أحجار جورجيا.. الغموض ودلالات الوصايا

ناهض زقوت | فلسطين
أثارتني الدكتورة مايا صبحي التي تصف نفسها بأنها خبيرة في الماسونية، في برنامجها (في دائرة الضوء) مع الإعلامي المرحوم إبراهيم حجازي على فضائية النهار المصرية عام 2011، فيما ذكرته عن أحجار جورجيا وعلاقتها بالماسونية والنظام العالمي الجديد. مما دفعني للبحث والتقصي حول الموضوع لمزيد من المعرفة والاطلاع عن هذه الأحجار ودلالاتها.
وبعد أن نشرت وسائل الإعلام عن تفجير حدث في لوحين من هذه الأحجار عاد بي الاهتمام بالموضوع، والكتابة عنه، لكي نضع القارئ الفلسطيني أمام المعلومات التي اطلعنا عليها حول هذه الأحجار والوصايا التي نقشت عليها كنوع من المعرفة، وليكون على اطلاع لما يخطط لمستقبل البشرية.
استيقظ العالم في السادس من يوليو عام 2022 على تفجير غامض لمكان أكثر غموضاً في العالم، إنه تفجير لوحين من ألواح أحجار جورجيا في الولايات المتحدة الاميركية. وبعد تدمير الحجرين تضرر النصب بشدة، ولأسباب تتعلق بالسلامة تم إسقاط الحجارة المتبقية، أي تم تدمير النصب كلياً.

ما حقيقة هذه الأحجار، وما دلالاتها؟:
في أحد الحقول الهادئة والمنعزلة على بعد 140 كيلومتراً من شرق مدينة أتلانتا عاصمة ولاية جورجيا بالولايات المتحدة وفي مقاطعة إلبرت في الولاية، تنتصب خمسة ألواح حجرية ضخمة من الجرانيت على شكل نُصب رأسي، يعلوها حجر سادس أفقي يربط بينها يسمى «حجر التتويج»، ونجد واحد في المركز، والأربع الباقية في الأطراف ترمز لجهات الأرض الأربع. وقد بُني النصب على ارتفاع 230 متراً فوق مستوى سطح البحر، أما النُصب ذاته فيبلغ ارتفاعه تقريباً ستة أمتار.
وقد كتب على الألواح وصايا محفورة بثمان لغات مختلفة، وهي: الإنجليزية، والإسبانية، والعربية، والروسية، والصينية، والسواحيلية، والهندية، والعبرية. أما حجر السقف الأفقي وهو أعلى النُصب (حجر التتويج) فقد احتوى على رسالة أساسية بالإنجليزية تقول: “لتكن هذه أحجارا إرشادية لعصر العقل” مكررة ومصحوبة بترجمات على حوافه الأربعة، وفي اتجاه عقارب الساعة إلى أربع لغات منقرضة، وهي البابلية، واليونانية، والسنسكريتية، والهيروغليفية.
ويتخلل الألواح ثقوباً تشير إلى حركة النجوم والشمس، منها ثقب في قلب الحجر المربع المركزي يمكن من خلاله رؤية النجم القطبي (أشهر نجوم الجزء الشمالي من الكرة الأرضية) في أي وقت، وثقب ثان يشير إلى الانقلابات الشمسية السنوية (ويعمل أيضاً كمزولة أو ساعة شمسية ضخمة)، وثقب ثالث في أحد الأحجار المنتصبة يسمح لأشعة الشمس بالنفاذ إلى الوجه الجنوبي للحجر المركزي في وقت الظهيرة طوال السنة.
وعلى مقربة من هذا النصب يوجد لوح حجري على الأرض نُقشت عليها معلومات عن النصب ومواصفاته، وأبعاده، ووزنه، ونوع حجارته، ودلالات ثقوبه، وتاريخ الانتهاء من بنائه الموافق 22 مارس عام 1980. ودون عليه أيضاً ما يفيد وجود كبسولة زمنية مدفونة تحت النُصب، وإن لم يذكر تاريخ دفنها أو الزمن المتوقع لفتحها.
تعد أحجار جورجيا من أكثر الأماكن غموضاً في الولايات المتحدة، ويرجع الغموض إلى هوية من بناه الغامضة والذي يعتقد البعض أنه ينتمي لجماعة سرية تؤمن بما كتب على الأحجار من وصايا, فيما يرى آخرون أنه مجرد رجل ثري أراد أن يخلد ذكر البلد التي أراد أن يدفن فيها، فيما ذهب آخرون أن ثمة صلة بين فحوى الرسالة المتعددة اللغات والمحفورة عليه بالمنظمة السرية للمتنورين الراعية للماسونية ولإقامة نظام عالمي جديد. فالألواح الضخمة من الجرانيت نقش عليها توجيهات تهدف إلى إعادة بناء الحضارة بعد نهاية العالم. فيما زادت بعض الوصايا غير المنطقية من غموض النصب، كذلك لم يغب الغموض في ترتيب الأحجار واحتوائها على بعض الثقوب التي تستخدم لتحديد حركة الشمس والنجوم، وقد أرجع البعض ترتيب الأحجار إلى كون مصممها أراد منها أن تكون أكبر أداة فلكية حجماً في العالم، ومع ذلك ما زالت هوية الشخص الذي أعطى الأمر ببناء النصب مجهولة، وكل ما يعرف عنه هو اسمه المستعار “آر. سي. كريستيان”، حيث أوكل في شهر يونيو/‏ حزيران 1979 إلى شركة “إلبرتون” لأعمال الجرانيت بناء هذا النصب، وادعى أنه يمثل: جماعة صغيرة من الأمريكيين المخلصين الذين يخططون لبناء نصب ضخم.

وصايا الأحجار:
يحمل النُصب رسالة تتألف من عشرة مبادئ إرشادية، أو عشر وصايا توجيهية، محفورة بثمان لغات مختلفة، لغة واحدة على كل وجه من أوجه الأحجار الأربعة المُحيطة بالحجر المركزي. هذه الوصايا حيرت العلماء حتى الأن في دلالاتها والمغزى من كتابتها. فقد جاء ترتيب هذه اللغات بشكل مقصود، وواضعها عليم بمكانة كل لغة في العالم: فالإنجليزية بحكم تصدرها لمجال البحث العلمي والتكنولوجي ومكانتها الدولية، والإسبانية كلغة عالمية من حيث عدد الناطقين بها، والسواحيلية كلغة مشتركة بين عدة أقوام فضلاً عن حملها لاشتقاقات معرفية كثيرة، والهندية هي وعاء معرفي لعدة ديانات ومعتقدات آسيوية قديمة، والعبرية كلغة شعب في طور التوسع والتطور وهو الكيان اليهودي، وتحمل لغة التوراة ووصايا التلمود، والعربية لغة شعب كبير وممتد، وذات إرث ثقافي وحضاري، وتحمل ديانة تعد الأوسع انتشاراً في العالم، والصينية فهي لغة حضارة صينية قديمة، وتحمل القوة الاقتصادية التي لها تأثير في المستقبل، وأما الروسية فهي لغة تجمع بين لغات أمم آسيوية عديدة بالإضافة إلى حضورها في ساحة التكنولوجيا العسكرية. هذا بالإضافة أن الدول التي تتحدث هذه اللغات هي الأكثر عدداً للسكان، فهي رسالة لها لتخفيض عدد السكان من أجل رفاهيتها.
تقول هذه الوصايا التي نقشت على اللوح المخصص للغة العربية كالآتي:
1ـــ أبقوا عدد الجنس البشري أقل من 500 مليون ليبقى في توازن دائم مع الطبيعة.
2ـــ وجهوا التناسل بحكمة، مع تحسين اللياقة والتنوع.
3ـــ وحدوا الجنس البشري بلغة حية جديدة.
4ـــ تحكموا بالعاطفة، بالعقيدة، بالتقاليد، وبجميع الأشياء بمنطق معتدل.
5ـــ احموا الناس والدول بواسطة قوانين عادلة ومحاكم منصفة.
6ـــ دعوا جميع الدول تحكم داخلياً مع تصفية المنازعات الخارجية في محكمة العالم.
7ـــ تجنبوا القوانين التافهة والموظفين عديمي الفائدة.
8ـــ وازنوا بين الحقوق الشخصية والواجبات الاجتماعية.
9ـــ أجّلوا الحقيقة، الجمال، والحب، ملتمسين الانسجام مع اللانهاية.
10ـــ لا تكونوا سرطاناً على الأرض، أفسحوا مكاناً للطبيعة.. أفسحوا مكاناً للطبيعة.. أفسحوا مكاناً للطبيعة.
هذه الوصايا تذكرنا بالوصايا العشر التي تلقاها سيدنا موسى عليه السلام في طور سيناء، ويبدو للباحثين والدارسين أن الرسالة المنقوشة تعكس أيديولوجيا أو فكر جديد لعصر جديد، والغرض منها هو توجيه البشرية لما سيأتي بعد الحدث المروع الذي سيعرفه الإنسان في المستقبل القريب. فهذه الوصايا هي تعاليم تؤشر على ما ينتظر مستقبل البشرية وفق النظام العالمي الجديد التي تدعو إليه الولايات المتحدة الامريكية.
يمكن تقسيم الوصايا العشر التي تحملها الرسالة المنقوشة إلى ثلاثة مجالات رئيسية، وهي: التحكم في السكان والتكاثر، ونظام الحكم وإنشاء حكومة عالمية، والبيئة وعلاقة الجنس البشري بالطبيعة.

ورغم وضوح بعض هذه الوصايا، إلا أن بعضها الآخر يثير جدلاً ونقاشاً واسع النطاق حول ما يمكن أن تتضمنه من معانٍ ودلالات خفية تتعلق بتخطيطات محتملة لمستقبل البشرية من قبل منظمات سرية ماسونية. ومما يؤكد ذلك نجده في أول رسالة هو تحديد عدد سكان العالم (تتوافق هذه الرسالة ما يطرح حالياً بمشروع المليار الذهبي لعدد سكان العالم)، وكذلك نرى توصيات بحكومة عالمية واحدة (دعوة مطروحة لدى مراكز الأبحاث لإقامة حكومة عالمية واحدة تحكم العالم)، ودين واحد (وهي دعوة الديانة الابراهيمية)، ولغة واحدة، ويشير بعض الباحثين ممن درسوا الماسونية واطلعوا على مبادئها وأسرارها يؤكدون أن هذه الوصايا جزءاً من تعاليمهم ووصاياهم.
في حين يرى بعض الباحثين أن هدف هذه الوصايا لا يتجاوز كونه محاولة لإرشاد البشر في المستقبل إلى القواعد الأساسية لبناء حضارة أرقى على أسس سليمة، وتقديم بعض المعلومات الضرورية لإحياء العلم مثل الاتجاهات الأربعة، وتحديد الوقت، وطرق الاهتداء بالنجوم، وبعض المعلومات الفلكية الأساسية، وأفكار ورؤى لمستقبل الإنسان.
لقد أشارت بعض وسائل الاعلام أن حجري اللغة الروسية والصينية هما اللذين دمرا، وهذا يرجع في نظرنا إلى التحالف الروسي الصيني، والموقف من الحرب الروسية الأوكرانية. ولكن لم تكن هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها هذا النصب للتخريب، ففي عام 2008 جرى تشويه النصب بكتابات أشخاص معارضين ومدركين لأهداف هذه الرسالة، حيث كتبوا بالطلاء عبارات “الموت للنظام العالمي الجديد“، و”يريدون أن يتخلصوا من 80% من الأمريكيين”، وهم يعتبرون رسالة هذا النصب بمثابة “الوصايا العشر للمسيح الدجال“، وترويج للنظام العالمي الجديد، الذي يزعمون أنه مستند إلى أفكار الماسونيين الأحرار والمستنيرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى