أحاديث المخيم .. أخت  الرجال (أم  عوني)

محمد حسين | كاتب فلسطيني – سوريا

عندما  تشرب  الروح  عصير  الكرامة، يتناثر  الخوف فوق منصات  الدروب، يسقط  الطعام  في الأفواه بنكهة  الزعتر، تغرد  الذاكرة  يمينا ويسارا  كإبرة  المذياع تبحث  عن خبر غزف جميل، الليل  بدا ثقيلا جدا  كصخرة  وضعت  أوزارها فوق  صدر  سنبلة، النهار  بدا  مرتبكا  يهرب من  لونه  يختبئ خلف  أصابعه  المبتورة، الحياة  حبلى  بالمجهول  لا  أحد  يعرف  النهاية  قال  أبو عوني محدثا  أم  عوني  ذات  مساء، يبدو  أننا على  موعد  مع شيء  كبير  سيحدث في  البلاد، الكل  كشر  عن  أنيابه لدعم  (اليهود) ونحن  ليس  لدينا  غير  اللحم  الحي  نواجه  به.

أم عوني: الله  يعطيك العافية  المهم أنت والثوار ما تيئسوا وتستسلموا  لهذا  الوضع.

أبو عوني؛ والله يا أم عوني معنويات الثوار عالية وكل الناس بتقدم  دعم  لنا حسب  إمكانياتهم، واحنا  بتعرفي  عم  بنواجه  الإنكليز و (اليهود) مع  بعض  هذا  قدرنا، هذه  البلاد  لنا.. لن  نتركها.

أم عوني: تعد  العشاء  لها  ولبناتها، أبو عوني مشغول  بتنظيف  البارودة  ويهمهم.

أم عوني؛ (شوفي  يا أبا عوني  كأنك  تحدث نفسك)

أبو عوني: (مافي شي بس الأيام الجاية حاسها راح تكون صعبة علينا، البارحة كنت أنا والثوار  نتحدث  بهذا الحديث….

أم عوني: (إن شاء الله خير  ما بصير  شي.)

الباب  يدق  فجأة  يهرع  أبو عوني  وسلاحه  بيده  يفتح الباب.

أحد الثوار: يعطيك العافية  أبا عوني اتصل بي أحد  الثوار وقال  لازم  نكون  جاهزين،  الثوار رصدوا  تحرك  للقوات (الانكليزية  واليهود) باتجاه  القرية (الفالوجة) وهم الآن  منتشرون  مع كتيبة من جيش  الإنقاذ فيها  ضابط  وطني  كثير اسمو (جمال عبد الناصر) 

أبو عوني؛ سأحضر معك  وفي الصباح  سنزور هذا الضابط  ونتعرف عليه، ينادي أبو عوني على زوجته، أنا ذاهب  مع الثوار  ديري بالك على البنات،

أم عوني: (الله  يحميكوا  ويكون  معاكو  وينصركوا)

في صباح اليوم  التالي  يذهب أبو عوني  مع بعض الثوار  ويقابلون الضابط  جمال.

 الثوار: نريد  أن نضع  خطة شاملة للمواجهة  معكم.

الضابط  جمال: نحن  جاهزون  للمواجهة  رغم  الإمكانيات  البسيطة.

تتقدم  القوات  الصهونية  أكثر وتطوق  القرية  من كل الاتجاهات، تحاصر  القرية وبعد مواجهات استمرت ثلاثة  أشهر  تعلن  هدنة  ينسحب  جيش  الإنقاذ  وتسقط  القرية، يخرج أبو عوني  وعائلته  من البلدة  باتجاه الأردن  ومن ثم إلى سوريا  ويستقر في  المخيم، تبدا  رحلة هي  الأصعب  في مواجهة  ظروف الحياة  القاسية، أم  عوني  يصبح  لديها  ست  بنات  وخمسة  أولاد، تصارع  الحياة  بكل الوسائل  المتاحة، هي  أخت  الرجال،  المعاناة  علمتها  الكثير حتى أصبحت  امرأة مختلفة، تخيط  الثياب الفلسطينية  على يدها، تحمل  السكر  والأرز وبعض  المواد  الأخرى من الرمثا  بالاردن  إلى  سوريا  حتى  تبيعها، تواجه  حرس  الحدود  بكل كفاءة  وهي  متسللة  بين الحدود، لم تفكر  بالموت  للحظة  رغم  خطورة المشوار، المهم  كيف  تتغلب  على  قساوة الحياة  وتحمي  أولادها من الجوع، بعد  أن  أغلقت  الحدود فتحت  دكانا  بالمخيم  هي الأشهر تبيع فيها  ما تيسر لها من المواد، تجلس أمام  الدكانة بالثوب  الفلسطيني  المطرز  تعبيرا  عن  تمسكها  بالتراث، تستقبل الداخلين  إلى الدكانة  بتلك الابتسامة التي  لا تغادر  وجهها، في  المسيرات  التي  كانت  تقام  بالمناسبات الوطنية كانت أم عوني. 

تتقدم الصفوف  بالزي  الفلسطيني، تهتف  لفلسطين  ترش  الرز والملح، تتفاعل  بشكل غير  طبيعي  كأنها  تريد  أن  تقول (بكرا  راجعين على  البلاد)

في تشييع  جنازات  الشهداء  تحمل العلم الفلسطيني  تهتف  للشهيد  بدمكم  ستتحرر  البلاد  ونعود، لا احد من سكان  المخيم  صغيرا  أو كبيرا  لا يعرف  أم  عوني، دائمة  الحضور  بكل المناسبات  حيث قالت في إحداها  (راجعين  غصبن  عنهم  اذا بخاطرهم  ما بدنا  نرجع  اخذو البلاد  بالقوة  بنرجعها  بالقوة)

***

ملاحظة :  أم عوني  اسمها  (دلال  هاشم العرجا) وأبو عوني  (محمد محمود زيادة )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى