أصابع.. أسرارَ القوّةِ بي وحدي

أليسار عمران | سورية

يوماً ما أقدمتُ على الانتحارِ لسببٍ بسيطٍ أنّ النّساء تفهم النسّاء أمّأ الرّجال فلا.. كلّ ماكنتُ أرجوه في لحظةِ ابتلاعِ علب (الليكسوتان) الأربعة هو أن يتوقف قلبي لأنني قرأت النتيجة في نشرةِ الأعراض الجانبية لزيادة الجرعة .. القصة أنني لم أمت دخلتُ في غيبوبةٍ لمدةِ أربعةِ أشهرٍ طلبتُ من المحيطين بي ألا يكذبوا فأنا أصدّق كل شيءٍ وأنا لا أكذب…

كنتُ أصرخُ في وجههم لا تكذبوا إنني أصدّقُ كلّ شيءٍ.. لا أحد يفهم مابي فأنا الطيبة المرحةُ الهادئةُ تحولتُ فجأةً إلى امرأةٍ سكرانةٍ تبكي دون هوادةٍ وذلك بسبب المواد الكيميائية المتراكة في قشرة الدماغِ.. كانت ذاكرتي على أشدها كحقلِ الألغامِ تتذكرُ كلّ النّفاقِ وتصوي بها أصوات المكرُ والتسّولُ العاطفي الذي لاينتهي من حولي؛ لكن الصيدلاني لم يعد يعطيني لكسوتان لأهدأ.. كان لدي وسواس النظافة والترتيب وأكثر مايستفزني أن أنتهي من الترتيب وإضفاء روح العطر للمكانِ حتى تأتي إحداهنّ وتنزعُ كلّ ما قمتُ به.

حين كنت طفلة أذكرُ مرّةً بعد انتهاء الشطف استفزني أخي وبدأ ينقّش بدعساتهِ الموحلةِ ليراقب ردة فعلي نزلت أمي من أعلى الجبل الذي كانت تقطفُ فوق سفوحه الزعتر البري لتتأكد أنّ أحداً لم يمت واجتمع جيراننا بسرعة البرقِ على صوتِ صراخي الذي أعلنَ عن موتٍ ما.. كنتُ الطفلة التي تغفو على آخر صفعةٍ للبابِ لأشعر أن الجميع قد وصلوا فأخلد للنومِ بسلامٍ؛ لكنني تزوجتُ بعائلة الفوضى الخلاقة.

نكمل مع تجربة الانتحار كنتُ أموتُ أمامَ نفسي كلّ يومِ، وأبكي علي أتذكرني حين كنتُ أفرمُ باقات البقدونس حينَ كنتُ أطبخُ كبّة السّلقِ أتذكرني حين كان لدي حياة.. أصابعي ترتجف وجلدي يضمر أوبّخ كلّ من حولي بكلماتٍ قاسيةٍ جارحةٍ وحينَ أستيقظُ يعاتبونني فأتهمهم بأنهم يكذبونَ؛ لأنّ قشرة الدّماغِ لاتسجل فقط توبٍخ (ألزهايمر)
أذكر أنني بقيتُ سنتين بقمة السعادةِ عيوني جميلة وابتسامتي أجمل الغريب أن كل من كان يحاولُ أن يستفزّني كنت أرنّ ضحكتي كجرسٍ فيصعقون.. أسمع الإهانات لكن لا أستجيب أنا لا أشعر بأي إحساس.. لاحزن ولافرح لاذاكرة لاروح لاشيء.. حزنتُ مرّاتٍ على سعادة الناس الذين يشترون الطعام واللباس أشفقتُ عليهم كم كانوا فقراء ومساكين إنهم يجوعون، أما أنا فقدت رغبتي بكل مافي الحياة.. حاولتُ جاهدةً أن أعود لي…
كنت قد ابتعدت عن العزف على العودِ عشر سنوات وأكثر.. بدأت أستعيدُ ذاكرة أصابعي وأغني ونجحت؛ صرتُ حاضرةً بكلّ هذا الحزنِ النبيلِ لوحدي.. متُّ بعدها مرّاتٍ ومرّاتٍ قراتُ كثيراً كثيراً.. كتبتُ قاومتُتني وقاومتُ هزائمي كبلادٍ ترتفعُ على عرشها، واكتشفتُ أنّ أسرارَ القوّةِ بي وحدي، وسرّ سعادتي بجوهري وحدي، السرّ أن أموتَ ولكن أن أخلقَ ذاتي من جديدٍ من أصابعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى