أيُّها النَائي القَريب
فايز حميدي | فلسطين – السويد
-١-
أيُّها المَرميُّ على رَصيفِ الحُزن
قُصاصَة وَرقٍ تَلهو بِها الرّيح
عَارٍ مثلَ الأجنةِ
يَهربُ الآسى إلى نَاظِريكَ
لا نجمةٌ في سَماءِكَ تَلوحُ
وَلا زهرةٌ فوَاحةٌ
وكم يُضنيني ويُضنيك اغترابُ ؟!
في غَسقِ الدُّجى لا ضِياءٌ
والمَدى الأجرَد المَكسور !!
بَعثرتنا الدّروبُ
والقهرُ بَنى أعشاشهُ على أكبادِنا
كمْ من طَعناتٍ للخائبِ سافرتْ
في النبضِ ؟!
بوَجهها الغَامض وَشرِها الهَرمُ
رَمتْنا القبائلُ في جُبِّها
وَبكَانا الشَّفق
وَاستكانوا لقهر الطُغاة
أنا المَرميُّ على رَصيفِ الحُزن
زيتونةٌ على الطريقِ
-٢-
أيُّها النَائي يا حَفنةً من فَرحٍ
أيقظتَ الورودَ في أعْمَاقي
وامتدَ ليلُ حَنيني ونِدائي
أنا العاشق وشفاهي ظِمَاء
أعطِني مِعطفَ رُوحي لِتشرقَ شَمسها
وَنَمضي مُتعانقينِ
أسافرُ في دَمي والأفقُ المُحمرُ
بِشعلةٍ
وَقبضةٍ
وَقُبلةٍ
وَأقتدي نبضَ ذَاكرتي
وَيرتعشُ الجَسدُ حديقةً خضراءَ
وَتزهرُ كينونَة المُخيلة
هُنا مخيمُ اليَرموك وَالنيرب والشّيح
وهناكَ في البعيدِ البَعيد
وفي قلبِي القَريبِ القريب
القدسُ والجَليل وَغزةَ وَجنين
تَشهدُ الموتَ ولا تموتُ
عَينايَ لي أيُّها النَّائي
وَعوسَجة قلبيَّ لكَ ..
-٣-
بنسيمِ الحُزن يقلبُ الغريبُ أيَامهُ
بينَ حَرائق اللهفةِ
وغصَة الذِكرى
والعواصفُ الهوجاءُ والأموَاج ..
بوجههِ الفَوضويُّ وخرابهِ السَّبأي
يرتبُ بثيابِ الحنينِ أحلامهُ
وَماءُ الوقتِ يَعدو أمامهُ
شَاحب الصَوت كالمصَابيح الحَزانى
في ظُلمةِ الليلِ الكَئيب ..
ككلُّ المتعبينَ قلبٌ شَريد
تحتَ أضواءُ الغُروب
كمعتقلٍ يَرنو لِسجَانهِ
-٤-
الريحُ تعبثُ
يا وطنَ الأمل الهشّ
لا تقطُف الوردةَ
دعْ الضَوء الشَحيحَ يتنَاثرُ على الظِلالِ
يا ضِحكَة في البُكاءِ
كمْ بَشاشةٍ ولِدتْ من رغيفِ ؟
نَهركَ صارَ وادياً جفَّ ماؤهُ
كشراعٍ حَطمتهُ دويَّ الرُّعودِ
كيف ارتعشَ الحُلم في طُرقاتِكَ
وأوصِدَت الأبوابُ ؟
يا بِلادُ الجِباهَ السُّمر طُوبى لكِ
ما أوسع ظلك !!
أنتِ خُبزي وَتنوري وَضفافي وَحصَادي
شَمّري عن سَاعديكِ
وَدعيني أثملُّ في بريقِ عينيكِ
وَدُقي السَّماء
كي يَتأجج الرَّمادُ جمراً
والبسيطةُ تنّدى والرّوضُ يُزهرُ
وَأعيدي ذَاتك المَنهوبةُ لِترقُص الأغصَانُ
ويعتقنا الظلام
ويزهرُ في الرُّوضِ البَنفسجُ والعوسَجُ …
-٥-
يَا آخِرَ المَعمورةِ وبدءَ المُحيط
الشَّمسُ خجولةٌ هُنا
وقلبيَّ صلصالٌ من هُناك
وأزيز الرِّياحُ البَاردة وحشةُ البيداءَ تسكُنُها
في ماءِ ذَاكِرتي :
غبارٌ لا وطنَ له
يطيرُ بلا أجنحةٍ
ومَخالبٌ شَرسةٌ
ودمُ الآسِ
وأناشيدُ الكِفَاحِ
وصراخُ الناسُ يقتحمُ الحُصونَ
وفي شِغافِ القلبِ يبحرُ الحُلم الوَليد
وفراشاتٌ وصهيلُ خيلٍ تحلمُ بالربيعِ
أيُّها الغريبُ الحرُّ المُدنفُ الأرقُ
النّهارُ يَمضي
حبِّر وَصيتُكُ الأَخيرة
وَأنشد أغنياتُكَ
لم يَبق من العُمرِ سوى :
جُرحُكَ الغَافيَّ
وخَاصِرتُكَ التَعبى
وَفُؤادكَ المَكلوم
وَهَاويةٌ ، وَبقايا مِن رَمقِ .
…..
النائي : المخيم .
^^^^
( القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية )