حول تاريخ قبر النبي ودجل الصور المتداولة
خالد جمعة | فلسطين
الكثير من الضلالات التي تنتشر مع بداية شهر رمضان، منها نشر صور قبر النبي من الداخل، وهذا دجل تثبته الوقائع التاريخية التي حدثت منذ وفاة النبي إلى اليوم، فلا توجد صورة واحدة صحيحة للقبر، بل من المستحيل وجودها، بسبب أن القبر موضوع في غرفة مصمتة لا أبواب لها، ولا شبابيك، ويغطيها سقف، وذلك لمروره عبر تحصينات كثيرة عبر تاريخ الخلفاء والدول المتعاقبة.
لم تفتح هذه الحجرة منذ بنيت في عهد عبد الله بن الزبير غير مرتين، في ولاية عمر بن عبد العزيز على المدينة المنورة بين 87-92هجرية، والثانية في عهد المملوكي الملك الأشرف قايتباي سنة 901 هجرية.
بعد طعن عمر بن الخطاب، وقبل أن يتوفى، استأذن عائشة في أن يُدفن بجوار صاحبيه، وكانت عائشة قد أعدت المكان لنفسها لتدفن فيه، فأذنت له، وكانت قبل دفن عمر بن الخطاب، تعيش في نفس الحجرة التي دفن فيها النبي وأبو بكر، لكنها بعد دفن عمر لم تكن تستطيع التصرف بحرية، فأقامت جدارا قصيرا بينها وبين القبور الثلاثة، إلى أن توفيت عائشة عام 58 هجرية، ودفنت بالبقيع وأغلقت الحجرة النبوية تماما، لكنها كانت غرفة لها باب، حتى جاءت سنة 64 هجرية، حين أصبح عبد الله بن الزبير خليفة على مكة والمدينة بعد خلافه مع بني أمية وخلافتهم في الشام، فهدم غرفة عائشة التي تتواجد فيها القبور الثلاثة، وبنى حجرة مصمتة ولها سقف، وكان هذا أول حاجز للقبر النبوي.
في عام 87 هجرية، تولى عمر بن عبد العزيز ولاية المدينة المنورة، وفي ليلة شديدة المطر، سمع المصلون خبطة كبيرة آتية من تجاه قبر النبي، ويقول عبد الله بن محمد بن عقيل أنه شاهد جدار الغرفة وقد انهدم، فدخل من جهة الهدم وبدأ بالصلاة، إلى أن أتى عمر بن عبد العزيز مع مجموعة من الناس، وأمر البنّاء ابن وردان ببناء الغرفة كما كانت، أي مصمتة، وظل واقفا طوال فترة البناء ومعه كبار المسلمين، وأثناء الحفر لبدء البناء، ظهرت قدم من أحد القبور، فارتعد الموجودون ظنا منهم أنها قدم الرسول، فقال عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر: أيها الأمير، لا يروعنك، إنها قدم جدك عمر بن الخطاب، ضاق البيت عنه فحُفر له في الأساس.
بعد الانتهاء من بناء الحجرة على شكلها الأول، أمر عمر بن عبد العزيز بإقامة حجرة خماسية الأضلاع تحيط بالحجرة الأولى، وبهذا أصبحت الحجرة محاطة بجدارين حول محيطها.
في زمن السلطان نور الدين محمود زنكي، تم القبض على اثنين من الصليبيين متنكرين في زي التجار، بعد اكتشاف سرداب يحاولان بواسطته نبش قبر النبي، فأمر السلطان بإعدامهما، وأمر بحفر خندق حول الحجرة الخماسية، وصب فيه الرصاص، وبهذا أحيطت الغرفة بجدار ثالث تحت الأرض من الرصاص.
وفي عهد السلطان الملك الأشرف قايتباي، المتوفى سنة 901 هجرية، اكتشف العاملون في المسجد النبوي تصدعا في الجدار الخماسي الخارجي للحجرة النبوية، فاستدعوا عالما يدعى نور الدين أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن السمهودي، الذي سجل في كتابه “وفاء الوفاء” تفصيلا للأبعاد والمساحة والمواد داخل الحجرة، وقام باستدعاء أحد البنائين المحترفين لاستشارته في ترميم الشق أو هدم الغرفة وإعادة بنائها، فأشار بإعادة بنائها، خصوصا بعد أن اكتشفوا أن الجدران الداخلية مائلة على بعضها وآيلة للسقوط.
تم هدم الغرفة الخماسية الخارجية، والغرفة الرباعية الداخلية، وبناؤهما من جديد وسط حراسة مشددة على البنائين، وكانت هذه هي عملية البناء الثانية والأخيرة.
بعد ذلك تم إضافة غرفة رباعية الجدران تحيط بالغرفتين الأصليتين، ولكن هذه الغرفة كانت بأبواب وشبابيك، وهي الموجودة إلى اليوم.