أوراق الخريف.. الأُرجوحة (1)

شرين خليل | المنصورة – مصر
أمام المرآه وقفت انظر لنفسي وأتأمل ملامحي وهيئتي فاليوم هو يوم زفافي حقاً فأنا رائعة الجمال مِثلما يقول أبي، ارتدي ثوب الزفاف هذا الفستان الأبيض الرائع الذى اختاره لي أبي وقال لي وقتها :أنتِ أميرة وهذا رداء الأميرات ..
-بل أنت من جعلتني أميرة يا أبي..
لأول مرة في حياتي أضع هذه المساحيق لم يساعدني أحد سوى عمتي وابنة عمتي فأنا وحيدة توفت أمي وأنا طفلة رضيعة . عشت مع أبي الذي أفنى حياته من أجلي الأستاذ ربيع داوود مُعلم اللغة العربية ومُربي أجيال. الكل يحبه ويحترمه فهو مخلص في عمله بشدة.
رفض الزواج من بعد وفاة أمي وعكف على تربيتي حتى انتهيت من دراستي وأصبحت معلمة لغة إنجليزية فأنا أحببت هذه المهنة بسبب أبي الذي ،تعلمت منه أشياء جميلة مثل الإخلاص والتفاني في العمل وحب الناس ومساعدة الآخرين .. كانت حياتي بسيطة مليئة بالحب والحنان لم يُقصر أبي في تربيتي ، كان هو الأب والأم والأخ والصديق. عمتى رجاء دوما بجانبي تساعد أبي في كل شيء على الرغم من أنها لديها أسرة كبيرة ومسؤليات جمة إلا إنها كانت نعم العمة لي والأخت لأبي لا يوجد لها مثيل في الحب والعطاء..
سأفتقدها كثيراً فأنا سأسافر مع زوجي إلي الخليج فهو يعمل في شركة كبيرة وله مركز مرموق كنت رافضة فكرة السفر ولكن أبي أقنعني بأن أكون بجانب زوجي وأيضاً لدي فرصة رائعة للعمل هناك ..وزوجي يستحق بأن أكون بجانبه فهو مثل أبي وأنا أحببته عندما وجدت فيه صفات كثيرة تشبه أبي ..هو أخو صديقتي هناء صديقة عمري وطفولتي وكل أيامي وأنا في انتظرها الآن لكي تضع لمساتها الآخيرة وتقول رأيها في كل شئ قبل أنا أخرج للحفل ..
وها هي هناء تطرق الباب ..
دخلت هناء وهي تتراقص من الفرحة وتغني: إنزل ياجميل في الساحة ..
-إيه يابنتي هو عيد ميلاد وبعدين إتأخرتي ليه؟
-أولاً :دا أهم يوم دا فرح صديقتي وأختي أشرقت واخويا الغالي هشام ولازم أغني فيه أحلى الأغاني .
ثانياً: إتأخرت عشان أنا أخت العريس ولازم أجهز نفسي وأكون قمر زيك كده ياقمر مش يمكن ألاقي عريس في الفرح دا أنا كمان واحصلك ..
-إن شاء الله تلاقي عريس يتحمل جنانك دا ..
-مش أنا كنت سبب في معرفتك هشام شوفي لي بقي عريس يتحمل جناني زي ماهشام إتحمل جنانك هو في واحدة عاقلة تقول لجوزها عاوزه مرجيحة في الشقة ..
– يابنتي دا عين العقل إنتِ بس اللي مش على قدر كافي من الوعي .
-لا بلاش الكلام الكبير بتاعك دا أنا عارفه إنك ست العاقلين بس موضوع المرجيحة دا اللي حيرني نفسي ألاقي تفسير لعلاقتك بالمرجيحة من صغرك وأنتِ عندك مرجيحة في أوضتك وعمرك ماسمحتي لحد أنه يلمسها حتى.
-دي حكاية جوايا بعدين هابقى أحكيهالك.. دلوقتي بس قوليلي رأيك فيا..
-طبعاً قمر ومش محتاجة رأي حد ..طول عمرك بسيطة في كل حاجة وجميلة وبصراحة فستانك تحفة..
-اختيار بابا طبعاً لازم يكون تحفة..
– عمو ربيع إنسان رائع بقولك ممكن اتجوزه..
-لا طبعا ريحي نفسك هو ماتجوزش من بعد ماما ومش هايتجوز..
-ليه بتقفليها في وشي ..
-هو عاش بدون جواز عشان خاطري وأنا كمان ماكنتش عاوزه أتجوز واسيبه بس هو قالي إن دا شئ هايسعده إني اتجوز ويكون له أحفاد..
هناء؛خلي بالك من بابا وابقى اسألي عليه..
– أشرقت حبيبتي أنا بهزر معاكي مالك كده صوتك فيه نغمة حزن وشايفه الدموع في عينيك..
-الوضع صعب عليّ جدا ياهناء ..
-لا بقولك ايه انسي كل حاجه دلوقتي وعيشي اللحظة ولازم تفرحي عشان باباكي يفرح وتملي عليه البيت ولاد ولو خلفتي بنت تسميها هناء ولو ولد يبقى هناء بردو ايوا كده اضحكي ..
-أنا بحبك ياهناء إنتِ فعلا أخت وصديقة مخلصة وكفايه إنك هاتكوني عمة أولادي .
عارفه أنا نفسي فعلا يبقى عندي ولاد كتير عشان بابا يفرح بس لو بنت هاسميها سمية على اسم ماما الله يرحمها ولو ولد طبعاً هايكون ربيع ..
-ربنا يحقق لك كل اللي نفسك فيه يا أشرقت إنتِ تستاهلي كل خير ويلا بقى عشان هشام وصل أنا سمعه صوته وهاغني لكو اغنية الأفراح هو أنا عندي أعز منكو :

دقّوا المزاهر ياالله يااهل البيت تعالوا
جمّع ووفّق والله وصدقوا اللي قالوا
عين الحسود فيها عود يا حلاوة
عريس قمر .. وعروسته نقاوة
واحنا الليلة دي كدنا الأعادي
ودي العريس اسم الله على حسنه وجماله
قيدوا الشموع واتهنّوا الليلة
عقبالهم كل حبايب العيلة
تبقى السعادة سكّر زيادة
قولوا معايا ان شاء الله يا ربّي يخلّيها له
استمرت هناء في الغناء ودخلت عمتي وصديقاتي وشارك الجميع هناء في الغناء حتى حضر هشام وبدأت مراسم الزفاف الفعلية ..
أبي سعيد وهناء تراقبني عندما تشعر بهدوء ملامحي وحيرة نظراتي تهمس في أُذني بأي شيء يجعلني أبتسم تارة تقول لي : مفيش عرسان في الفرح دا ولا ايه؟؟ وتارة أخرى تقول لي : عاوزه اقرصك في ركبتك عشان احصلك في جمعتك والورد دا هاخده من دلوقتي ..
كانت بجانبي طيلة الوقت وكأنها أختي التي لم تلدها أمي ..
انتهى الزفاف وذهبنا إلى أحد الفنادق وفي اليوم التالي سافرنا إلى إحدى القرى السياحية وكأنها مرحلة تدريب على السفر لأنني لم أفارق أبي منذ ولادتي..
عُدنا إلى المنزل من الرحلة الصغيرة لنستعد إلى الرحلة الكبيرة ..
فلقد حان الموعد موعد السفر.. قلبي يتمزق لأول مرة أُفارق أبي واتركه وحيداً.
ذهب معنا إلى المطار وهو يحاول إخفاء حزنه ودموعه التي أراها في عينيه..
حاولت أن أتماسك ولكن غلبتني دموعي.
ضمني إليه وقال: هذه العيون الجميلة لم تُخلق للبكاء بل لترى النور وتنظر إلى الحياة بحب وتفاؤل..لا تبكي يا أميرتي ولكن ابتسمي فأنتِ مُقبلة على حياة جديدة ومرحلة مختلفة وأريد أن أرى الإنجاز الذي أعددت له طيلة السنوات الماضية ..
فأنتِ رسالتي العظيمة في الحياة وأريد أن أرى انجازاتك ونجاحك..
لن أقول لكِ الوداع ولكن سنلتقي قريبا ..
في رعاية الله ياابنتي..
ذهب أبي ودخلت مع زوجي إلي المطار بخطى ثقيلة اتقدم خطوة وأشعر بأني أتراجع خطوات..
جلسنا في الإنتظار وبداخلي أمنية أن تُلغي الرحلة وارجع إلي أبي..ولكن جاء النداء بالصعود إلى الطائرة.
زوجي يمسك بيديّ وكأني طفلة صغيرة يخاف عليها أن تترك يده وترحل..
صعدنا إلى الطائرة..
جلست على المقعد وزوجي بجانبي يربت على كتفي ليُخفف عني ويواسيني ويخبرني أنها ستكون فترة قصيرة وسنعود ..
بدأت الطائرة في الإقلاع وبدأت دموعي تتساقط وكاد قلبي أن يتوقف ولكن هشام لم يتركني في هذه الحالة : أشرقت إنتِ أقوى من كده ولازم تثبتي لبابا إنه عرف يربي إنسانه شخصيتها قوية ..أنا عارف إن الغربة صعبة وكلنا في البداية كنا كده .تعرفي كنا بنقعد نغنى ونعيط ونقول:
وإحنا فايتيين عالحدود
مستمرين فى الصعود
إختفى النيل الجميل من تحتنا
و المدن و الريف و اول عمرنا
وإبتدى شئ ينجرح جوا الوجود
و إبتدينا أسئلة مالهاش ردود
ملنا عالشباك نخبى دمعه فرت مننا
ملنا عالشباك نخبى دمعه فرت مننا
بصه م الشباك على البحر البعيد
و إحنا رايحين بالأمل عالم جديد
قبل مانسيبك وحشتينا يامصر يا أمنا
قبل مانسيبك وحشتينا يامصر يا أمنا..
لكن دلوقتي اتعودنا وبقى أمر عادي جداً. وبعدين في السفر سبع فوايد وأولها إنكِ هاتكوني معايا وإن شاء الله هانخلف سبع عيال عشان تنسي اسمك..
-سبع عيال !!؟؟
-سبع عيال ولن اتنازل ..بس ايه رأيك في صوتي كل ماهاتعيطي هاغني لك بصوتي دا عشان تضحكي اضحكي خلى النور يهل من عينيكي خلي الشمس تشرق ياأشرقت
ابتسمت له والآسى يملأُ قلبي فأنا اليوم شعرت حقاً بأني يتيمة ولكن هشام لاذنب له .حاولت إخفاء حزني وبدأت الطائرة في الهبوط ووصلنا إلى مقرنا الجديد وحياتنا الجديدة ومن هنا بدأت أشياء كثيرة تتغير بداخلي مع هذه الحياة الجديدة..