محي الدين الوكيلي| المغرب
حين رن الهاتف و كلمه زعيم الحزب كانت فرحة المختار لا توصف. صحيح أن أصدقائه أكدوا له في أكثر من مناسبة أن التعديل الوزاري القادم سيأتي بأخبار سارة، لكنه لم يكن يتوقع أن يكون مرشحا لهذا المنصب بالذات. توقع أن يكون في محيط الوزير، توقع كذلك أن يكون رئيسا لديوان أحد الوزراء، لكن أن يكون وزيرا فهو ما لم يخطر بباله قط. أما الآن فالأمر أصبح حقيقة تدل عليها عشرات المكالمات و مئات الرسائل النصية التي تغزوا هاتف المختار.
عاش المختار طفولة صعبة، فى إحدى قرى الجبل رأى النور في أحضان عائلة فقيرة تعيش من أنشطة فلاحية بسيطة و تربية الماعز، المختار هو متوسط إخوانه و أخواته، كان الخامس من أسرة تتكون من سبعة أطفال منهم ثلاثة إناث. أغلب إخوانه و أخواته لم يكن لهم و لهن إمكانية إتمام الدراسة، بل منهم من لم يلج المدرسة قط. حظ المختار كان جيدا لأنه لم يكن موفقا في الأعمال الرعوية و الفلاحية كما إخوته لذلك ضحت به الأسرة و أرسلته إلى المدرسة. هكذا كان رأي أبيه أول الأمر. حين حصل على منحة للدراسة في المدينة. حكى أصدقاؤه فيما بعد، أن الأمر أصبح أكثر أهمية للأسرة، لأنها سوف تعفى من مصاريف تغذيته لمدة سبع سنوات على الأقل. كان المختار تلميذا ذكيا و مواظبا. حصل على الباكلوريا بتفوق و منها سافر إلى فرنسا لإتمام دراسته. انقطعت أخباره عن القرية قبل أن يعود حاصلا على شهادة جامعية عليا. لم يكن صعبا حصوله على فرصة عمل جيدة، الأطر كانت قليلة آنذاك و سياسة الدولة في مغربة الإدارات و الشركات العمومية كانت في أوجها. تدرج المختار بين المناصب بشكل سلس و دون أن يحدث أي ضجيج حوله. ما يميز المختار أنه لا يحب أن يكون في المقدمة. صحيح أنه يحب السلطة لكنه كان يفضل أن يستمد السلطة من سلطة رؤسائه.
استمرت حياة المختار على هذا الحال مدة غير قصيرة، اشترى لنفسه منزلا فخما و سيارة رباعية و استقر و أسرته الصغيرة في أحد الأحياء الراقية لعاصمة البلاد. من حين لآخر كان يسافر إلى قريته لزيارة أسرته خصوصا أمه و أبوه اللذان كانا يصران على البقاء هناك. حاول المختار أن يضغط عليهما غير ما مرة للإنتقال إلى المدينة، لكنهما كانا متشبتان بالجبل و حياة الجبل. الحياه هناك، بالنسبة له، لا تطاق خصوصا في فصل الشتاء حيث الثلوج تعزل القرية عن محيطها القريب و البعيد. حاول المختار أن يشرح لأبويه مدى خوفه عليهما كلما ساءت الأحوال الجوية. أشار أيضا إلى وضعه الإعتباري و الذي لم يعد مناسبا و يمنعه من المجيء إلى القرية، لكن تشبث أبويه بأرضهم و قريتهم كان أقوى من دفوعات المختار. كلما احتد النقاش كلما اختبأ أب المختار وراء متمنياته في تغير حال القرية و قرب فك عزلتها عن المحيط الحضري.
الآن و قد أصبح المختار وزيرا لا بد له أن يزور القرية. لم يكن مهتما في بداية الأمر، لكن محيطه في الوزارة و الحزب أخبروه أن الزيارة تندرج في إطار السياسة الإعلامية الحزبية. مستشاروه الأقربون أخبروه أن المتربصين به كثر و أنه لم يكن المرشح الوحيد للمنصب بل إنه لم يكن المرشح الأكثر حظا. على مضض قبل أن يبرمج الزيارة، أراد أن يعطي للحدث معنى فقرر أن يذهب بهدية للمدرسة التي درس فيها أول مرة تقديرا و اعترافا. بدأت الإستعدادات، مع اقتراب موعد الزيارة أصبح المختار أكثر حماسا. ففي آخر المطاف المدرسة مدرسته و القرية قريته و سكان القرية عائلته. علمت القرية بالخبر فقام أهلها يعدون العدة لاستقبال الوزير. رغم الإمكانيات المحدودة تطوع الجميع لإعطاء الحدث صدى يعم كافة قرى الجبل المعزولة.
من العاصمة انطلق موكب الوزير، في إحدى المدن المجاورة أخذوا لأنفسهم قسطا من الراحة لينطلق الوفد من جديد في إتجاه الجبل.
زيارة المختار للقرية كانت زيارة رسمية، لذلك كان عليه أن ينسق مع ممثلي السكان و مع السلطات المحلية. تكلف مساعدوا الوزير في تأمين برنامجه في القرية بينما تكلف شخصيا بالتنسيق مع السلطات الإقليمية. صادفت الزيارة فصل الشتاء و الأحوال الجوية لم تكن مستقرة. أخبرت السلطات الوزير أنها لا يمكن أن تؤمن زيارته، الطريق إلى الجبل وعرة و سوء الأحوال الجوية قد تزيد الزيارة صعوبة. يعرف المختار أن السيول و الأمطار الغزيرة لا تستطيع مقاومتها حتى السيارات الرباعية و يعرف أيضا أن الطريق قد تقطع في أية لحظة. في نفس الوقت كل شيء كان معدا لهذه الزيارة و لم يكن مستعدا أن يصغر شأنه أمام سكان الجبل. حاول الوزير أن يفاوض لكن قرار السلطات كان صارما. اقترحوا عليه أن يذهب بصفته الشخصية و ليس بمنصبه الوزاري لكن ذلك لم يكن مناسبا له.
وقف الموكب بالمدينة الواقعة بسفح الجبل و اجتمعت حول المختار خليته الصغيرة تبحث عن الحل. كانت الاقتراحات كثيرة و متباينة. هناك من اقترح على الوزير أن يؤجل الزيارة و هناك من طلب من المختار أن يستمر في المسير نحو الجبل. الرأي الأول علل للوزير الموقف بضرورة الإمتثال لرأي السلطة حفاظا على هيبتها و الرأي الثاني ذكر المختار أنه دأب على سلك هذا الطريق في مرات عديدة و بإمكانيات أقل مما هو متوفر الآن. كان على المختار أن يقرر . و من يعرف المختار قبل أن يكون وزيرا يعرف أنه سوف يقرر تأجيل الزيارة.
بحركات متثاقلة، حمل المختار هاتفه الذكي، بحث في القائمة عن رقم أبيه، بصوت مبحوح أجاب الرجل السبعيني:
-آلو، أين وصلت يا ولدي؟
-للأسف لن أستطيع المجيئ
تساءل الأب بغرابة و تخوف:
– لماذا؟ ياك مكاين بأس؟
أجاب الوزير:
-الطريق غير مؤمن يا أبي.