قراءة في رواية “قناطر وألوان تعانق السماء” للأديبة المقدسيّة مريم
بقلم: هدى عثمان أبوغوش
العنوان”قناطر وألوان تعانق السّماء”له علاقة هامة في متن الرواية، فالعنوان هو المفتاح إلى عالم النص، ويشكل علاقة تفاعلية معه،وهو يدفع القارىء للتفكير في أهمية القناطر والألوان في الرواية، وإلى ماذا يرمز العنوان.
العنوان بصيغة الجمع “قناطر، ألوان”وليس بصيغة المفرد، كان مدروسا ومقصودا،فيه توجيه بصري لدى المتلقي لتلفت انتباهه إلى أهمية وجود القناطر والألوان في الرواية، ليتمعن جيدا ويستخلص الفكرة.فقد تمّ ذكر القناطركثيرا، وكذلك الألوان من خلال السرد الروائي على لسان الشخصيات والراوي، فالعنوان حاضر بقوّة في الرّواية في معظم السرد، والعنوان له وظيفة رمزية هنا تكشف عن التمسك بالهوية والجذور والتراث، والقناطر والألوان في حالة عناق للسماء، ممكن أن نفهم أنهما في صلاة ورجاء للانعتاق من القيود، والمعنى هو حرية الوطن.
إن الإيقاع المتكرر في ذكر القناطر في الرواية هو الصرخة التي تؤكد على ثبات الفلسطيني وتمسكه بأرضه.
الألوان ترمز إلى الحب الأمان الوطن الذكرى والأصل وأيضا الهوية وصراع البقاء،والوجع الفلسطيني،كل الألوان جميلة ما عدا الرمادي الذي يرمز للحروب والشر.
تقول أسينات عن جدّها”هو الذكرى والطعم والمذاق والألوان”يقول الراوي عن والد ريم الذي ينتظر العريس أحمد الذي يحمل الهوية الخضراء”امتزج بعيني والدها اللونان الأزرق والأخضر لونا بطاقات الهوية الملعونة”
جاء على لسان شمعون في حديثه مع أسينات”إنه مميز جدا،هل ترين كم هي جميلة شبابيكه”.إشارة إلى الألوان في البيت الذي يسكنه في عين كارم،حيث الألوان المميزة والمزخرفة والأقواس النصف دائرية المزينة بالزجاج الملون.
والألوان هي أيضا ترمز لجمال الماضي واستحضاره حيث الجذور والوطن والحنين. “الجد بوجود علي واسينات استطاع أن يعيد ذكرياته مع الألوان ويفصل بين كل لون ولون”.في إشارة لحنين الجد للعراق إلى اللون الجميل هناك.
أما العناوين الفرعية في صفحات الرواية فكانت كثيرة وزاخرة، إذ حملت جميعها أسماء النباتات والأشجار،لكنها لم تكشف عن التطور السردي للنص، لم يكن العنوان يصدم أفق توقع القارىء أو انتظاره، بكلمات أخرى لم يكن هناك علاقة بين العنوان الفرعي والنص،إلا أن الأديبة أردات أن تبين علاقة الفلسطيني وارتباطه بالأرض من خلال العناوين.
جاء غلاف الرواية الذي صممه شربل إلياس بشكل رائع وموفق ومتطابق لفحوى الرواية فنرى هندسة الشبابيك الملونة المزخرشة والقناطر والألوان المتعددة والسماء الزرقاء، فالغلاف يجذب القارىء من خلال الصورة البصرية ويوحي بمضمون الرواية عن التراث وعبق الوطن والهوية.
الزمان في الرواية في زمن الانتفاضة،أما المكان فقد أحسنت الأديبة حمد في وصف المكان في قرية عين كارم من خلال البيوت العتيقة التي سكنها المستوطنون، ووصف عين العذراء، وصفت جغرافية المكان البعد الذي خلفه الجدار العنصري رغم قصر المسافة بين سلوان وأبوديس. وأحسنت في وصف الزقاق في سلوان الذي ذكرته كثيرا “الزقاق الطويل” “الزقاق الذي يضم عدة أبواب وخلف كل باب كان هناك حوش” “تصل الاثنتان الزقاق وتبدآن بالقفز فوق درجاته” هذا الوصف يقرب المشهد للقارىء ويجعله يتفاعل مع حواسه البصرية والذهنية، والمكان كان متنقلا ما بين لوس انجلوس وفلسطين المحتلة، وبين الذكرى في ذاكرة علي والجد اليهودي من أصل عراقي. وقد برز في الرواية الصراع حول المكان والانتماء إليه،اسينات اليهودية لا تشعر بالانتماء في عين كارم،بل تشعر برغبة المكان وبروح حزينة داخل البيت العتيق، بينما زوجها عكس ذلك يعزز من المكان وبأنه وعد الرب.ريم وأحمد متمسكان بالمكان والوطن.
الحالة النفسية لمعظم الشخصيات كانت متوترة وقلقة ومتعبة تثيرها الأسئلة والواقع السياسي المر والماضي والذكريات.
جاء سرد الرواية بلغة جميلة شفافة قريبة من القارىء واستخدام الحوار بالفصحى واحيانا بالعامية واللهجة الفلسطينية”يمه يمه وينك ما بدي أصرخ بس تعبت يمه،هذول وحوش يمه ،وحوش”.
توظف الأديبة مريم حمد قصتها للأطفال “الأرجوحة”لتساعد منتصر ابن ريم لزيارة جده خلف الجدار العنصري من خلال الأرجوحة التي تصنع المعجزات.
حاولت الأديبة حمد إبراز تزييف الحقائق المتعلقة بالفلسطيني والأرض من قبل المحتل من خلال شخصية شمعون.
ماذا أرادت الأديبة من طرحها مشكلة عدم توافق فصيلة الدم عند الابن منتصر لعائلته المسلمة وعند الابن جوناثان لعائلته اليهودية والخطأ في تبادل الأبناء في المشفى بين العائلتين؟ هنا تضعنا الأديبة أمام أسئلة محيرة بين معاني الإنسانية والوطن وبين الحرب والحب والأمومة.