أدب

قراءة نقديّة في ديوان (أغنيات سيف وجولي) للأطفال للشّاعر السّوريّ فرحان الخطيب

بقلم : ميادة مهنا سليمان| سورية

(أغنيات سيف وجولي) مجموعة شعرية جديدة للأطفال للشاعر السوري فرحان الخطيب، يظهر على الغلاف الخارجي صبيٌّ وبنت مع ألعابهما، وتحملُ صورةُ الغلافِ الداخلي صورةَ صبيٍّ وبنتٍ في طريقٍ ربيعيٍّ جميلٍ على درّاجتَينِ مُتجاورتينِ مُمسكَينِ بيدَي بعضَيهما، وأمامها شجرةٌ مزهرةٌ بلونٍ ورديّ، وكأنّهما في دربِ الحياةِ المُقبلةِ الّتي تنتظرُهما عبرَ هذا الدّربِ الموحيِ بالأملِ والتّفاؤلِ باخضرارهِ، وزهرِهِ، وبراءةِ الطّفلَينِ.والكتابُ في طبعتهِ الأولى من ستٍّ وستّين صفحة/ وفيه ثلاثٌ وعشرون أنشودة.


ولأنّهُ كما يُقالُ:
“ليسَ أغلى من الولد، إلّا ولدُهُ”، فنرى الشّاعرَ يهدي أشعارَ البراءةِ تلكَ إلى حفيدَيهِ، ومن ثمّ لأطفالِ الغدِ المشرقِ:
“إلى حفيدتي الغالية
إلى حفيدي الغالي
جولي.. سيف
إلى أحبّائي أطفال وطن المستقبل”.

تطالعنا أوّلُ أنشودةٍ في المجموعة ألا وهي العامُ الجديدُ، وكأنّها فاتحةٌ لبدايةِ خيرٍ، وفرحٍ، وتفاؤلٍ، فيتحدّثُ الشّاعرُ من خلالها عن أمنياتِه في العامِ، وأهمّها، فيقول:
عيد رأس السّنة عيدُ كُلِّ الوجودْ
عالمٌ واحدٌ عابرٌ للحدودْ
نحن في موطني كلُّنا في دعاءْ
أن تغيبَ الحروبْ أن يزولَ البلاءْ

والقارئ لهذه المجموعة بإمكانه تقسيمها حسب موضوعاتها إلى:
١. أناشيد تتعلّق بالعِلم، حملتْ عناوين:
(شام تقرأ، سيف والحاسوب، سيف المعلّم، جولي شاعرة، جولي إلى المدرسة)، وفي هذه الأخيرة يقول على لسان المعلّمة واصفًا الأطفال بأنّهم أمل المستقبل:
صباحُ الخير يا أطفالْ فأنتم زهرةُ الأجيالْ
تقولُ لنا معلّمتي غدًا سنحقّقُ الآمالْ
وفي أنشودة(سيفُ المعلّم) يعدّدُ الاختصاصات الّتي يتمنّى سيفٌ أن يُدرِّسها:
(معلّم فنون، رياضيّات، نحو، تعبير، آداب، معلوماتيّة):
أحبّ أن أكون معلّمًا قديرْ
أعلّمُ الأطفال النّحوَ والتّعبيرْ
ثمّ ينتقل إلى ذِكرِ أهمّ ما في العمليّة التّربويّة، والّتي لا يمكنُ لمعلّمٍ أن يحقّقَ الغايةَ المرجوّةَ من رسالتِهِ الإنسانيّةِ ما لم يأخذ على عاتقهِ بها، ألا وهيَ التّربية الأخلاقيّة:
أحبّ أن أكون معلّمًا قديرْ
أعلّمُ الأطفال النّحوَ والتّعبيرْ
أحبّ أن أكون معلّمًا خلّاقْ
أعلّمُ الطّلّاب الحبّ والأخلاقْ

٢. أناشيد عن فُصول العام، وهيَ :
(سيف والرّبيع)، يبدؤها بمطلعٍ حماسيٍّ فيه صورة حركيّة، وبصريّة جميلة:
سيفٌ يلهو سيفٌ يلعبْ
عشبٌ غطّى أرضَ الملعبْ
ويصفُ لنا في الأنشودة جرَيان النّهر، تفتّح الورود، عذوبة الماء، زقزقة الطّيور، رحلات الأطفال، والأغاني الّتي يغنّونها، وأدوات لعبهم: (كرة، مضرب)، فنشعر أنّنا أمام لوحةٍ ساحرة، ولا ينسى الشّاعر أن يصف لنا شقاوة هؤلاء الأطفال، فيقول:
نعدو خلف فرَاش الحقل
يهرب منّا لا لا يقربْ

(سيف والخريف)، في هذه الأنشودة يقول سيف إنّه فصل السّهر، و نجد مفرداتٍ وتراكيبَ تدلّ على السّهرات الخريفيّة الجميلة: ” السّهر، السّمر، النّجوم، ضوء القمر، ضياء، ربوع المساء، النّسيم العليل، الغيوم.”
فيهِ يعرى الشّجر بعدَ جنيِ الثّمر
من نزول المطر أو هبوب الهواء .
(جولي والشّتاء)، هنا يصف لنا مظاهر شتائيّة فنقرأ مفردات، وتراكيب:
“المطر والثّلوج، غيمة سوداء، رياح هُوج، مواقد الحطب، اشعلتْ نيرانها، تراقص اللهب”:
جلستُ قربَ النّافذة أراقبُ السّماء
وقد بدتْ لي غيمةٌ كأنّها سوداء
ثم يُتبعُ ذلك الوصفَ، بحديثٍ عن فوائد المطر:
فكلّما هلَّ المطرْ يخضوضرُ الشّجر
وتزدهي بلادنا ونقطفُ الثّمر

(جولي والصّيف)
ترى جولي أن فصل الصيف لِلّعبِ مع صديقاتها منذ الصّباح حتّى الغروب
فيقول أبوها بأنّ الصّيف أيضًا فصل التّعب، ففيه تنضج الثّمار:
هيّا إلى كرومنا نقطفُ تينًا أو عنب
هيّا إلى حقولنا نجني غلالًا من ذهب
ويؤكّد أنّ الصّيفَ ليس للّعبِ، والكسل بل لجنيِ المواسم والحصاد، فيقول:
فيهِ الوفاءُ لأرضِنا
فيهِ الحصادُ والعمل

٣. أناشيد عن البيئة، وهي:
غناء الطُّيُور
السُّلحفاة
النُّجومُ والقمر
حديقةُ بيتِنا
الماء، وفيها يأتي بحقل دلاليّ للماء:
” الينبوع، النّهر، البحر، الشّتاء، الغيوم
،تكاثف البخار، تساقط المطر”:
الماء يا صغارْ يأتي من الغيومْ
تكاثفَ البُخارْ فاسّاقطتْ تعومْ
بالماء يا صغارْ يخضوضرُ النّباتْ
تغرّدُ الأطيارْ وتبسمُ الحياة

(حكايةُ الزّلزال)
جميل أن نجد في هذه المجموعة الشّعريّة الزّاخرة بلوحات الجمال لوحاتٍ مغايرةً للطّبيعة الهادئة السّاحرة الآمنة، فنجد أنفسنا أمام الزّلزال، لا لتخويف الطّفل، بل لتعليمه كيف يحدث، وبمَ تُقاس شدّته، وما هي مظاهره، وتوعية الطّفل بخطره، وكيفيّة وقاية أنفسنا منه:
حكاية الزّلزال تهزّ سطحَ الأرضْ
وتُحدث الشّروخ بِالطّولِ أو بالعرضْ
وقوّة الزّلزالْ تقاسُ بالرّخترْ
يهزّ كلّ الكون إنْ صاحَ أو زمجرْ
إن جاءنا زلزال هيّا إلى الملاذ
ويُهرعُ الأبطال لموقع الإنقاذ

٤. أناشيد وطنيَّة:
(عيد الجلاء)
لا بدّ لأطفالنا أن يعرفوا المناسبات الوطنيّة الّتي يعطّلون فيها عن المدرسة، فلا تكون مجرّد عطلة، واستراحة من المدرسة، بل ينبغي أن يكون فيها وقت قليل لنشرحَ لأطفالنا عن سبب تلك العطلة، وما الحدث الّذي جعل لذلك اليوم قيمة كبيرة، ومن هذه المناسبات المهمّة عيد الجلاء، واحتفالنا بخروج الفرنسيّين عن أرض سورية الحبيبة، والتّذكير ببطولات أجدادنا:
حين جدّي صاحَ في وجهِ العدا
أيّها الشّجعان هيّا للفِدا
حتّى زالَ المعتدي عن دارِنا
واستعدنا الأرضَ مهد الأنبياءْ

(سيف والشَّآم)
في هذه الأنشودة يتجلّى حبّ سيف للشّام:
سيفٌ يقولُ يا أبي إنّي أحبّ الشّام
جميلةٌ أسواقُها وشارعُ الرّخام
ومن خلال هذا الحبّ يعدّد لنا الشّاعر أماكن جميلة فيها:
“الحريقة، شارع النّصر، جامع بني أميّة، سوق الحميديّة، باب الجابية”

(آثارُ بلادي)
يبدؤها الشّاعر بقوله:
بلادنا جميلة وحلوة وساحرة
حضارة عريقةٌ منذ العصور الغابرة
فيذكر فيها تراكيب تدلّل على ذلك:
“حضارة عريقة، كنوز ثرّة، آثار مجد، العصور الزّاهرة”
ويذكر أيضًا مفردات:
“قناطر، معابد، مدافن، مسارح، هياكل،
فسيفساء، زخرفات، أقواس”
ويختمها بقوله:
آثارنا فخرٌ لنا حضارة العباقرة

٥. أناشيد تتحدّث عن مواضيع عامة:
العام الجديد ،
أبي ،
جولي المهذّبة ،
يوم النُّزهة ،
أحبّ الحياة ،
وفي هذه الأنشودة الأخيرة يُعدّد المظاهر الجميلة والمشرقة للحياة الّتي تدعو للتّفاؤل، نلاحظ أنّ بعضها حسّيٌّ مثل:
“الصباح، الزّهور، الرّبيع، لون الغيوم والشّمس وقت الغروب، السّماء، القمر، والمطر:
أنا أحبّ الحياة أحبّ نورَ الصّباحْ
أحبّ نايَ الرّعاة أحبّ زهرَ الأقاحْ
وبعضها معنويٌّ:
” السّرور، الوطن، السّلام، العلَم”:
أنا أحبّ السّلام ولا أحبّ الحروب

ختامًا لا بدّ من ذِكر أنّ لأناشيد الأطفال عند الخطيب أهمّيّة كبيرة في تعليمهم، وتوعيتهم، وترفيههم أيضًا، فهي كنزٌ تعليميّ رافدٌ للدّروس الّتي يقرؤها الطّفل، لأنّها تتضمّنُ أهدافًا تربويّة، أخلاقيّة، ولغويّة، فتحقّق الفائدة والمتعة للطّفل من خلال الكلمة السّهلة الجميلة، واللحن الرّشيق، والإيقاع المحبّب، والأسلوب المبتكر، والصّياغة المتمكّنة، ولذلك نحن أحوج ما نكون لمن يبدع لأطفالنا هذه الأغنيات العذبة الّتي تطربُ قلوبهم وتغذّي أرواحهم بمضامينها، وألحانها، وليس ذلك بغريب عن الشّاعر فرحان الخطيب الّذي أبدعَ ويبدع دومًا للطّفولة كلّ ما هو جميل ومفيد، حماه الله وأولاده وأحفاده، وشكرًا لسيف وجولي اللّذين كانَا مصدر إلهامٍ وإبداعٍ لجدّهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى