كابوس العجز المقيم

د. مصعب قاسم عزاوي

الإحساس بالعجز المقيم وعدم القدرة على التغيير في وجدان وخاطر كل عاقل يؤلمه الآلية التي يسري فيها مجتمعه، إحساس صائب وفي موضعه ولا غبار عليه، وذلك لأن قدرات أي فرد مهما عظمت في كمها أو نوعها غير قادرة على مقاومة أدوات واستطالات شبكات الهيمنة في المجتمع، والأدوات التنفيذية الهائلة في جعبة المتحكمين بمفاصل الحل والعقد في المجتمع ومصادر الثروة والسلطة فيه؛ ولكن ذلك لا يعني أبداً استحالة اختراق جدر الهيمنة في المجتمع، إذ أن التاريخ يومي دائماً إلى أن قلاع الهيمنة لا تستطيع الصمود غالباً في وجه إرادات جحافل بني البشر من المظلومين المقهورين حينما يتلمس أولئك المعذبون طريقاً لحشد وتنظيم أنفسهم في جسد اجتماعي واحد يتوازع فيه الأفراد أدوار أعضاء الجسد برأسه وقدميه وذراعيه، بحيث يتحرك ذاك الجسد المجتمعي في ضالة واحدة تتمثل في تهشيم قوى الهيمنة.
وبمعنى آخر فإن السبيل الوحيد للتغيير في المجتمع يتمثل في استقالة الأفراد من أي حلم بإمكانية إحداث أي تغيير اجتماعي من خلال الاجتهادات الفردية، وأن التغيير لا يمكن أن يحتمل تحققه دون استبطان الطامحين إليه بأن سبيلهم الأوحد لتحقيق ذلك هو «الحشد والتنظيم» لقواهم الفردية في جسد اجتماعي يسعى باتجاه ذلك التغيير، ويستعد لمقاومة رد فعل قوى الهيمنة على ذلك الفعل بأشكال وتلاوين تكيفية لا بد أن يكون أهل وأبناء كل مجتمع أدرى بشعابها، مع التأكيد على أن الأولوية تكمن في الدفاع عن لحمة وتماسك ذلك الجسد الاجتماعي عبر استبصار كل الأدوات المتاحة لدرء تهتكه وتداعيه واختراقه وهو ما سوف تسعى لتحقيقه قوى الهيمنة دائماً وأبداً.
ولا يمكن التقليل من جلل تلك المهمة الكأداء خاصة في ضوء «التعضي الشيطاني المهول» لوسائل القمع التي لا تجد الكثير من الفئات المهيمنة في غير موضع من أرجاء الأرضين أي ضير في استخدامها، كما هو الحال في جل المجتمعات العربية، والتي بز مستبدوها كل عتاة القهر والعسف القدماء والمعاصرين منهم «بإبداعاتهم الأمنية»، ووسائل تعذيبهم، وأقبية ودهاليز فروع استخباراتهم، وعديد جلاديهم، ومخبريهم، وعسسهم، وبصاصيهم، ولكن ذلك لا يعني استحالة الاجتهاد من أجل «حشد وتنظيم» إرادات وطموحات المقهورين المستضعفين، وهو الاجتهاد الذي لا بد أن يكون «هادفاً وحاذقاً» ومبتعداً عن احتمال تحوله إلى «تضحية مجانية» على مذبح «الدولة الأمنية»؛ وهذا يعني أن الاجتهاد يجب أن يكون حريصاً ومثابراً ومستبصراً بالكيفية التي يمكن فيها أخذ «الممكن راهناً» إلى أقصاه، ومدركاً بأن الرافعة والإناء الاجتماعي للبنى الأساسية للحشد والتنظيم تكمن في مبدأ «العمل النقابي» الذي يجمع الأفراد من أولئك الذين لا خيار لهم سوى بيع قوة عملهم وتأجير أنفسهم بساعات محدودة خلال اليوم لمن يرغب باستغلالهم، وهم الأفراد الذين أن لا بد أن يكون لديهم الكثير من الأهداف المشتركة التي يتلاقون حولها وتنطلق من جوهر كينونتهم «كعمال مأجورين»، وهي الأهداف المشتركة التي في غالب الأحايين سوف تكون أهدافاً ملموسة عيانية مشخصة من قبيل تحسين شروط عملهم، وأجورهم، وحقوقهم في الإجازات، والطبابة، و المعاش التقاعدي، وغيرها، ودون كثير من الحمولة «الإيديولوجية» التي يختلف البشر حول صلاحيتها وصوابيتها، و ما فتئت تبعدهم عن إدراك ضالاتهم المشتركة. وذلك التصور يحيل العمل النقابي ليكون أهم الروافع الأساسية التي لا بد من الاتكاء عليها في سياق أي اجتهاد «لحشد وتنظيم» جحافل المفقرين المقهورين في المجتمع للسعي باتجاه تغيير موازين القوى وقلب مفاعيل الهيمنة في المجتمع.
ومن ناحية أخرى فإن تأصيل التنوير والعقلانية والرشاد كجزء من الأدوات المعرفية لجحافل المقهورين المفقرين لتكشف أسباب بؤسهم في حيواتهم، وانغلاق آفاق مستقبل أبنائهم، يمثل جهداً واجباً على كل قادر عليه لما له من أهمية جوهرية في استنهاض قدرات العقل البشري الاستثنائية في كينونة أي من أولئك المقهورين المستضعفين، وتمكينهم من الأدوات المعرفية التي طالما سعت الفئات المهيمنة لإبعادهم عنها وحرمانهم من إدراكها، وإيهامهم بأن الحياة مختزلة في مثلث السعي لتحقيق الثروة، ومن ثم الاستهلاك، لإدراك المتع اللحظية السطحية التي ليس سواها من أهداف في الحياة الدنيا. وهنا يبزغ دور وواجب التنوير بكونه مهمة واجبة أسها كشف الحقائق المستبطنة التي تحاول قوى الهيمنة إخفاءها، ومحاولة تقديم كل المعارف التي تسهم في تأصيل الاستنارة بشكل ميسر ومبسط يجعلها في متناول كل راغب باستبطانها وتحويلها جزءاً من أسلحته الدفاعية المعرفية في وجه أدوات الهيمنة ومفاعيلها التضليلية التي تسعى دائماً لإخفاء الجوهر الحقيقي لأسباب بؤس حيوات المفقرين المستضعفين، محيلة إياه إلى تقاعسهم وتكاسلهم عن السعي لإدراك مثلث الأهداف السالفة الذكر. وهنا يصبح التنوير مدخلاً تأسيسياً لا بد منه لأجل زيادة فرص «حشد وتنظيم» الجسد الاجتماعي في إدراك أهدافه،وتوطيد إمكانيات صموده الصابر المصابر المتعقل الرشيد في معركته الوجودية السرمدية في مواجهة قوى الهيمنة وتلابيبها من طغاة ومستبدين وجلادين ووعاظ سلاطين.

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. ليس هناك شيء جديد في هكذا “نص” أو “شقفة نص” تعميمي جدا ، فكرته الأساسية تم التعبير عنها وبعمق وتفصيل أكثر العديد من المرات منذ قديم الزمان في نصوص كلاسيكية وحتى في أبيات شعرية من مثل (تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا … وإذا افترقن تكسرت آحادا) ، لكن المشكلة الكبرى مع هذا النوع من “النصوص” العربية تكمن في افتقارها كليا الى التوثيق والمصادر ، مجرد اجترار وتكرار رتيب لما سبق دون أي إشارة إلى الأصول في بضعة مقاطع ينظر اليها على انها “نص” جدير بالقراءة ؛ كما كتبت في مكان آخر ، لا اعرف متى يرتقي العرب إلى مرتبة البشر

  2. على قول أحد المعلقين ،، تعميمات ما أنزل الله بها من سلطان ؛ بالإضافة إلى الاجترارات والسرقات والانتحالات كما أشار المعلق الأول ، والأسوأ من كل هذا أنها مدرجة في قسم (الفكر) .. لسا نعيش ونشوف

  3. نديم بركات: في كل ما تعلق به في ها الموقع التنويري ترى بأن العرب لما يتعلموا أن يصبحوا بشراً، على الرغم من أن أنك من الناطقين بالعربية على ما أظن. وفق منهج التحليل النفسي الفرويدي ومنهج إريك فروم للتحليل النفسي الثقافي فلديك عقدة احتقار عميق للذات و للبيئة التي نشأت فيها تريد تعميمها على الآخرين.
    و من ناحية أخرى ما دمت ترى بأن كل ما يكتبه العرب غثاء و رغاء و تكرار و اجترار لا علمي فلماذا لا تشمر عن زنديك و ترينا باجتهادك و قلمك الذي لم يكتب كلمة مفيدة من قبل كيف يجب أن يكتب العرب و ينتقلوا إلى مرحلة الحيوانات إلى مرحلة البشر كما تراها، إن لم تكن تبصر ذلك التحول فقط انبطاحاً و تخاذلاً و نكوصية إلى مراحل صبيانية طفولية و غيرها من التنكسات الفرويدية النتنة.

    بالمناسبة ما علقت عليه الأغلب أنك لم تفهم منه شيئاً فهو فعلاً يرى بالنقابية واستنهاض المجتمع المدني الوسيلة الوحيدة للخروج من قمقم العجز المقيم الذي يبدو أنك غارق فيه إلى حد الثمالة المتعفنة.

  4. لا أعرف أي شخص من المعلقين ولكن أتفق بالكامل مع المعلق الأول والمعلق الثاني فالنص متل السابق عباراته مسطحة بشكل واضح ويخلو بالكامل من المصادر نص ملفلف من الدرجة ال 13 على قولات الإنكليز المعلق الأخير يتكلم عن النفس ولا يدري بأنه من ورا كل كلمة يكشف عن نفسه صاحب النص الملفلف فمين بينفعل بهيك حماس عصبي ويدافع عن كاتب ملفلف من الدرجة 13 غير نفسه و ع فكرة ما حدا بيقول لبنه حامض والصلعان الأقزام شاطرين كتير بلبس الباروكات بألوان مختلفة يتكلم عن العفن والوساخة وكل كلماته توحي بأنه جاي من أوسخ القمامات المعفنة احترام الذات هو المطلوب وليس احتقارها وبعدين بيقول ما فهم شو المكتوب وما بيعرف مين اللي بيكتب نص غير مفهوم

  5. حقا هذا منبر ثقافي تنويري يستحق التقدير والاحترام لكن هذا النوع من النصوص ليس بالمستوى المقبول للأسف
    يشكر المعلقين نديم وعبدالسلام على التنويه المعلق الثالث اسلوبه ما بيختلف عن اسلوب النص من يستغبن يغبن

  6. سليم المصري : لا أعتقد بأنه يستطيع أن يقنع نفسه قبل غيره بأنه ليس (صاحب الصورة نفسه) ولكن هذا لا يهم ، ما يهم هو اتهامه بأنني لم أفهم ما جاء به من خطل تكراري ببغائي مع أنه هو نفسه لم يفهم مجرد تعليق بسيط مني ، أنا لست عربيا خلافا لتأكيده ومع ذلك أفتخر بمعرفتي باللغة العربية ، كلمة (عرب) في تعليقي ما جاءت كتعميم كما فهم محموما بنوع من (العصبية القبلية) بل كطريقة اعتبارية في مخاطبة الجزء بالكل لو يعي ذلك حقا ، ما يهم أيضا هو تناقضه الصارخ والمضحك ليس فقط في نصه الواحد ولكن أيضا بين ما يكتب في النص وما يقول في الرد ، يستشهد بفرويد وفروم ولم يظهر أي فهم حتى لأبسط ما أتيا به ، أخيرا كل ما تكلم به من عفن ودرن وقذارة واحتقار للذات مردود عليه ؛ وكل إناء بما فيه ينضح

اترك رداً على سامية الأبنوسي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى