الوجه الناصع للبصرة !

عليّ جبّار عطيّة | رئيس تحرير جريدة أوروك العراقية

مكثتُ في البصرة، جنوب القلب، سبعَ ليالٍ وثمانية أيام بمناسبة مهرجان المربد الشعري بنسخته الرابعة والثلاثين، (٢٠٢١/١١/٢م ـ ٢٠٢١/١١/٩م) فما وجدتُ غير الألفة، والشعور القوي بالانتماء إليها، وإلى أهلها، فالماء من ورائنا، والسخاء من أمامنا، والشعر ينتظرنا !!
أهل البصرة طيبون يستمدون الطيبةَ من أرضهم الطيبة (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه)، منذ أن أُسست سنة ١٤ هجرية (٦٣٦م) على يد الصحابي عتبة بن غزوان المازني.
ومن علامات طيبة أهل البصرة ، أنَّه ما إنْ يسمع أحدهم بأنَّك زائرٌ لها حتى يعرض عليك بصدقٍ تضيّيفك في بيته، والمبيت عنده، بل إنَّ سائق سيارة الأجرة داخل المدينة يرفض أخذ الأجرة إلا بعد إلحاحٍ منك، وما ذلك إلا من طيب نفوسهم، وسخائهم الذي يجري في دمائهم.
في السوق القديم بالعشار، ما إنْ عرف صاحب محل للحلويات أنَّني موظفٌ في وزارة الثقافة حتى أعطاني رقم هاتفه قائلاً : أنا وشقيقي عازفا أورغ محترفان ، فإذا كانت هناك فرصةٌ للعمل في أحد النوادي، أو حفلات الأعراس فنحنُ حاضران !
الكرم والجود بصريان بامتياز؛ فما أن مسنا الجوع بعد قراءاتٍ شعريةٍ في كلية التربية في قضاء القرنة بعد ظهيرة السبت الموافق ٢٠٢١/١١/٦م حتى فأجأنا أهل الدار بوجبة سمكٍ فاخرةٍ (والمقبلات مجاناً بالطبع ! ) في منتزه على ضفاف شط العرب، وإمعاناً في الكرم قدموا لنا (الطابگ البصري)، وهو رغيف خبز مصنوع من عجين الرز، لكنَّه رقيقٌ ويختلف عن الطابگ السميك لأهل الجنوب !


كان المسؤولون عن الضيافة لا يكفون عن الترحيب بنا على طريقة أهل البادية الأصلاء !
أردتُ ألا أُخيّب ظنَّ المرأة العرافة (غير المحترفة) التي كلمتني (حتى كلَّ متني) في بغداد، وتنبأت لي قبل السفر ببضعة أيام بأنَّي سأزور أماكن مقدسة !
تجولتُ في العشار بحثاً عن أماكن العبادة لعليّ أبدد شيئاً من قلقي الوجودي، وأستعيد وطني !
أثمر بحثي عن اكتشاف مرقد السيد عبد الله بن علي بن جعفر بن علي الهادي عليه السلام قرب الاعدادية المركزية في شارع الاستقلال بالعشار ـ وإنْ كان في حالة إعادة إعمار ـ ، ثمَّ بالصلاة في مسجد (الكزازة) في الزقاق القريب من المرقد، ويعود تاريخ بناء هذا المسجد إلى سنة ١٩٥٨م ، ثمَّ خصصتُ أمسية اليوم قبل الأخير لزيارة مقام وجامع الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في محلة المقام في العشار الذي يرجع تاريخ تأسيسه إلى سنة ١٩٣هـ أو سنة ٢٠٠هجرية، وقد مر به الإمام الرضا في عودته من خراسان، ويروى أنَّه اشترى أرضاً في هذا المكان، لكنَّ تجديد المسجد جرى سنة ١٩٢٣م على يد العلامة حسن الحكيم، وحسب مركز تراث البصرة فإنَّ هذا المقام ينسب إلى الإمام علي عليه السلام، أو إلى الإمام الرضا.


تبلغ مساحة المسجد ٦٠٠م ويتسع لـ نحو ٥٠٠ مصلٍ، ولكن ما أعجبني فيه مكتبته الأنيقة، ومعرض البيع المباشر لبعض العناوين، ووجود شباك لمقام الرضا يمكن المصلي أن يؤدي زيارة الأمام وهو يقف أمامه، وكأنَّه في مدينة مشهد المقدسة ! همن
وحين نشرتُ صورتي أمام شباك المقام في مجموعة (العائلة) في الواتس آب توهَّم مَنْ رآها أنَّني في رحاب مرقد الإمام الرضا في مدينة مشهد الذي يبعد عن المكان الذي صوَّرتُ فيه الصورة أكثر من ١٨٠٠ كيلومتر!
يُغيّب الإعلام وجهاً ناصعاً للبصرة هو الوجه التاريخي والآثاري والديني والحضاري لهذه المدينة العريقة ويحصرها في شحة الماء العذب مع أنَّ عذوبة أهلها تروي العطشان !
ضربتُ كفاً بكفٍ أسفاً على اخفاقي في زيارة معالم دينية، وآثارية كثيرة، ربما لضيق الوقت، وأرجأتُ ذلك إلى فرصةٍ أخرى، وتذرعت بمثلٍ يردده أهل العرفان يقول :(الوصال مدفن العشق) !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى