الإنسان الكادح في “فستان فضي لامع” للكاتبة وداد معروف

طارق عبد الفضيل | شاعر وناقد مصري

(فستان فضي لامع) للكاتبة المرموقة وداد معروف هي مجموعة قصصية صادرة عن مكتبة نانسي بدمياط 2019. تتكون المجموعة من ٢٩ قصة.
العنوان:
فستان + الإهداء = تركيز على قضايا المرأة × فضي لامع = سطح ترف وتحت السطح معاناة.
ومن قراءة القصة التي تحمل المجموعة عنوانها وهي “فستان فضي لامع” يتضح لم اختارت الكاتبة هذا العنوان للمجموعة. فالقصة تلخص رحلة الحياة، من حفل بهيج إلى معاناة الفقد في الغربة إلى الفقد النهائي بالموت. فستان فضي لامع إذن يعني السطحي مقابل العميق، والزيف مقابل الحقيقة، والمؤقت مقابل الدائم/ المطلق.

المقابلة والمفارقة:
المقابلة بين نقيضين مثل الكلب يأكل الكفتة والإنسان الجائع .المفارقة بين المعنى الظاهر والمعنى الباطن.. مقابلة بين اسم الجدة “الضي” ورداء أمها الأسود – بين الصدق والكذب في ” النهر دافئ اليوم”.
في “ثقافة” مقابلة بين صورة الكلب يأكل الكفتة وتهتم به السيدة الثرية ووجوه العابسين في المقهى ومفارقة بين ما يظهر على السطح من صورة عادية لامرأة تلقي لفافة لكلب إلى مفارقة بين حال الكلب وأحوال البشر، ورصد معاناة الإنسان في أبشع صورها. صورة تستدعي بالضرورة صورة امرأة تفتش عن الطعام في صندوق القمامة.
في “الرائحة” الرائحة الطيبة في مقابل السلوك العفن. في “أبو موسى” المقابلة بين رشيد في عمله الحزبي والصراعات الحزبية ورشيد عازف العود ومتسلق جبل “أبو موسى”. في “الحلوة” المقابلة بين السكر في يد الطفلة تلعقه النسوة وبين حياة سادة تحياها الطفلة وهي راضية وسعيدة.

الشخصيات:
كل الشخصيات مطحونة كادحة (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه).. في “استديو حنا” إنسان لا يصل إلى مبتغاه. في “جرح دائري” تصرح البنت “في غياب أمي لا أحد لي.” صفاء السكرتيرة في “الظل الباهت” تجتهد وتقوم بكل العمل بينما تحظى وردة برضا المدير، وحتى حينما تتجمل مثل وردة يخذلها حذاءها وتفشل .. هي لن تصل أبدا إلي ما تريد. في “رسالة إليه” لا تحصل العاشقة على قلب حبيبها رغم عشقها الكبير له وتضحيتها رغم أن قلبه تملكه امرأة أخرى تعذبه وتدوسه بلا رحمة؛ وهي تسأل: “ما الذي وجدته عندها ولم تجده لدي؟”
وفي “وعد” (سيظل مشروع زواجها من صاحب الوعد مجمدا) والشاعرإياد عفيفي في قصة “سيادة عفيفي” لا يكفي بروز نجمه كشاعر مشهور ليكون سعيدا ففي المقابل يعيش وحيدا بلا زوجة وولد لأنه ” لا يستطيع ….؟!” ولا يجد تعاطفا حتى من أخته الوحيدة.
وفي “قلعة الحاجة همت”: امرأة ميسورة لكنها وحيدة وحزينة، أرملة خدعها أحد أقاربها واستولى على ثروتها فماتت وهي “لا تملك شيئا، ثم مات هو بعدها بعامين وترك كل ما اغتصب لولد وحيد معاق ذهنيا” هذه هي شخصيات وداد معروف، لا تحظى أبدا بما تريد؛ تعيش حزينة مقهورة تعاني الفقد ثم… تموت. وما يزيد الإحساس بفداحة حظ الحاجة همت هو حصول صديقتها الحاجة بهية على زوج لأنها أكثر منها جمالا.

سمات مشتركة بين شخصيات وداد معروف في “فستان فضي لامع”:
١ – شخصيات متنوعة:

المصري والعربي – الصغير والمسن – الرجل والمرأة – الفقير والغني – السكرتيرة والمدير – الطبيب – المحاسب – المهاجر – بائع الشنطة.

٢- شخصيات مطحونة، كادحة
٣- شخصيات لا تحقق ما تريد حتى في العشق
٤- دائما توجد شخصية أخرى تحقق وتحصل على ما فشلت الشخصية الرئيسة في الحصول عليه؛ فالسكرتيرة وردة حصلت على ما عجزت عنه صفاء والحاجة بهية حصلت على زوج لأنها أكثر جمالا من الحاجة همت؛ والعاشقة لم تستطع الحصول على قلب حبيبها الذي حصلت عليه امرأه تذله.
٥- شخصيات رغم ذلك لم تفقد إيمانها؛ فالبائع مسعد في قصة “المسافر” رغم تعبه الشديد الذي زاد المطر من حدته يدخل المسجد ليصلي جمعا وقصرا.
٦- أسماء الشخصيات لا تخلو من مفارقة لاذعة فبائع الشنطة الكادح اسمه مسعد والسكرتيرة المحبطة اسمها صفاء والمغربي اسمه رشيد.

تحولات الخطاب:
– في قصة “الظل الباهت”: بدأت القصة باستخدام ضمير المتكلم “كنتُ” ثم تغير إلى ضمير الغائب في منتصف القصة في قولها” قضت ساعات طويلة من الليل…..” إلى آخر القصة. والتحول هنا يشي بأن القصة لم تبدأ حيث بدأت.
– في قصة ” ليان” تحول الخطاب في “نظرتْ إلى وجهه طويلا ، تأملتْ ملامحه التي حلمتْ أن تمرر يدها عليها يوما ما ، ولما جاء اليوم يفجعني بشريكه فيه !! أحلامنا كناطحات سحاب عالية لا تطال”. والتحول هنا يسبر أغوار النفس وآلامها بالدخول المفاجيء للمونولوج.

اللغة:
استخدمت وداد معروف لغة سهلة سلسة، فصيحة في معظمها، لكنها لم تجد حرجا في استخدام ألفاظ دارجة مثل: الملايات اللف والبيشة أو أجنبية مثل: البلكون والسيمفونية. ولم تستخدم كلمات غريبة إلا كلمة واحدة هي: هذرمتها (والهذرمة الإكثار في الكلام والإسراع في القراءة والمشي، والهذرمة في الكلام الخلط فيه)
وفي النهاية (فستان فضي لامع) مجموعة قصصية اتخذت من التعبير عن معاناة الإنسان همها الأول والأخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى