حكايا من القرايا.. سعاد تعانق الشمس
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
سعاد ابنتنا جميعاً… أو قل أختنا جميعاً… سعاد يا جماعة الخير… الله يصبحكم ويمسيكم بالخير… سعاد تحولت من جسد وروح إلى فكرة… واستحالت الفكرة قيمة… وترجمت القيمة إلى ممارسة… والممارسة إلى عادة… قد نتقبلها أو نرفضها
كانت سعاد ترسم الشموس كل فجر، تعانقها كل ضحى… ممشوقة القد… طويلة، كأن عينيها بحيرتان… ووجهها قرص جبن بلدي أبيض… كل من رأى تلك الشابة على الأرض، صلى على محمد وآله خوف الحسد… ما من شاب قصد الزواج إلا زار بيت أهل سعاد… وكأن سعاد هدفاً للسباق عليها والمنافسة في كسبها… والبنت تريد متابعة دراستها… فترفض الواحد تلو الآخر… وفي يوم من الأيام وأثناء زيارة أسرة العم، لمحته كان شاباً، ترى البِشْر في وجهه… له حضور أو هكذا رأته… ناقشها في مواضيع دراستها… وناقشته في حياته الجامعية… ويبدو أن تياراً كهربائياً هزّهما… وأن بوتقة كيماوية ذابا فيها أو كادا… في الزيارة الثانية زادت جرعات النقاش، وزاد التيار… وفي الثالثة همس في أذنها: أنه يحبها… ويريد الاقتران بها، حال تخرجه… عرض مقنع… يخلق طاقات إيجابية… ما أسرع ما اختلت بأمها، وناولتها السر…! وترقبت الأم الليل على أحر من الجمر، لتضع سرها في أذن الزوج… وأعلن الزوج السر على مائدة الإفطار… فحمله ولداها وابنته الأخرى أخت سعاد… فرح الجميع بالخبر… قالت الأم: ابن العم بنزّل بنت العم عن الفرس… وقال الأب: ابن العم لو أكل بنت العم فإنه لا يمضغها… والظفر لا يخرج من اللحم… وكتم الجميع السر… وسليم العريس يتابع دراسته، وسعاد تتابع دراستها أيضاً… والعرسان يزورون ويُرفضون بحجة متابعة سعاد للدراسة…
أم سعاد وطّدت العلاقات مع سلفتها، وزادت الزيارات بينهما، وكثرت الزيارات الأخوية… وتعززت العلاقات… والعروسان يتحدثان بصمت مع بعضهما بعضاً وبشفاه خجولة… والجميع بشكل مباشر وغير مباشر يتابع نجاح سليم الجامعي من سنة إلى أخرى… وأم سعاد تتخيل الفساتين التي سترتديها يوم الطلبة… وليلة جبلة الحنا… ويوم العرس وفي التعليلة… ويتخرج سليم… تتوالى الزغاريد والتهاني والتبريكات… وكأن العرس قد اقترب… وسعاد تضع رجلها على عتبة الجامعة… بعد أن حققت علامات عالية…
إبليس هناك… لعنة الله على إبليس، وعلى أقاربه من البشر… في ليلة ما فيها ظي قمر، اتصل أبو سليم بأخيه، أبو سعاد استبشر خيراً، واعتقد أنه سيطلب موعداً ليطلب يد سعاد للعريس سليم… لكن صوت أبو سليم المبحوح لا يشي بخير… دعاه إلى جاهة سليم (الله لا يسلم فيه مغز إبرة) لطلب بنت (أبو مفلح)، دعاه بصوت خجول بل مخزي… اسودّ وجه (أبو سعاد)، ودمعت عيناه أو كادتا… تجمعت عليه الأسرة، وعلمت الخبر… وسعاد؟ قالت الأم… حاجزينها كل هالمدة وغدروا فينا… حسبي الله عليهم… الله لا يسامحها أم سليم اللعينة… عمرها ما كانت محضر خير… بعد العشاء علمت سعاد بالخبر… بكى القلب، وكادت الشرايين أن تتقطع… ولكنها تماسكت كشجرة الجمّيز… وقالت: الله لا يرده… كل شيء قسمة ونصيب… واللي جابه برزق غيره… خطب سليم سارة بنت (أبو مفلح) شهراً كاملاً… أو شهرين، ولم يتم اتفاق بينه وبين خطيبته… فطلقها… أو طلقته بالأحرى… حاول الرجوع لطلب يد سعاد وترميم ما أحدث من فساد… رفضته سعاد، وعلّمه أخوها محمد درساً في الرجولة… وتعامل الرجال مع الرجال… حتى احمرّ وجهه، وتمنى الله لم يخلقه، واعترف أن العجوز الشمطاء هي من وقف في وجه زواجه من سعاد… وأنه احتج وأضرب عن الطعام، لكنه لم يستطع مقاومة أمه… بعد أشهر من انتظار سعاد… ورفضه المرة تلو الأخرى… تزوج عريس البرمبة… ورقصت أم سعاد في فرحه، وكأن حلاوة روحها رقصت بها… ولم تظهر أي إشارة اهتمام لا بعرس ولا بعريس الغفلة… وحضر والد سعاد العرس… أخواها لم يحضرا… وأحد أعمام سعاد بقي عندها يتحدثان معا طيلة فترة سهرة العرس… تزوج العريس… وسعاد تنتظر نصيبها…