ما وراء البشر.. آفاق وتحديات!

د. محمد السيد السّكي | استشاري تحاليل طبية وكاتب وروائي مصري

في ظل التطور الرهيب الذي تشهده صناعة الروبوتات وما يرافقها من تنامي وازدهار ذكاء الآلة ، فإنه تتعالى الأصوات والطاقات المحفزة لاكتساب الانسان قدرات متطورة تفوق قدراته الطبيعية، ليصبح لدينا انسان ذو قدرات خارقة superhuman، بل اننا أيضا نجد ان التيارات الفلسفية الداعمة لذلك التوجه تشق طريقها بقوة ليتولد لنا مفهوم ماوراء البشر transhumanism.
لقد أصبح الآن الذكاء الاصطناعي يجتاح ببراثنه الخفية عالمنا التكنولوجي و نجده حاضرا في مشهد التمدن وعصر المعلومات..
انه لشئ طيب ان نجد ازدهاراً في صناعة الانسان الآلي ليقوم باعمال يعجز عنها البشر ، فعندما يسبح في شرايين الانسان ليقوم بالتصوير الداخلي للاعضاء ويقوم بالجراحات الدقيقة ، فيساهم في رفع معاناة الناس وآلامهم فان هذا يمثل نقلة نوعية وحضارية ، وأيضاً عندما يقوم الروبوت برفع الاشياء الثقيلة او أداء الأعمال الصعبة ، فان هذا كله يدفع الي مزيد من إنتاج الأفضل والاذكي من الروبوتات..
اعلم انك تحلم وتتمنى ان يكون عالمك المحيط كله تحت امرك ، و يمتثل لك في كل ضغطة زر وتدير ماحولك عند بعد..
اعلم انه يسيطر عليك طائف الكسل ، فلا تريد أن تفتح باب دولابك لاستخراج ملابسك بل تريده ان يمتثل لصوتك وامرك بفتحه ، شأنه كتليفونك المحمول وتلفاذك الذي تريده أيضا ان يمتثل لصوتك . تريد أن تعيش في عالم مرتبط مع بعضه البعض في شبكة معلوماتية غاية في الذكاء تشعر معها بالرضا الداخلي النابع من الاحساس بأنك سيد لهذا الكون..
لكن هذا الميل واذ انه يمثل لك الرفاهية الا انه يحمل في طيّاته طغياناً من نوع جديد هو طغيان الآلة والتي ربما مع زيادة مقدار ذكائها فانها قد تتمرد عليك ، ومن هنا فان التيار المنادي بضرورة عدم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يعلو صوته بغرض رفع قدرات الانسان نفسه من خلال كثير من الوسائل، كالتعديل الجيني او بتوصيلات معدنية ذكية تعمل محل اطرافه او ببدل ذكية تكسبه قوة فوق قوته او بشرائح متطورة تزرع في مخه فتزيد من ذاكرته وقدرته العقلية..
وفي هذا الشأن فان الأبحاث المتصارعة والتي تمكنت من عمل موائمة بين الكربون البشري والسليكون، اتاحت إنتاج شريحة يمكنها عمل ترابط عصبي مع المخ واكسابه قدرات خارقة..
كما أن هناك الأطراف الصناعية الذكية والتي يمكن أن تتصل عصبياً بالإنسان وتمتثل لاوامر مخه العصبية فيصبح لدينا سوبر مان يجري فلا احد يسبقه ويقفز فلا شئ يعوقه..
ليس عجيب الآن ان ترتدي عباءة تتكون من مواد metamaterials قادرة ان تمتص جميع الموجات الضوئية فتجعلك تختفي عن أعين الناس. فربما تفاجئ بجيش يدخل بلادك بتقنية الاخفاء تلك cloaking مثلما ترى الطائرات القادرة على التخفي من اللادرات stealth technology ، لأنها مطلية بطلاء يمتص جميع موجات اللادار فلا ترتد الى الراصد الأرضي..
ان التقدم الذي تشهده صناعة الروبوتات تقدم مذهل ، فقد ترى روبوتاً صغيراً يشبه نحلة صغيرة يطلق عليك رصاصة في رأسك او يصور فناء منزلك. كما أن أبحاث إنتاج ” الانسان السوبر” الذي يقاوم الأمراض ويتكيف مع ظروف الطقس تقفز في كل يوم قفزات..
لن يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الوحيد الذي يتباهى بأن حراسه متكيفون مع الطقس حرارة وبرودة، اذ اننا على أعتاب عالم ماوراء البشر !
ان التطلعات في مضمار السباق مابين الروبوت والسوبر مان ربما ستجرفنا بسرعة كرياح عاتية نحو منحدر شلال مثير..
وكما ان الذكاء الاصطناعي يشكل احد ركائز الحروب القادمة، فان الانسان الخارق لن يقل دوره فيها كوسيلة قتل ودمار. فاذ انه الآن بفيروس سيبري يفقد قائد السيارة او الطائرة القدرة على التحكم فيها ، سيكون بوكزة من الانسان السوبر ذو الأطراف الصلبة القدرة على اختراق الجدران..
ومابين تطلعات محمودة ، و أجهزة رصد تقيد حرية الناس وتعزز القبضة الأمنية للأنظمة القمعية ، ووسائل قتل ودمار ، وعالم تختفي فيه الناس عن الانظار ، فإنه تلوح للافق تحديات اجتماعية ونفسية وأخلاقية تلوّح بيديها معلنة الرفض والتحجيم وضرورة وضع حدود لذلك السباق المرير..
ويبقى الله واضع الميزان والاتزان ولا يبقى شئ إلا ويجمع مابين المنفعة والدمار..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى