أنا طِفل
مناسك إبراهيم | السودان
في السادسةِ صباحاً من فجر كل يوم، يُرتبُ مئاتُ الأطفالِ حقائبهم للذهابِ الي المدرسة، بينما أُرتبُ انا سلةَ بُضاعتي الصغيرةَ، فأضعُ فيها قَليلاً مِن الدموع، وبعضَ الإحلامِ الميتةَ، وإضافة إلى ذلكَ أضعُ عُمراً كامِلاً!
أَخرجُ ساعياً بينَ الإزقةِ والشوارع؛ باحِثاً عن قوتي يومي، الذي يُقدرُ ببضعِ جُنيهاتٍ فقط، أنظرُ إلى المارةِ وأقول بِصوتٍ سرقَ الليلُ طفولته بالبكاءِ: هَل من مُشترٍ؟ هل من مُشترٍ؟
لا يُجيبُ احد، فيّعمُ صمتٌ طويلٌ رغمَ صخّبِ الشوارع، وتَخلو الأماكِن من زُوارِها..رغمَ اكتِظاظِها!
أأوي إلي ركنٍ بعيدٍ وأجلسُ غريباً في موطني، أستندُ على الجدار، فهو وحده من يسنُدني بعد الله، أتنفسُ بِعمقٍ وأنظرُ الي الفراغ، إلى اللاشئ، أّغمضُ عينيّي وأغوصُ فِي داخلي، إلى عالمي الجميلِ الذي رسمته، فأنظرُ إلي والدّتي وهي تَضعُ طعامَ الإفطارِ في حقيبتي المدرسية، وفي ناحية أُخرى يجلسُ أبي ممسكاً بالجريدةِ يقرأها وهو يحتسي كوباً مِن القهوةِ اللذيذة،
يقطعُ شرودي صوت أُمي وهي تُناديني: “هيّا تعالَ وخُذ حقيبتكَ وأذهب إلى حافلة المدرسةَ”.. أقتربُ منها وآخذُ حقيبتي، ثُم تَنحني لتُقبلَ رأسي، فأُغمضُ عينيّي، ثُمَ أفتحهما فأجدُ الرصيفَ أمامي، والجدارَ خلفي، والسلةَ بينَ يدي.. أدفنُ وجهي بين يدّي وأسمحُ لدموعي بالنزول، فأقولُ بصوت لم يَتجاوز محيطَ حنجرتي: أنا طِفل.. رُغمَ كل الظروفِ أنا طفل!