذه الهادئة
تعشق سن جفونها بالشعاع اللامع
وإن هذا كان يمكنها من اصطياد ؟
……. “الضراغمة”………
أيتها الآفة الملعونة اطمئني جدا
وارقدي بسلام في خواتيم الضالين التائهين
الذين حين خرجوا من القبور الضبابية
كان كوكب الندم غير منير
اطمئني لن يرسم إسمك على أذن الدخان
سيكتفي بالدوران حول ظله الكريم
ويضع على أرضك البور زهرة
وينبعث في طير جديد
هديل من الأمطار الحلوة
يصون الحدائق من لدغات الجفاف
ملك على عرش السحاب
يمنح شموسه البيضاء
حرية التمشي بسطوع على الماء
جمال الضوء موهبة روحانية
منحة من الغمغمات العذبة لكل حبق بار
ثانيا – الإضاء على النص:
كما عودنا الشاعر الجهبذ في كل نصوصه السفر إلى النهار ليلا وإلى الليل نهارا فهو لا يكتب من أجل الجمال إنما يكتب ليبحث في كتاباته عن بصيرة تجر تأملاته إلى النور …. فالمتأمل في عتبة النص سيرى أن شاعرنا بحرفية عالية ليست غريبة عليه استطاع أن يدخل إلى النص مرتين ! الأولى حين دخل على أنفاسه بغتة في تصوير رائع عال في تسليط الدقة والدهشة ليجدها في الوتين الجميل أي شريانه الذي يضيء مسالك قلبه ومشاعره واشارته بالجميل دلالة على نقاء حياته وخلو ميلوله الشخصية تحديدا من شائبة العتم والغموض كالتملق والرياء وممارسة الأهواء ؛ لذلك رآها تجمع “الأشلاء العائدة من المتاهات العظيمة” المتاهات هنا تدل على شقاء الشاعر في سفرياته الحياتية كما ذكرت سابقا فهو التعب الراكض في الدوائر المغلقة يدور ويلف دون أن يعلم سبل الخروج من هذا الشرود المتاهي رغم محاولاته المكثفة لغرس الضوء في الظلام لكنه دائما لم ير مواسم الحصاد ولذلك حمل كل هذا وصعد إلى صوته من خلال رئته المجعدة و تصوير الرئة هنا بالمجعدة دلالة مؤكدة على صعوبة الخروج من المحن ولو بشذرات منهكة لكنه استطاع الخروج بشق الأنفس ليدخل للمرة الثانية إلى النص من باب الصوت بعدما طعن قصائده وطهر شموع أصابعه من عطر الغواية الأسود ليبدأ الولوج للنص الفعلي من خلال عالم مليء بالمتغيرات والتقلبات الهوائية والمزاجية التي نتعرض لها جميعا فيبدأ الشاعر بالنفي الجازم ” فهو الذي كان لم يكن يعلم ” فما هو هذا الشيء الذي لم يكن يعلمه سنجد هنا حوارية بين رهيف النسيم وعواء الغبار فالنسيم طبيعته الشفافية والغبار أداة نشطة جدا بارعة في تلويث وتعكير صفو الماء أو كل ماهو يحمل صفة الجمال وهو هنا يتحدث عن أنثى ما أو ربما عن كل يقع تصنيفه تحت طائلة التأنيث كالعتمة / الشمس / السماء / الشموع / النغمة …المشهد هو عن انسان عروقه من نور لكنه في حين غفلة وجد أمراة تسكن الوتين وقد دخلت من اربعة ابواب متساوية الريحان وهي ابواب الحب ..اليهام .. الرغبة .. الغواية .. الشوق .. لكنه قد وجدها تجمع اشلاء عائدة من المتاهات العظيمة اي انها قد جمعت له طريق الارق والتوهان الممزوج بالضياع .. لذالك نجد الشاعر هنا قد حمل جميع ما قد اكتشفه في رئته المجعدة دليل على انه قد اوجعته الخيبة التي اصابت رئته بالتعب ليصعد متحشرجا الى صوته العالي انه صوت عالي وكأن هناك نداءا خفيا عالي النبرة قد اعاده لينقذه من هذا الطريق المغموس بالضياع والتردي ،
سن النسيان بشفافيات متشنجة جدا ؟ لقد اوجعه الامر جدا لدرجة ان الالم يصفه كتشنجات مؤلة جدا وهو يحاول النسيان ليتخذه رادعا عن العودة لها وراح يقتل قصائد حبه بها من جميع الاتجاهات ليطهر شموعه النقية من عطرها الاسود ..
الشموع هي مصدر الضوء والضوء هو النقاء والعفة والجمال راح ينقي ضوءه اي قلبه المشع من عطرها المنضوي على السواد ؛..
لقد خدعته تلك المرأة لم يكن يعلم انها تفتح نسائمها لعواء الغبار . النسيم هو الهواء العابق بأعطار الزهر ينعش الانفاس انما تلك كانت نسائمها مشبعة بالغبار اي أنها للاسف ليست كما رسم لها في مخيلته لاني ارى هنا من خلال انفاس الشاعر انه قد خاب بها ظنه الشاعر لم يكن يدري فهو قد كان نائم في صحوته الرهيبة كان هائم في حبها حين استيقظ على هذا النبض المخادع ليغرقه في حب مخاتل ،
كان يشعر لهذا الخداع لكنه في حيرة ولا يريد ان يصدق حدسه كان يسكت هذا الحدس بالصمت العنيد كانت حالة من الولع والأرق والشتات في روحه وهو يعيش الغموض الكثيف التي كانت تزاوله عليه كي لا يكتشف خداعها فراح يعيش الارق بالوانه المتصدرة خلال الليل بالأسئلة الطاعنة لراحة قلبه ليعيش الارتباكات في الاختيار بين أن يجرح الورد ويقطف العطر .. هنا صورها بالورد فهي من خلق الله ويا ليتها حافظت على صورتها التي فطرها الله عليها هو في حيرة من امره هل يواجهها بخداعها ليقطف عطر راحته وهداة انفاسه.. ام يبني شعرا ويختپى في القصيدة بذياك الصمت المريب الذي يجعله يكتب حروفه الكلمى متأسفا على نور حياته الذي أطفأته الحيرة وما تسببه من قلق واجهاد .. الشاعر يصف هذا التفكير أو الارتباك الذي يسحبه الى البقاء على تلك العلاقة الغير موفقة التي ممكن ان تزل القدم عن طريق النور والضوء يصف هذه الحالة بدودة ملعونة تنهش جثته.. يرى الشاعر نفسه قد اصبح جثة هامدة بسبب تعبه وشدة أرقه قبل ان يركب قطار الندم على تلك العلاقة التي خاضها في خضم نومه خلال صحوه الرهيب، ..
الشاعر هنا في تلصصه الذكي على طيفها الذي لم تكن تعلم ان صاحبها قد انتبه الى خداعها وان اصابعه التي كانت تدس انفها خلف جدار الذهول يشتم من بعيد دليل يجعله يعيش ذهولا وصدمة ولوما مبرح جعله يسحب عسل العلاقة الذي وصفه بالمرار بعد كشف الحقيقة من زهور الألم المحموم في حالة صاخبة بالصراخ مستحضرا كل الأماسي الممتلئة بحبها لتسقط في هاوية الفناء ..
يصف هنا الشاعر كل التفاصيل المندلعة في احلامه من اصداء العلاقة بانها دون حدائق دون حياة ودون اطياف وانها بلا عهود لا نهر ولا زورق فكيف في تلك الحالة الفارغة من كل ما اسلف سيكون لها مرافئا للضوء والحياة ..
شاعرنا النجوان النابض بالاقحوان والتأملات لعمري أني اسمع رهام حروفه وهي تغني على الريحان رايت بروق النبض وسمعت هدير الرعد وقطفنا من تاملاته ثمر الغيم هكذا أنت كبلابل الاغصان تغرد الجمال كالعسجد والزمرد والياقوت لا تهوي ولا تصدأ ولا تتردى شاعرنا البديع يرى ان نغمة اظافرها ليست رائعة الذكرى اي ان تلك الانثى لن يعيش معها ذكرى جميلة وقد استعمل للذكرى اظافر لانها قد جرحته بتلك الذكرى المسمومة بالعتمة .. يبرر صديقنا النافج بنصاعة البياض المخضرم النحرير انه لم يكن يعلم ان تلك الظاهرة بوداعة خداعة يمكنها ان تصطاد الضراغمة أي القلوب القوية المسيجة بشجر كمصدات للهوى الخبيث..
يقول الشاعر هنا في نهاية العلاقة لتلك الانثى ارقدي وكأنه يقول انها بالنسبة له قد ماتت حيث قال: ارقدي بسلام في خواتيم الضالين التائهين الذين حين خرجوا من القبور الضبابية كان موكب الندم غير منير.
ومن ثم يسترسل قائلا لكي يطمئنها انه لا يتكلم ولن يفعل فاخلاقه وتربيته لن تسمح له بنشر اخبارها فهو يرى لكنه لن يتكلم فبرغم طواحين الغدر التي تعرض لها الشاعر إلا أنه فضل دخول الصمت وإغلاق لسانه.
ما أروعك يا نبي الحرف
وانت تضع هنا صورة جميلة للانسان النبيل الذي لا يطعن الاخرين من خلف حرصا على اعراض الناس فهو يرى لكنه لن يفضح سيستر على ما قد رآه فيقول ساكتفي بالدوران حول ظله الكريم ويضع على ارضك البور زهرة وينبعث في طير جديد .. هو يحاول ان يقدم لها النصيحة بوضع زهرة في ارضها البور التي لا بوصلة لسداد الدرب ولا راشد يدلها على الصواب يزرع زهورا لتخضوضر ارضها البور بها وبرغم الهديل والحزن الشفيف ستبقى الروح نابضة بالحياة الحلوة بالجمال وبرهام تبلل جفاف العمر بالكثير من السنا والعفاف وتبقى تلك القلوب الطيبة النابضة بالخير والعطاء هبة من الله ومنحة خير ترفع صاحبها الذي وصفه الشاعر بالحبق صاحب الفواح العذب الشهي بالبار هو بارا لخالقه بارا لانسانيته بطاعته لضوء والحب الذي استمسك به برغم كل الوجع استمسك به كالعروة الوثقى.